أميركا تساهلت مع قمعه الشديد لمنافسيه بالانتخابات.. واشنطن بوست: السيسي يعتقد أن مبارك أخطأ بمنح قليل من الحرية

 تنتشر اللوحات الإعلانية الانتخابية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في كل مكانٍ في العاصمة الصاخبة، القاهرة. تظهر اللوحات وقد خُطَّت عليها عبارة “يلا يا سيسي” لحثه على توليه المنصب الرئاسي لفترةٍ ثانية. وبالكاد يمكن للناخبين المصريين رؤية لوحةً إعلانية لمنافسه الوحيد الحالي.

يُذكر أنَّ هذا المرشح الغامض، على أي حال، قد صرَّح قبل أسابيع برغبته في أن يظل السيسي رئيساً لمصر، وفق تقرير صحيفة The Washington Post.

لم يقدم موسى مصطفى موسى، المرشح الحالي، أي خطاباتٍ، أو إعلاناتٍ تجارية تلفزيونية، ولم يقم بشراء إعلاناتٍ صحفية ليحثَّ الناخبين على التصويت له حتى الآن. وفي يوم الأحد الماضي، 4 مارس/آذار، حضر أول تجمُّع انتخابي ما لا يزيد عن 25 مؤيداً. وباعتباره زعيماً لحزب الغد الوسطي، كان موسى أحد أوفى مؤيدي السيسي، وجزءاً من الجهود المنسَّقة بشكلٍ جيد لدعم السيسي لولاية ثانية.

وفي نهاية الأسبوع الماضي، تحدَّث موسى إلى أحد البرامج التلفزيونية التابعة للدولة، قائلاً إنَّه لا يريد مناظرة السيسي: “أنا مش هنا عشان أتحدى الرئيس”، على حد قوله.

ومن جانبه، قال محمد أنور السادات، المنافس الذي انسحب بشكلٍ مفاجئ من السباق الرئاسي، في يناير/كانون الثاني الماضي: “إنَّه جزءٌ من مسرحية. فموسى يعلم أنَّه لا يملك فرصةً للفوز”.

أحدث مسرحية هزلية

يرى الكثير من المصريين حسب The Washington Post، أنَّ “حملة” السيسي تُعد أحدث علامة على ما يسميه المنتقدون بالمسرحية الهزلية التي تحدث قبل الانتخابات الرئاسية المُقرر إجراؤها في أواخر الشهر الجاري مارس/آذار. إذ زجَّ بأحد المنافسين السابقين، وهو جنرالٌ عسكري سابق مثل السيسي، في السجن، وانسحب آخرون بدافع الخوف والترهيب، بينما اعتُقل مرشحٌ سابق آخر واتُّهم بالإرهاب بعد انتقاده حمله القمع التي سبقت الانتخابات الرئاسية.

ومن أجل ضمان انتصاره الشخصي، يُحكِم السيسي قبضته على مصر بطرقٍ لم يسبق لها مثيل من غيره من الرؤساء السابقين. ففي عهد الرئيس السابق حسني مبارك، شاب الانتخابات أمور كتزوير أصوات الناخبين، وملء بطاقات الاقتراع، وغيرها من المخالفات، لكن في ظل وجود معارضة ذات مصداقيةٍ، رغم ذلك، قدمت مرشحين، وأصبح الإخوان المسلمون أكبر كتلة برلمانية معارضة في البلاد في وقته.

وهو الأمر الذي مهَّد الطريق أمام صعود الإخوان، عقب انتفاضة الربيع العربي في عام 2011، التي أطاحت بمبارك. وبعد عامٍ، جرى انتخاب مرشح الحزب، محمد مرسي، باعتباره أول رئيس مدني في مصر، وسعى إلى نزع فتيل سلطة الجيش. ولكن، في عام 2013، أطاح الجيش، بقيادة السيسي آنذاك، بمرسي وسجنه بعد انقلابٍ عسكري.

ويرى محللون أنَّ هذا التاريخ الحديث وراء استبداد السيسي المتزايد؛ إذ يعتقد هو ورجال الجيش المصري أنَّ قرار مبارك بالرضوخ إلى ضغوطٍ من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى وعقد أول انتخاباتٍ رئاسية مُتعددة الأحزاب في مصر في عام 2005، هو ما أدَّى في نهاية المطاف إلى رحيله وما أعقبه من اضطراباتٍ سياسية.

