شفقنا- لم يحقق الليبيون منذ الإطاحة بزعيمهم العقيد «معمر القذافي» في العام 2011 أيًا من أحلامهم في الحرية والأمن والعيش الرغيد في بلدهم النفطي، كانت مأساتهم مختلفة إلى حد ما عن دول ثورات الربيع العربي، فالانقسام السياسي الداخلي الذي جرعهم الويلات مستمر تدعمه قوى خارجية.
ومع هذا يتربع على قائمة مخاوف الليبيين التغلغل العسكري الإماراتي، إذ تخترق الإمارات الحظر الدولي لإدخال الأسلحة لليبيا وتواصل إغراق اللواء المتمرد «خليفة حفتر» بالأسلحة والمعدات الحربية، كما قد أورثت نفسها قاعدة «الخادم» العسكرية التي أوجدها «القذافي» وأخذت تملؤها بالطائرات والمقاتلات النفّاثة.
«حرب الوكالة» تؤجج الصراع في ليبيا
لم تهدأ ليبيا يومًا منذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل «معمر القذافي» في العام 2011، تزداد أمورها تعقيدًا عسكريًا وسياسيًا بسبب حالة الفوضى الأمنية، الناجمة عن تنازع سلطتين فيها، أولها حكومة الوفاق الوطني بطرابلس المعترف بها دوليًا، وثانيها حكومة المشير «خليفة حفتر» شرق ليبيا، وكذلك يعمق هذا الوضع التدخلات الدولية التي أحدثت ما يشبه الحرب السرية بالوكالة في ليبيا.
الثورة الليبية (المصدر: موقع مصر العربية).
ويعد الانحياز والتدخل الإماراتي والمصري الداعم لحكومة «حفتر» هو الأخطر، كونه يدعم الحملة العسكرية ضد القوات الحكومية المدعومة أمميًا، وهو ما جعل ليبيا ساحة للنزاع الجيوسياسي بين القوى الإقليمية والدولية، فحفتر يخوض معاركه لمواجهة «الإسلاميين الإرهابيين»، بالشراكة مع الإمارات التي تعادي بكل قوة جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، حيث تنخرط الإمارات في الصراع داخل ليبيا، لتوفير دعم قوي لحفتر الذي يناهض الإسلاميين هناك، مما يزيد من أوضاع عدم الاستقرار، والتسبّب في فوضى عارمة، وانقسام سياسي، وتدهور الاقتصاد.
يؤكد عضو لجنة الحوار في الاتفاق الليبي «جمعة القماطي» أن الإمارات لديها دوافع سياسية واقتصادية في ليبيا، وتسعى لأن تكون نموذجًا اقتصاديًا قويًا متصدرًا في المنطقة، وهذا ما يجعلها تخشى أي نموذج منافس لها أن يظهر وخاصة النموذج الليبي، ويتابع القول: «ما أن تتحقق الإمكانات الأمنية والسياسية للنموذج الليبي، فسيصبح قوة منافسة للإمارات؛ لما تملكه ليبيا من عوامل قوة تفوق بكثير الإمارات، وفي تفسيري هذا ما يجعلها تدعم العمل المسلح من أجل فرض حكم فردي لن يجعلها قوة منافسة».
من جانبه، يرى المفتي العام لليبيا «الصادق الغرياني» أن: «اليمنيين يُقتلون بالمال الإماراتي والسعودي في حرب ضروس على مدى ثلاث سنوات، ومن لم تقتله قنابلهم تفتك به الأمراض والأوبئة المنتشرة والمجاعات والحصار القاتل»، ويضيف في مقال له بصفحة دار الإفتاء الليبية: «لا يشترون بهذه الأموال سلاحًا لقتال العدو؛ بل لقتل الليبيين واليمنيين وقمع الثورات في البلاد العربية وقمع شعوبها عند الحاجة، فاللواء المتقاعد، خليفة حفتر، قتل بالسلاح المُشتَرى بالمال الإماراتي أكثر من 15 ألفًا بمدينة بنغازي، وترك أكثر من 20 ألف معاقٍ، وهجّر أزيد من 100 ألف من أهالي المدينة بعد أن دمّرها».
هل تصل الإمارات برجلها «النايض» لحكم ليبيا؟
قدم سفير ليبيا في الإمارات «عارف النايض» استقالته من هذا المنصب في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ثم أعلن في مارس (آذار) الحالي عن عزمه الترشح لخوض أول انتخابات رئاسية في ليبيا، ليصبح بذلك أول اسم يعلن ترشحه في هذه الانتخابات.
وقال «النايض» الذي يتوقع ناشطون أن يلعب دورًا سياسيًا «رفيعًا» في ليبيا إنه: «قرر الترشح بمجرد الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية رسميًا، وهناك نية وجاهزية لذلك»، وتابع القول في حوار له مع موقع «اليوم السابع» المصري: «لدينا رؤية وبرنامج عمل متكامل لإحياء ليبيا، وهي رؤية متكاملة تشمل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والخدمية والعسكرية والأمنية».
