شفقنا- أثار وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر جدلا واسعا بعدما صرح بأن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا.
تصريحات لم تلق ترحيبا من المستشارة ميركل وأطراف سياسية عديدة. في حوار مع DW يرد أمين عام المجلس المركزي للمسلمين على
جدل قديم جديد تثيره تصريحات وزير الداخلية الألماني الجديد هورست زيهوفر بأن الإسلام ليس جزءا من ألمانيا. زيهوفر هو زعيم الحزب المحافظ “الاتحاد الاجتماعي المسيحي” المتحالف من المستشارة أنغلا ميركل، وتعتبر تصريحاته هذه معارضة لعبارة “الإسلام جزء من ألمانيا” التي سبق أن أدلى بها سابقا الرئيس الألماني الأسبق كريستيان فولف وتبنتها أيضا المستشارة الألمانية ميركل فيما بعد.
زيهوفر اعتبر أن المانيا طابعها مسيحي والإسلام ليس جزءا منها…لكن المسلمين الذي يعيشون فيها ينتمون بالتأكيد إليها… ولكن لا يجب أن يعيشوا على الهامش أو ضد الألمان”. تصريحات لم تلق ترحيبا من الاشتراكيين الديمقراطيين، الحلفاء الأساسيين لميركل في حكومتها الرابعة التي تولت مهامها قبل بضعة أيام، ولا من المستشارة ميركل نفسها التي لم تترد ساعات بعد تصريحات زيهوفر في النأي بنفسها عن موقفه والتأكيد مجددا على أن مسلمي ألمانيا هم جزء منها وكذلك دينهم.
أما الهيئات الممثلة للمسلمين في ألمانيا فقد انتقدت أيضا تصريحات زهوفر معتبرة إياها استغلالا لملف المسلمين في حسابات انتخابية، كما يقول عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا في حوار مع DW عربية.
DW عربية: كيف تنظر كأمين عام للمجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا لتصريحات زيهوفر؟
عبد الصمد اليزيدي: نحن وضعنا هذه التصريحات في إطار الحملة الانتخابية للانتخابات التي ستكون في ولاية بافاريا في أواخر السنة الحالية وهو يسعى كالكثيرين إلى محاولة استغلال ملف المسلمين، الذين هم جزء من هذا الوطن منذ عقود، ليكسب أصوات يمينية وينافس بذلك حزب البديل من أجل ألمانيا، الحزب العنصري المتطرف الذي بُني على العداء ليس للمسملين والإسلام فقط بل للقيم الإنسانية التي أُسس عليها الدستور الألماني.
لذلك نحن نعتبر هذه التصريحات خارج السياق وكانت لدينا مجموعة من التصريحات الصحفية اليوم أكدنا فيها بأن الحوار الأساسي والأجوبة الأساسية التي نطلبها من السيد وزير الداخلية هي أن يقدم خطة طريق لحماية حرية الاعتقاد في ألمانيا، خاصة أننا في الأسابيع الماضية لاحظنا أنه تم الهجوم على مجموعة من المساجد وتم إحراق بعضها وتم تهديد مسؤولين في مؤسسات إسلامية بالقتل. كل هذا يعيد ألمانيا إلى مرحلة ظلامية نتمنى أن لا نرجع إليها وعليه كوزير داخلية أن يقدم الأجوبة الصحيحة في هذا المجال بدل أن يخترع عناوين هامشية ويتكلم فيها لأن الإسلام والمسلمين، كما سبق وأكدت المستشارة الألمانية، جزء من حاضر وماضي ومستقبل ألمانيا وليس في ذلك أي نقاش.
أنت تقول إنه يستغل ملف المسلمين، وزيهوفر يؤكد على أن المسلمين فقط هم جزء من ألمانيا، وليس الإسلام. فما الفرق؟
يقول إن الدين الإسلامي ليس جزءا من ألمانيا بينما المسلمون جزء منها ولم أفهم كيف يكون المسلم جزءا من الهوية الألمانية وفي نفس الوقت عقيدته ودينه وهويته لا تنتمي لألمانيا! كيف يكون ذلك؟ هذا في رأيي تناقض وموقف غامض لم أفهم ماذا يقصد به الوزير ولا ما يقصده به الذين كرروا هذه الجمل من قبله. إذا كان المسلمون جزءا من ألمانيا فدينهم كذلك. وحتى أكون صريحا أكثر لا الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية هي جزء من ألمانيا فقط إنما هي أديان سماوية عالمية تتجاوز ألمانيا وبافاريا وغيرها.
وفيما يخص الإسلام وأوروبا، فللمسلمين صورة إيجابية مرتبطة بالعلم والبحث العلمي والانفتاح في أوروبا تاريخيا. هذا الواقع يحاول البعض إنكاره لأسباب تكمن أساسا في تزايد الأصوات اليمينية المتطرفة في المجتمع الألماني، ونحن نرى أن حزب البديل من أجل ألمانيا دخل البرلمان بنسبة تفوق 13 بالمائة فأصبح الحزب الثالث من حيث الأصوات وفي الحزب المسيحي الإجتماعي الذي ينتمي إليه زيهوفر يظنون أنهم بتكرار هذه الشعارات اليمينية سيكسبون أصواتا في اليمين، بينما أنا أنبههم إلى أن اليمين إذا كان لديه الاختيار فسيختار اليمين الأصلي المتطرف الحقيقي وهو “البديل من أجل ألمانيا” وليس حزبهم، وبالتالي ليس لهم إلا أن يرجعوا إلى الصواب والقيم الدستورية التي تأسست من أجلها ألمانيا. لا نطالب بأقل من ذلك ووقتها سيكون هناك تحالف من كل مكونات المجتمع الألماني ضد هذه التيارات التي تريد الخراب لألمانيا. هكذا ستحل الكثير من المشاكل للمسلمين ولغيرهم.
