«و. بوست»: تعديل الدستور.. معركة «السيسي» الحقيقية بعد الانتخابات الرئاسية

في الوقت الذي تقترب فيه مصر من الانتخابات الرئاسية هذا الشهر، اتفق حلفاؤها ومنتقدوها إلى حد كبير على ضمان إعادة انتخاب الرئيس «عبدالفتاح السيسي». وأزاح النظام المنافسين المحتملين من مشهد الانتخابات، من خلال الترهيب والمضايقة والملاحقة القضائية والاحتجاز.

لكن النضال الحقيقي لمصير مصر يأتي بعد الانتخابات، عندما يسعى النظام إلى تعديل الدستور لتغيير شروط الرئاسة وإلغاء محدودية الفترة الرئاسية.

وقد يمثل هذا فرصة مهمة للفاعلين السياسيين والمجتمع المدني المصري لتركيز الاهتمام وبناء التحالفات والبدء في عملية طويلة الأجل لوضع الأساس لاستعادة الحياة السياسية التي يقودها المدنيون.

الانتخابات الرئاسية

وفي محادثة خاصة، شبه أحد القادة السياسيين المصريين البارزين السباق الانتخابي القادم ونتائجه الحتمية كقطار خرج عن مساره.

وكانت معظم القوى السياسية المصرية واضحة في موقفها، وعانى أولئك الذين اختاروا التحدث علانية ضد السباق الانتخابي الزائف، والبيئة المتزايدة من القمع، من عواقب وخيمة، بما في ذلك الاحتجاز والتهم الجنائية.

وكانت السلطات المصرية حريصة في البداية على إنشاء واجهة تبدو ذات مصداقية لانتخابات متعددة. وقبل البدء الرسمي في العملية الانتخابية، اقتربت المؤسسة الأمنية المصرية من عدة أفراد لقياس اهتمامهم بالدخول كمرشحين رمزيين. ومع ذلك، أثبت النظام أنه غير قادر على تحمل أقل احتمال لمعارضة منظمة.

وفي اللحظة الأخيرة، دخل السباق زعيم «حزب الغد» المعروف بدعمه للنظام، «موسى مصطفى موسى». وحتى وقت قريب، كانت صفحة «مصطفى موسى» على «فيسبوك» تتزين بلافتات دعم إعادة انتخاب «السيسي».

وبعد إعلان ترشحه، قال لمضيف تلفزيوني إنه «ليس هنا للطعن في الرئيس». وبدا من الواضح أن هذه الانتخابات لن توسع حدود الخطاب أو تسمح بفضاء للنقد الحقيقي.

ذكريات «مبارك»

ويعكس هذا النهج في الانتخابات الدروس التي تعلمها نظام «السيسي» وحلفاؤه من الأحداث الصاخبة التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس «حسني مبارك» عام 2011.

فخلال المراحل الأخيرة من نظام «مبارك»، الذي دام 3 عقود، تحملت الحكومة والأجهزة الأمنية بعض أشكال المعارضة، مثل ظهور صحافة شبه حرة.

ورأى نظام «مبارك» هذه النسخة المدارة والمتحكم فيها من الحياة السياسية بمثابة صمام أمان، لإشراك الجهات الفاعلة المعارضة دون تحرير العملية السياسية.

لكن تلك البيئة شجعت النشاط، ووفرت أساسا لعلاقات وتحالفات سياسية جديدة، أنتجت في النهاية الحركات السياسية والاجتماعية التي قادت انتفاضة يناير/كانون الثاني عام 2011.

ويحاول نظام «السيسي» تجنب أي تكرار لهذا التاريخ.

وبدلا من ذلك، يسعى إلى إخماد أي نشاط محتمل للمعارضة قبل أن يصبح تهديدا ناشئا أو موثوقا به، ذهب هذا القمع إلى ما هو أبعد من الأهداف السياسية الواضحة، وأدى إلى خلق بيئة حثيثة شرعت فيها النيابة العامة في اتخاذ إجراءات قانونية غريبة؛ الأمر الذي أدى إلى صدمة لدى مؤيدي النظام أنفسهم، ولا تزال تلك السياسة مستمرة داخل النظام.

وتوجد سياسات ذات مغزى الآن فقط داخل النظام. وبينما يحتفظ «السيسي» بالسيطرة على المؤسسة الأمنية، ولا يزال يحظى بتأييد واسع داخل الجيش، فإن عمليته العدوانية المتزايدة لتوحيد الحكم وإضفاء الطابع الشخصي عليه خلقت مؤيدين ومعارضين داخل الجيش.

وظلت الأعمال الداخلية لتلك المؤسسة مبهمة إلى حد كبير، وأدى هذا الافتقار للشفافية إلى تكهنات محمومة حول الخصومات الداخلية والانقسامات. وتشير التطورات الأخيرة، بما في ذلك إقالة كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين، بوضوح إلى بعض الاضطرابات الداخلية وزيادة جنون النظام.