وفي هذا الصدد، قال إتش. أي. هيلير، وهو زميل غير مقيم في المجلس الأطلسي: “إنَّ حكومة “السيسي” ليست بالضرورة حكومةً هشَّة أو على حافة الانهيار، لكنَّها من المؤكد تشعر بالقلق بشأن السماح ببداية مرحلة الانفتاح. بالتأكيد، ترى الحكومة خطأ مبارك المصيري بسماحه بهذا النوع من البدايات”.

اعتدى السيسي على الحريات

وفي خلال العام الماضي 2017، كثَّف السيسي اعتداءه على الحريات الأساسية وقمعها؛ إذ حُجِبَت المئات من المواقع الإلكترونية باعتبارها مُنتقدةً لنظامه، واستمرت عمليات القتل خارج سلطة القضاء في الزيادة، بحسب ما قالته جماعات حقوق الإنسان، فضلاً عن سجن عدد لا يُحصى من المعارضين، بعضهم “اختفى قسرياً”، وهُمِّش البعض الآخر بطرقٍ أخرى، وعادة ما كانت تستهدفهم قوات الأمن تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وبالأخص انتسابهم إلى الجماعات الإسلامية في شمال شبه جزيرة سيناء.

وكان آخر ما استهدفته الحكومة المصرية هو الإعلام الأجنبي، إذ اتهم نبيل صادق، النائب العام، منافذ إعلامية بنشر أخبارٍ كاذبة، وهدَّد باتخاذ إجراءاتٍ قانونية ضد وسائل الإعلام التي تسعى لتقويض سمعة البلاد بالتغطية السلبية. وفي الوقت نفسه، أدَّى التقشف الاقتصادي، وارتفاع الأسعار، وانخفاض الدعم إلى إصابة الشعب بالإحباط، مما يعرض شعبية السيسي للخطر.

أميركا لا تستاء من قمع المنافسين

لم تلق حملة قضاء الحكومة على المنافسين المحتملين أي استياءٍ عام من الولايات المتحدة، الحليف الغربي لمصر، أو الدول الأوروبية. بل احتضن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس المصري ودعاه إلى البيت الأبيض. بينما لم يرحب الرئيس السابق باراك أوباما بالسيسي أبداً، في ظل فترته الرئاسية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، وانعدام الحريات الديمقراطية في مصر.

ويقول مسؤولون كبار في حكومة ترامب، إنَّهم منخرطون مع حكومة السيسي في سجل حقوق الإنسان بشكلٍ خاص، مشيرين إلى القرار الذي صدر، في أغسطس/آب الماضي، بقطع أو تأخير مبلغ 290 مليون دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية، رداً على صدور قانونٍ مصري يُقوِّض منظمات غير حكومية، وخاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان، والجماعات المؤيدة للديمقراطية.

في فبراير/شباط المُنصرم، أثار ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي، بشكلٍ خاص مخاوف الولايات المتحدة بشأن الانتخابات خلال زيارته للقاهرة، وأكد دعم الولايات المتحدة لإجراء انتخاباتٍ حرة في كل مكان، على حد قول مساعديه. لكَّن حملة السيسي لقمع المنافسين المُحتملين ومعارضيه ظلَّت مستمرة.

وبعد يومٍ من زيارة تيلرسون، حثَّت جماعة حقوقية الولايات المتحدة وأوروبا على التحدث علانيةً، قائلين إنَّ الحكومة المصرية “سحقت حتى الحد الأدنى من المُتطلبات لإجراء انتخاباتٍ حرة ونزيهة”، وطالبت الجماعات الدول الغربية بوقف مساعداتها المالية الكبيرة لمصر -تُقدم الولايات المتحدة وحدها مساعداتٍ تُقدر بـ1.3 مليار دولار- حتى تعمل حكومة السيسي على تحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.

