رأي اليوم :
ما انفكّ المؤمنون اليهود يعتقدون أن السيّد المسيح لم يأتِ بعدُ بل سيأتي، وهم ما برحوا ينتظرون مجيئه، مع ان النصارى المسيحيين قد آمنوا برسالته واتبعوه منذ أكثر من عشرين قرنًا كما آمن به أقوام أخرى من فُرس ويونانيين وقلائل من اليهود، كما من العرب فبل الإسلام وبعد الإسلام؛ وذكره القرآن الكريم في أكثر من سورة، وذكرته وثائق وكتابات تاريخية، وتنبأت عن مجيئه مخلّصًا روحيًا أسفار من ” العهد القديم” من الكتاب المقدّس بآيات وبعلامات وأدلّة تحققت كلّها، ومن هذه الأسفار( إشعيا 7: 24 و 53: 2 ـ12 ، و تثنية الإشتراع لموسى 18: 18 و 19، ومرمور 2: 2 ـ8، ودانيال 7: 11 ـ 14) أقول: ما برح البهود يعتقدون إن المسيح ( روح الله يسوع “عيسى” ابن مريم)لم ياتِ بعدُ، بل سيأتي ” ليخلّصهم”، وأن كثيرين منهم الآن يعتقدون أن أوان مجيئه قد اقترب !
إن المطّلع إطّلاعًا جيدًا على مضامين التوراة وأسفار العهد القديم من الكتاب المقدّس وكذلك على مضامين اليهودية العالمية، يخرج بنتيجة قاطعةأن دين اليهود ذو طابع سياسي، فسياستهم ديانة، وأكبر دليل على ذلك أن حاخامات اليهود قاطبةً حتى اليوم تخالط السياسة معتقدهم الديني، وأن دينهم مشوب بمعتقدهم السياسي؛ وأقرب وأنصع دليل على ذلك هو ما صرّح به الحاخام ( دوينكي) على الملأ مع حاخاميين آخرين في خريف عام 1992 بشأن (مؤتمر مدريد 1992) للتسوية السياسية بين إسرائيل والعرب ـ وهو المؤتمر السرابي! الذي أعدّوه لتضليل الغربيين خصوصًا وبعض العرب عمومًا ـ وعدّوه إشارةً إلى دنوّ مجيء المسيح، وهو موضوع ديني بحت، شاءوا أن يمزجوه بالسياسة!
ذلك لأن اليهود يبتغون ” مسيحًا سياسيًا” !، وأقدم دليل على ذلك أن يهوذا الإسخريوطي ـ تلميذ المسيح الحقيقي ـالذي أتى فعلاً قبل اكثر من عشرين قرنًا ـ كان طموحًا إلى المجد الدنيوي، وكان يروم من معلّمه أن يُعلن نفسه ملكًا على اليهود، وأن يضع التاج على هامته، بَبدَ أنه أدرك أخيرًا أن مملكة المسيح روحية وليست زمنية من هذا العالم ( كما ردّ المسيح نفسُه على أحبار اليهود وعلى بيلاطس الحاكم الروماني في أثناء محاكمته). فأصيبَ يهوذا بالإحباط الذي أدّى به إلى خيانة معلّمه، فتأمر مع شيوخ اليهود على تسليمه إليهم(1).
يشتمل كتابا المسيحيين والمسلمين على نصوص وآيات وشواهد على واقع مجيء المسيح الموعود به، وعلى معجزاته ورسالته وأقواله وأفعاله وارتفاعه إلى السماء حيًا، وهما يفنّدان بشكلِ وافٍ أكاذيب وأباطيل حاخامات اليهود الذين سمّموا أفكار ملّتهم تجاه أتباع المسيح وغبرهم من الأغيار والمؤمنين قديمًا وحديثًا،، لكن مؤمني الشرق يرون في تلك الفذلكات والأباطيل جنوحًا لتضليل مسيحيي الغرب بباعث من أغراض سياسية.
إن كان ” مسيح اليهود” سيأتي ـ كما يعتقد موجّهوهم ـ فمسيحهم حتمًا يرومونه ذا مواصفات خاصّة على وفق تصوّرهم، أي مسيحًا أخرَ من المُسَحاء الكذبة الذين تنبّأ عنهم السيّد المسيح نفسه، نظير (باركوبا) ـ المسيح الدجّال ـ فقد حاولوا بقيادته عام 135م إقامة مملكة يهودية في القدس.، وذبحوا المسيحيين فيها.