وكشفت المناورات الانتخابية الفاشلة، التي قام بها مسؤولون عسكريون كبار سابقون، مثل «أحمد شفيق» و«سامي عنان»، عن وجود توترات داخلية داخل المؤسسة الأمنية. وعلى الرغم من القيود التي تفرضها، فإن المخاطر العالية للحملة الحالية أثارت ردود فعل مضادة واستياءً من أكثر المؤسسات.

وليس الجميع في الجيش سعداء. وأبرز دوره الاقتصادي المتنامي، الذي توسع في الأعوام الأخيرة إلى أبعد من مجالاته التقليدية، عدم المساواة الداخلية، وأدى إلى تفاقم الانقسامات بين الأجيال المختلفة من الجيش.

وكانت مناقشات مع ضباط عسكريين سابقين أوضحت أن قرار نظام «السيسي» بتسليم جزيرتين صغيرتين في البحر الأحمر -لهما موقع استراتيجي- إلى السعودية أثار عدم الرضا داخل المؤسسة العسكرية. وأثارت هذه التطورات نفور قطاعات من المؤسسة هددت استقرار النظام.

وأدى هذا الاضطراب الداخلي، والتحديات الانتخابية التي قام بها مسؤولون عسكريون كبار سابقون، إلى استجابة سريعة وقاسية وملفتة للنظر. وفي حين يبدو أن «السيسي» لا يعتقد أن السياسة المدنية تشكل تحديا ذا مغزى لسلطته، فإنه لا يزال شديد الحساسية ضد أي انشقاقات محتملة داخل الجيش، الذي يأخذ قوته على محمل الجد.

المعركة القادمة على الدستور

وأدى غياب السياسة المدنية إلى وجود سياسة وحيدة في البلاد داخل النظام ومؤسساته. وبالاقتران مع الاستقطاب المستمر داخل المجتمع المصري، والإرهاق والخوف في أعقاب التحول السياسي المضطرب في البلاد، وعدم الاستقرار والعنف الإقليميين على نطاق أوسع، فإن التهديدات المحتملة الوحيدة لاستدامة النظام تكمن في النظام نفسه. ولا تزال هذه التمزقات غير محتملة، ومن المستحيل التنبؤ بها مسبقا، لكنها ستكون مزعزعة تماما إذا تجسدت.

ولا تمهد مثل هذه البيئة الطريق لتجديد ديمقراطي مقنع لشرعية نظام «السيسي». لكن هذا ليس الغرض من الانتخابات الرئاسية المقبلة. وبدلا من ذلك، فهي تعد مجرد عقبة إجرائية يجب إزالتها قبل جهد التغيير الأكثر أهمية؛ التعديل الدستوري.

وسبق أن اقترح برلمانيون وحلفاء للنظام تعديل الدستور لإضفاء الطابع الرسمي على الحكم المطلق في مصر.

كما أن الجدل حول التغييرات الدستورية ربما يمثل الفرصة الوحيدة لتنظيم معارضة محلية ودولية لمواجهة جهود نظام «السيسي» العدوانية المتزايدة لتركيز السلطة في يد الرئيس.

ومثلما ساعدت جهود «مبارك» لهندسة خلافة ابنه في تغذية الاستياء الواسع الذي أدى إلى سقوطه، فإن الجهد المبذول لوضع «السيسي» كرئيس مدى الحياة قد يثير معارضة جدية في قطاعات المجتمع المصري وبين رعاة مصر الدوليين.

وإذا لم يكن الحفاظ على طابعها الجمهوري كافياً لإثارة مصر وبعثها من سباتها السلطوي الحالي؛ فقد تدخل البلاد في الدائرة المغلقة القديمة المألوفة، التي تنتهي بزعزعة الاستقرار، في انتظار التغيير فيما بعد بموت الرئيس أو الانقلاب عليه أو الثورة ضده لتحقيق انتقال سياسي جديد.

المصدر | مايكل حنا – واشنطن بوست
  • مركز القلم للأبحاث والدراسات

    يهتم مركز القلم بمستقبل العالم الإسلامي و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم على الكلمة وتفاصيل مواردها ومراد الله تعالى منها في كل موضع بكتاب الله في أول عمل فريد لن يتكرر مرة أخرى .