وقالت الجماعات في بيانٍ لها: “يتوجب على الدول الموالية لمصر أن يتحدثوا علانيةً الآن للتنديد بهذه الانتخابات الهزلية، بدلاً من الاستمرار في تقديم دعمٍ غير مشروط لحكومةٍ تترأس أسوأ أزمة حقوق إنسان في البلاد منذ عقود”.

ولم يستجب المكتب الإعلامي الحكومي لطلبات التعليق في هذا الصدد.

ووعدت لجنة الانتخابات المصرية، الهيئة الحكومية، علناً بإدارة الانتخابات بطريقةٍ مُستقلة وأكثر شفافية.

على أنه منذ ديسمبر/كانون الأول 2018، أخذت السلطات المصرية على عاتقها استبعاد جميع المنافسين الحقيقيين للسيسي: فقد تعرَّض اثنان من القادة العسكريين السابقين -هما الفريق سامي عنان والعقيد أحمد قنسوة- للاعتقال والسجن لمخالفتهما القانون العسكري بإعلانهما عن نيتهما الترشح للرئاسة. كذلك، تراجع الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء وقائد القوات الجوية سابقاً، عن سباق الانتخابات، بعد أن وُضع قيد الإقامة الجبرية حسبما أفادت التقارير، وإن كان الفريق أحمد شفيق نفسه قد أرجع سبب تراجعه عن الترشح للرئاسة إلى ابتعاده عن البلاد لمدة طويلة.

وكان من بين المرشحين للرئاسة أيضاً النائب البرلماني المصري السابق محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الراحل الذي اغتيل عام 1981، لكنه أعلن انسحابه من السباق الرئاسي، بعد أن واجه عدة عقبات، من بينها رفض الفنادق استضافة فعاليات حملته الرئاسية، وتعرّضه للمهاجمة من وسائل الإعلام الحكومية. وإن كان النائب المصري السابق والمنافس الثاني، هو المحامي الحقوقي خالد علي، قد أعلنا أن سبب تراجعهما عن الترشح للرئاسة يرجع إلى تعرضهما للقمع من الحكومة المصرية، وخوفهما على سلامة مؤيديهما.

ليست الديمقراطية التي نسعى لها

في هذا الصدد، قال النائب المصري السابق محمد أنور السادات: “كلها ديمقراطية مقننة، وهذه ليست الديمقراطية التي نسعى إلي تحقيقها أو نتوقعها”.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى مصر، استهدفت السلطات المصرية المرشح الإسلامي السابق وقائد حزب “مصر القوية”، عبدالمنعم أبوالفتوح، واعتقلته بعد انتقاده الرئيس السيسي علانيةً ودعواته لمقاطعة الانتخابات. وبعد أسبوع من اعتقاله، قرَّرت محكمة مصرية إدراج اسمه على قوائم الإرهاب لصلاته المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين، التي أصبحت جماعة محظورة في عهد الرئيس السيسي. يُذكر أن إدراج اسم عبدالمنعم أبوالفتوح على قوائم الإرهاب قد يعني تجميد أصوله ومنعه من السفر.

تعليقاً على ذلك، قال مسؤول في حزب “مصر القوية”، اشترط عدم الكشف عن هويته خوفاً على سلامته: “في نهاية المطاف، نحن نتحدث عن نظام حكم قمعي يعتبر السياسة تهديداً له. بالنسبة له، من غير المقبول أن يكون هناك أدنى أثر لقوة سياسية بديلة عنه، فلا يمكن لأحد أن يحل محله، وهذه بالضبط هي الرسالة التي يريد إيصالها”.

“المنافس بأمر السيسي”

لم يتبقَ سوى مرشح واحد: موسى مصطفى موسى، الذي أعلن عن ترشحه للرئاسة، في 29 يناير/كانون الثاني 2018، آخر يوم متاح للالتحاق بالسباق الرئاسي؛ الأمر الذي ترتب عليه ظهور تكهنات فورية، بأنه قد تلقَّى أوامر بالترشح للرئاسة لمجرد إضفاء مظهر المصداقية والنزاهة على السيسي كمرشح رئاسي وكيلا تتحول الانتخابات إلى مجرد تصويت على سجل إنجازات السيسي فقط.