لقد خاطب المسيح اليهود، ممّن أنكروا شخصه بينهم، قائلاً : ” لكنني قد عرفتكم أن ليس فيكم محبة الله. كيف تقدرون أن تؤمنوا، وأنتم تقبلون المجدَ، بعضكم من بعض، ولا تبتغون المجد الذي من عند الله وحده؟ لا تظنّوا أني أشكوكم …لأن موسى، الذي فيه رجاؤكم، هو من يشكوكم. فلو كنتم تؤمنون بموسى، لآمنتم بي، لأنه كتب عنّي (يو 5: 42ـ46).غير أن اليهود، منذ زمن بعيد، لا يؤمنون بأسفار موسى كما يقتضي ـ كما قال المسيح ـ بل يؤمنون بكتاب غير مقدّس هو (التلمود) الذي يزعم إن المسيح موجود في لُجج الجحيم، وإن أمّه مريم قد ولدته حرامًا، وإن أباه عسكري يُدهى (باندارا)، كما ينص إن اليهود مُلزَمون أن يلعنوا رؤساء المذهب المسيحي ثلاث مرّات يوميًا(2).
إذا كان المسيح الحقيقي لم يأتِ فعلاً من مريم البتول من نسل داوود النبي ومن ” بيت لحم”، كما نصّت نبوءآتأنبياء بني إسرائيل ونصوص الإنجيل، فلماذا سعى اليهود حثيثًا إلى استصدار ” وثيقة الفاتيكان” في سنة 1964 بشأن تبرئة اليهود من دم المسيح؟! (3) أليس سعيهم دليلاً ضمنيًا علي إيمانهم الباطني بأن المسيح قد جاء؟ لكنّ نبيّهم ( أشعيا) نعتهم قائلاً: “ينتظرون نورًا، فإذا ظلام”. إنهم لذلك لن يبصروا النور طالما أنكروا المسيح الناصري، وهم الذين عناهم المسيح بقوله:” أقول الحق لكم، إن العشّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله” (متى 21 : 31). كما قال لهم:” ألويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيّون المراءون، فإنكم تغلقون ملكوت السماء في وجوه الناس، فلا أنتم تدخلون، ولا الداخلين تتركونهم يدخلون ” ( متى 23: آية 13).
إذا كان أئمّة اليهود يعتقدون أن للمسيح مجيئًا آخَر، مغايرًا للعقيدة المسيحية، فهو سيكون مجيئًا لغرض أخَر لا ينتفع منه اليهود، لأن مجيئه الآتي سيبكون في يوم القيامة (يو 5: 28 و 29).
يعتقد رجال الدين المسيحيون في الشرق أن ملّة اليهود ( التي جحدت المسيح المرسل إلى بني إسرائيل خصوصًا وإلى الشعوب عمومًا) قد حكم الله عليها بالتشتت على وجه الأرض وبمرارة النفي وخُسف الإذلال منذ عشرين قرنًا، لأنهم أبوا الإنقياد إلى رسالة المسيح إبن مريم، الناطق بينهم بكلام الله، طِبقًا لنبوءة كليم الله موسى في الآيتين 18و19 من الفصل 18 من سِفر (تثنية الإشتراع). قال يوحنا الإنجيلي، وهو يهودي مثل تلاميذ المسيح قاطبةً : “أتى إلى خاصّتِه، وخاصتُه لم تقبله ” (يو11:1). لقد أورد عقيدة التشتت هذه الخوري أنطون قندلفت الحلبي في كتاب مواعظه (عقود الجُمان) ص199. وفي الغرب نظير هذه العقيدة كانت سائدة بين غالبية المؤمنين في كثير من المعاجم العصرية مع إختلاف بسيط في التفاصيل في أقطار الغرب. ((The Wandering Jew
لقد إنصرم ربع قرن على يوم أُكذوبة ( دوينكي ) ولم يأتِ مسيح مِلّته، وهو المسيح لن يأتيَ أبدًا للغرض الذي يتمنون ويعتقدون زورًا وبُهتانًا وتضليلاً، لأنه سيأتي ديّانًا للأحياء والأموات المُنبعثين من لحودِهم.
ـ (1) كتاب ” اليهودية العالمية وحربها المستمرة على المسيحية ” ص145، دار الإتحاد ـ بيروت 1964.
ـ (2) الكتاب المذكور في (1) أعلاه لإليا أبي الروس، ص 120ـ 123.
ـ (3) أنظر كتاب ” نحن والفاتيكان وإسرائيل ” لأنيس القاسم، صادر عن منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث ـ بيروت 1966.
لم تقبله” (يو11:1). لقد أورد عقيدة التشتت هذه الخوري أنطون قندلفت الحلبي في كتاب مواعظه (عقود الجُمان) ص199. وفي الغرب نظير هذه العقيدة كانت سائدة بين غالبية المؤمنين المثقفين وهي المعروفة عندهم بمقولة ” اليهودي التائه “، وهي تدور حول المغزى عينه، وموجودة في كثير من المعاجم العصرية مع إختلاف بسيط في التفاصيل في أقطار الغرب ..
لقد إنصرم ربع قرن على يوم أُكذوبة ( دوينكي ) ولم يأتِ مسيح ملّته، وهو المسيح المنتظر لن يأتيَ أبدًا للغرض الذي يتمنون ويعتقدون زورًا وبُهتانًا وتضليلاً، لأنه سيأتي ديانًا للأحياء والأموات المُنبعثين من لحودهم.
أربيل