ويعتبر «النايض» المنحدر من قبيلة «ورفلة» الكبيرة أحد أبرز الليبيين المقربين من الإمارات، وهو يمثل حكومة طبرق التي يقودها «حفتر»، إذ قام أكثر من مرة بدور وسيط بين أبوظبي و«حفتر»، وأدى أدوارًا سياسية وإعلامية لصالح الإمارات، وقد سعت الإمارات بشكل واضح إلى إعداد النايض، عبر تفعيل نشاطاته الفكرية والسياسية والثقافية، وتمويل مركزه ليبيا للدراسات المتقدمة عام 2012، وأيضًا مركز كلام للبحوث والإعلام عام 2013 بمقرّيْه في دبي وطرابلس.
ولذلك يعد «النايض» هو المرشح الإماراتي الأقوى في ليبيا، يقول المحلل السياسي الليبي «محمد فؤاد»: «مرشح الإمارات الحقيقي في ليبيا هو العارف النايض، هذا الرجل الغامض ذو العلاقات المشبوهة والدعم الإماراتي غير المحدود»، ويضيف لـ«عربي 21»: «لكن النظام المصري يفضل حفتر لأنه عسكري، لكن ربما تكون هناك محاولة تقارب (مصرية–إماراتية) لدعم النايض، وخصوصًا مع صعوبة إيصال حفتر لرئاسة البلاد».
وتشارك أيضًا الولايات المتحدة من خلال عضو الكونجرس الأمريكي، المعادي للإسلام «ستيف كنج»، بعملية تسويق النايض باعتباره رجل ليبيا القادم، فقد كشف النايض عن حصوله على «موافقة نواب الكونجرس الأمريكي على دعم الجيش الليبي والبرلمان والتصدي للقاعدة وجماعة الإخوان»، إذ عادة ما يبهر الرجل الأمريكيين بحديثه عن مفهوم السماحة في الإسلام، وإمكانية تعايش المسلمين في ظل دولة ليبرالية علمانية.
يذكر أن «النايض» ولد في بنغازي عام 1962، وحصل على البكالوريوس في الهندسة الصناعية ثم البيولوجية من جامعة جويلف في كندا، واستكمل دراساته العليا فحصل على الماجستير في فلسفة العلوم الطبيعية، ثم درجة الدكتوراه في الفلسفة، وكذلك حصل على دراسات عليا في الفلسفة الإسلامية وعلم التوحيد في جامعة تورونتو، وجامعة جريجوريانا في روما، وهو الآن يترأس شركة لتكنولوجيا المعلومات.
انضم «النايض» للثورة الليبية في أيامها الأولى وعمل منسقًا لمجموعة الاستقرار الليبية، ثم عين سفيرًا لليبيا في الإمارات من قبل المجلس الوطني الانتقالي، ويرى المراقبون الليبيون أن خروج «النايض» على نظام القذافي كان انتقامًا شخصيًا أكثر منه إيمانًا بمبادئ الثورة، بدليل انضمامه بسرعة للقوى المناهضة للثورة وعلى رأسها الإمارات، وتعود تفاصيل خلافه مع القذافي إلى العام 1978 حين سيطرت حكومته على شركة الإنشاءات التي كان يملكها والد «النايض»، كما تغير موقف «النايض» بشكل كبير من الإسلاميين الذين أخذ يطلق عليهم «الفاشيين».
الإمارات تغرق «حفتر» بالسلاح
في سبتمبر (أيلول) الماضي، زار اللواء المتقاعد «خليفة حفتر» تونس، عبر طائرة إماراتية خاصة من طراز (فالكون 900)، واصطحب معه فريقًا مدججًا بالأسلحة، يحمل نحو 30 بندقية ذاتية التعبئة، وبندقيتي رماية دقيقتين، وقاذفتين للقنابل اليدوية، وأكثر من 30 مسدسًا من عيار 9 ملم، وكذلك منظومة واحدة مضادة للأجهزة المتفجرة يدوية الصنع.
معرض دبي للطيران عام 2015.
تلك الأسلحة أثارت العديد من التساؤلات حول كم ونوعية الأسلحة التي تملكها قوات «حفتر»، وقد قال قبل أيام النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة بليبيا «محمد امعزب» إن هناك معلومات شبه مؤكدة تتحدث عن صرف الإمارات للأموال الليبية المجمدة في بنوكها وإنفاقها على العمليات العسكرية لقوات حفتر، وهي الأموال التي فرضت الأمم المتحدة تجميدها في دول العالم بعد الثورة الليبية عام 2011.
ويعود تاريخ الدعم الإماراتي العكسري لقوات «حفتر» إلى مايو (أيار) 2014، حين بدأت ما عرفت بـ«عملية الكرامة» في بنغازي بحجة مكافحة الإرهاب، فقد قدمت الإمارات الدعم والأسلحة إلى حفتر أثناء العملية، واستفادت قواته من الدعم الإماراتي والمصري سواء بالتدخل المباشر أم بتزويدها بالسلاح والعتاد، وقد ساعد هذا الدعم قوات حفتر على أن يكون لها اليد العليا في صراعها على السلطة بليبيا.