تعقيباً على ذلك، قال هيلير: “إذا لم يكن هناك اسم آخر على ورقة الاقتراع، ستتحول الممارسة إلى مجرد استفتاء، وهو ما لا يعطي انطباعاً جيداً أمام الدبلوماسية العامة الدولية. بغض النظر، الممارسة جلية: فقد أعلن موسى صراحةً عن كونه مؤيداً قوياً للرئيس السيسي”.

من جانبه، رفض موسى مصطفى موسى، الحاصل على مؤهل عالٍ في مجال الهندسة، طَلَبَنا إجراء مقابلة معه، وإن كان قد عقد مؤتمراً صحفياً بعد ترشحه للرئاسة نفى فيه كونه قد قرر خوض الانتخابات الرئاسية، بهدف دعم شرعية الرئيس السيسي، وإضفاء مظهر من التنافسية على الانتخابات. فقد جاء في كلمته أمام المراسلين الصحفيين في المؤتمر الصحفي: “نحن نخوض منافسة عادلة ونزيهة، وننوي الفوز بها”.

وفي الأسبوع الماضي، ظهر عدد من اللافتات الانتخابية لحملة موسى في شوارع القاهرة، بعد أن أثار الصحفيون هذا الموضوع ضمن الأسئلة التي وجههوها للمسؤولين عن حملة موسى. مع ذلك، فإن نتيجة الانتخابات محسومة بالفعل؛ لأنهم لا يعتقدون أن التصويت سوف يتسم بالحرية أو الشفافية. في حين قال آخرون إن الحكومة المصرية دبرت ترشح موسى للرئاسة لإرضاء المجتمع الدولي عموماً، ومانحي المساعدات لمصر من دول الغرب خصوصاً.

تعليقاً على ذلك، قال المواطن محمد فتحي، 42 عاماً، مهندس زراعي: “موسى ليس إلا مرشحاً صورياً دُفِعَ به لإضفاء مظهر الديمقراطية على الانتخابات، وللزعم بأنه ليس كل من يترشح للرئاسة يتعرض للاعتقال”.

يُذكر أن محمد فتحي وغيره ممن أجرينا معهم حديثنا الصحفي قد قالوا إنهم لا ينوون الإدلاء بأصواتهم.

“نحتاج لرجل عسكري”

أما المواطن محمد رمضان، 42 عاماً، نجَّار، فيرى موسى والانتخابات بالمنظور نفسه ولا ينوي الإدلاء بصوته، وإن كان يؤيد ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية فقط من أجل الحيلولة دون اندلاع اضطرابات سياسية، كتلك التي أسفرت عن انقطاع الكهرباء والغاز وغيرها من الأزمات الاقتصادية فيما مضى. قال محمد رمضان: “نحن بحاجة إلى رجل عسكري لكي تستمر الحياة، ولو بصعوبة. لذلك، يجب أن يظل نظام الحكم الحالي قائماً لأنه الوحيد القادر على السيطرة على الأمور”.

تجدر الإشارة إلى أن المرشح الرئاسي السابق محمد أنور السادات كان قد قال إن أكثر ما يهم حكومة السيسي هو أن يكون الإقبال على صناديق الاقتراع كبيراً، وأن يصل إلى 40% على أقل تقدير. وأضاف أنه نظراً إلى عدم وجود منافس حقيقي للسيسي، فإن الحكومة سوف تضطر إلى حشد الناس، واستطرد قائلاً: “وهناك طرقٌ عديدة لفعل ذلك” في إشارة إلى احتمالية أن تتلاعب الحكومة في التصويت.

وواصل السادات حديثه قائلاً: “بالنسبة لي، فقد انتهت الانتخابات الرئاسية”.

واختتم حديثه قائلاً: “لكن المسألة الأهم هي ما سيأتي بعد الانتخابات: هل ستصبح الأمور أفضل من الناحية السياسية؟ هل ستتحقق حرية التعبير؟ أم أن هذه الأوقات العصيبة سوف تستمر؟”.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

عقب التفاف يمني غير مسبوق حول “الحوثي” ..امريكا تعترف بسقوط اخر اوراقها السياسية في اليمن

YNP : كشفت الولايات المتحدة، الاثنين،  خسارة اهم اوراقها السياسية في اليمن .. يأتي ذلك …

اترك تعليقاً