كيف تفاعلتم رسميا مع هذه التصريحات كهيئات ممثلة للمسلمين في ألمانيا؟
اليوم كان لدينا في مدينة روزنهايم لقاء في إطار الأسابيع الدولية لمحاربة العنصرية في مسجد الصداقة في المدينة. شارك في هذه التظاهرة رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا أيمن مزيك ومدير المؤسسة الوقفية لمحاربة العنصرية بالإضافة إلى ممثل للديانة اليهودية في ولاية هيسين وعمدة المدينة. وكل هؤلاء تكلموا بصوت واحد وهو أننا نحتاج إلى تحالف من جميع الأطياف والأديان لمحاربة هذه العنصرية التي تحاول إرجاع المجتمع الألماني إلى ما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية. كما جددنا مطالبنا بضرورة حماية المعتقد ودور العبادة في ألمانيا.
إلى أي حد تعتقد أن موضوع اللاجئين يؤجج مثل هذه الخطابات التي تعتبرونها معادية للمسلمين؟
الأمر كله متعلق ببعضه البعض. حتى ملف اللاجئين يتم يتصويره على أساس أن ما يمنع هؤلاء الوافدين من الاندماج هو عقيدتهم بينما نرى بأن الأغلبية الساحقة من هؤلاء، الذين لم يتركوا بلادهم سوى مضطرين بسبب حرب شردتهم، يريدون أن يندمجوا في الوطن الذي يستضيفهم، ويريدون أن يكونوا فعالين في المجتمع ولكن ملفهم يُسَوق بنوع من الإقصاء والتهميش وهذا يندرج في نفس السياق، سياق الكراهية الذي يحب أن يزرعه حزب البديل من أجل ألمانيا وغيره من الأحزاب المتطرفة في المجتمع الألماني. ومن المؤسف جدا أن أحزابا كبيرة وعريقة بدل أن تقف لهذه التوجهات بالمرصاد، تركب الموجة وتكرر شعاراتها.
اليوم هناك ممثلون من حزب البديل خرجوا بتغريدات على تويتر ومواقع تواصل اجتماعي أخرى وقالوا بأن تصريحات زيهوفر هذه مسروقة من برنامجنا ولا نريد أن تسرقو أفكارنا واختارو لأنفسكم أشياء جديدة. فإلى هذا الحد من الشعبوية وصلت سياساتنا وهذا في الحقيقة لا يبشر بالخير.
بالعودة إلى مسألة الهجمات على المساجد في الآونة الأخيرة. دعوتم إلى تضامن من السياسيين الألمان فهل تلاحظون غياب هذا التضامن؟
صحيح، كانت هناك ندوة صحفية نظمتها المؤسسات الإسلامية الكبرى وكان على رأسها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا وكان رئيسنا فيها وهو ممن طالبوا بأن تؤمن السلطات والحكومة المركزية وحكومات الولايات دور العبادة أيا كانت مسملة أو غيرها لأننا صرنا نرى أن المساجد تُحرق يوميا وليس هناك تضامن شعبي قوي ولا تضامن سياسي يذكر، يعني أنه يُنظر إلى هذه المسألة بنوع من اللامبالاة، وهذا أمر خطير جدا فإذا حُرق مسجد أو معبد يهودي أو كنيسة، يجب أن نعي بأن الذي يُحرق أولا وأخيرا هو وطننا وقيمنا التي أسسنا عليها هذا الوطن.
لهذا يجب أن نقف وقفة المرأة والرجل الواحد للتصدي لهذه الأمور الخطيرة التي أصبحنا نلاحظها في وطننا.
إحراق ثلاثة مساجد في ظرف أسبوع، ومنذ 2017 تم تسجيل 750 اعتداء اعتداء على مسلمين وعلى مؤسساتهم. وفي 2018 لوحدها سجل أكثر من 26 اعتداء على مساجد مسلمين. هذه أرقام تدق ناقوس الخطر ولا يجب تجاهلها.
وهل تلقيتم حتى الآن ردودا على هذه الدعوات؟
للأسف الرد السلبي القوي التي تلقيناه هو تصريحات وزير الداخلية، فبدل الاستجابة لهذا النداء والمجيء بخريطة طريق لتأمين دور العبادة من هذه الهمجية وهذه الهجمات أخرج لنا حوارا قديما جديدا عن انتماء الإسلام إلى ألمانيا ليغطي عما يجري في الساحة. هذه الامور مفضوحة ولن نقبلها وسنبقى نكافح بكل ما يكفله لنا القانون من أجل ان لا نسمح لألمانيا بالرجوع عن منهجها الانفتاحي الذي يحترم مكونات المجتمع بغض النظر عن انتماءاتها الدينية والعقائدية وغيرها.
أجريت الحوار: سهام أشطو