ويؤكد تقرير لجنة محققون تابعون للأمم المتحدة أن هناك زيادة بشكل عام في الدعم الأجنبي المباشر للجماعات المسلحة في ليبيا بما ينتهك حظرًا فرضته الأمم المتحدة للأسلحة خلال انتفاضة عام 2011 وشددته في 2014، فالإمارات تزود الجيش الوطني الليبي بدعم مادي ومباشر مما زاد بصورة ملحوظة الدعم الجوي المتاح له.
وتوالت بعد ذلك الحقائق حول قيام الإمارات بنشر طائرات حربية أمريكية الصنع في ليبيا، في انتهاك لهذا الحظر حيث تلقت قوات حفتر من الإمارات 93 حاملة جند مدرعة و549 عربة مدرعة وغير مدرعة في أبريل (نيسان) 2016، وكذلك حاملات جنود من الطراز (بانثر تي6) و(تيجرا)، كما وصلت في يناير (كانون الثاني) وأبريل 2017 شحنات كبيرة من شاحنات (تويوتا) الخفيفة ومركبات مدرعة رباعية الدفع على متن سفينة مرت بميناء بورسعيد المصري.
ويظهر تحقيق لمجلة «تايم» الأمريكية أن: «أبو ظبي نشرت ست طائرات على الأقل، ظهرت على صور فضائية في قاعدة عسكرية، يسيطر عليها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يخوض صراعًا مع الحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة»، ويؤكد التقرير على أن: «من شأن استمرار تدفق السلاح إطالة أمد الحرب، وإبقاء ليبيا فريسة لحالة الفوضى والانقسام بين ثلاث حكومات منافسة، فالدعم العسكري لحفتر يزيد من تعقيد الجهود الدبلوماسية المبذولة لإنهاء الحرب الأهلية من خلال المفاوضات التي تدعمها الإمارات».
«الخادم» قاعدة ليبية تطورها الإمارات عسكريًا
قاعدة سرّية أنشأها في الثمانينيات النظام الليبي السابق، على مساحة 10 كيلومترات مربعة، تقع القاعدة في جنوب مدينة المرج بنحو 65 كم، وتبعد نحو 100 كم عن مدينة بنغازي، تضم طائرات مختلفة من نوع أنتونوف، وطائرات تجسس وطائرات مسيرة.
ي العام 2016، بدأت محاولات الإمارات للسيطرة على القاعدة، أخذت تحشد تدريجيًا لبنية تحتية تضم طائرات حربية،
ثم تلاحقت الأدلة على تسارع الإمارات في تطوير هذه القاعدة، فقد رصد فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، عمليات تطوير القاعدة بشكل ملحوظ في الفترة من مارس (آذار) وحتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، مما زاد من حجم موقف الطائرات الجنوبي إلى الضعف.
كما تم تمهيد الأرض الجانبية لمطار القاعدة بين حظيرتي صيانة الطائرات، وحسب تقرير الفريق فإن «مدخل القاعدة الجوية شهد زيادة في عدد حواجز التفتيش والمباني التي يعتقد بأنها نقاط تفتيش تابعة للقاعدة، إضافة إلى تزايد أعداد المركبات الثابتة التي يحتمل أنها مدرجة ضمن تأمين المدخل».
كذلك، نشرت الإمارات طائرات أمريكية الصنع، إذ تظهر صور فضائية نشرت في أكتوبر (تشرين الأول)، ست طائرات ثابتة الجناحين وطائرتي درون صينيتي الصنع في قاعدة عسكرية بدائية، ووجود طائرات للنقل العسكري روسية الصنع «إيلوشين 1-76» و«أي1-118»، استخدمت لنقل المواد لبناء وتوسيع القاعدة.
وجاء في تقرير الأمم المتحدة، أنه قد وصلت للمكان سيارات كبيرة وجديدة، ويوضح التقرير أن الملاجئ الجديدة في القاعدة الإماراتية قادرة على استضافة طائرات مقاتلة، ومن ضمن ذلك طائرات (إف-16) و(الميراج)، وفي فبراير (شباط) الماضي، أكد تقرير مؤقت لفريق الخبراء المعني بليبيا التابع للأمم المتحدة على استمرار أعمال التطوير في قاعدة الخادم الجوية (شرقي ليبيا)، حيث تبين توسيع موقف الطائرات التي يستخدمها حفتر في قصف مناوئيه، ليذهب النائب الثاني لرئيس المجلس الأعلى للدولة بليبيا «محمد امعزب» للقول مؤخرًا إن: «قاعدة الخادم الإماراتية الجوية شرق بنغازي، يتم الإنفاق عليها أيضًا من الأموال الليبية المجمدة لدى أبوظبي».
ميرفت عوف
النهایة