    Related Posts

    الإخوان المسلمون في مرمى ماكرون.. تقرير أمني صادم يشعل جدلا واسعا بباريس

    RT : عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الأربعاء) اجتماعا أمنيا رفيع المستوى في قصر الإليزيه لمناقشة تقرير حكومي يحذر من تزايد نفوذ الإخوان المسلمين وانتشار الإسلام السياسي في فرنسا. أعد التقرير المكون من 73 صفحة موظفان حكوميان رفيعان بتكليف من وزارة الداخلية الفرنسية في مايو 2024، واستند بشكل أساسي إلى مذكرات أجهزة الاستخبارات الداخلية، ووفقاً للتقرير تشكل جماعة “الإخوان المسلمين” تهديداً “تخريبياً” لقيم الجمهورية الفرنسية، من خلال استراتيجية “الاختراق التدريجي” للمجتمع عبر التأثير على المؤسسات المحلية، مثل البلديات، الجمعيات الخيرية، المدارس، والأندية الرياضية. وأشار التقرير إلى أن الجماعة التي تأسست في مصر قبل أكثر من 90 عاماً تتبنى نهجاً “مناهضا للجمهورية” يهدف إلى تغيير القواعد المحلية والوطنية تدريجياً، خاصة فيما يتعلق بالعلمانية والمساواة بين الجنسين. وركز التقرير على دور منظمة “مسلمو فرنسا” (سابقاً اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا) التي وُصفت بأنها “الفرع الوطني لجماعة الإخوان المسلمين في فرنسا”، حيث تدير حوالي 139 مكان عبادة وتُعتبر 68 أخرى قريبة منها، أي ما يمثل 7% من أماكن العبادة الإسلامية في البلاد. وأوضح التقرير أن الجماعة لا تسعى لفرض “الشريعة الإسلامية” بشكل مباشر أو إقامة دولة إسلامية في فرنسا، لكنها تتبع نهجاً “خفيا وتدريجيا” يهدف إلى زعزعة التماسك الاجتماعي من خلال “إسلام بلدي” يؤثر على الحياة العامة والسياسات المحلية. وأشار إلى أن الجماعة، التي تفقد نفوذها في العالم العربي، تركز الآن جهودها على أوروبا،…

    سويسرا : رفض قبور المسلمين في فاينفيلدن يثير تساؤلات حول مستقبل التعددية الدينية في سويسرا

    شفقنا : في تطور أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والدينية، صوّت سكان مدينة فاينفيلدن في ولاية تورغاو السويسرية، الأحد، ضد مشروع إنشاء قبور مخصصة للمسلمين في المقبرة المحلية، وذلك بأغلبية بسيطة بلغت 51.6%، ما أعاد إلى الواجهة التساؤلات بشأن قدرة النموذج السويسري على احتواء التعدد الديني في البلاد. النتيجة التي جاءت بـ2078 صوتًا رافضًا مقابل 1947 مؤيدًا، أطاحت بقرار سابق للبرلمان البلدي كان قد وافق على تخصيص 70 قبرًا تُراعى فيها التقاليد الإسلامية، مثل التوجه نحو القبلة وسرعة إجراءات الدفن. وبلغت نسبة المشاركة في الاستفتاء 53.9%، ما يعكس انقسامًا حادًا داخل المجتمع المحلي تجاه قضايا حرية المعتقد واحترام الشعائر. وربط مراقبون بين هذا الرفض والحملة التي قادها حزب الشعب السويسري، المعروف بمواقفه المتشددة ضد المسلمين، مدعومًا من لجنة “إيجركينجن” التي سبق أن نظّمت حملات لحظر المآذن والنقاب في البلاد. وقد وزعت اللجنة منشورات تحث السكان على التصويت بـ”لا”، ما حوّل طلب المسلمين إلى دفن موتاهم بحسب معتقداتهم إلى ساحة مواجهة جديدة في الجدل الدائر حول الهوية والانتماء. ورغم أن سويسرا تضم أكثر من ثلاثين موقع دفن خاصًا بالمسلمين ضمن مقابر عامة، إلا أن ما حدث في فاينفيلدن يُعد مؤشرًا مقلقًا على تراجع تقبّل الممارسات الدينية الإسلامية، حتى حين تكون مرتبطة بالموت وكرامة الإنسان بعد وفاته. ويرى معنيون أن حرمان المسلمين من حقهم في الدفن وفقًا لشعائرهم لا يمس فقط حرية…

    You Missed

    ثلث الألمان يقاطعون المنتجات الأميركية بسبب سياسات ترامب .. و استطلاع : أكثر من نصف الألمان يرغبون بالهجرة

    ثلث الألمان يقاطعون المنتجات الأميركية بسبب سياسات ترامب .. و استطلاع : أكثر من نصف الألمان يرغبون بالهجرة

    الإخوان المسلمون في مرمى ماكرون.. تقرير أمني صادم يشعل جدلا واسعا بباريس

    الإخوان المسلمون في مرمى ماكرون.. تقرير أمني صادم يشعل جدلا واسعا بباريس

    سويسرا : رفض قبور المسلمين في فاينفيلدن يثير تساؤلات حول مستقبل التعددية الدينية في سويسرا

    سويسرا : رفض قبور المسلمين في فاينفيلدن يثير تساؤلات حول مستقبل التعددية الدينية في سويسرا

    واشنطن تدرس تصنيف طالبان “منظمة إرهابية أجنبية”

    واشنطن تدرس تصنيف طالبان “منظمة إرهابية أجنبية”

    إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

    إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

    العراق : وفد مصري بعد زيارة كربلاء: ما رأيناه هنا يعكس صورة مغايرة تماما لما يتداوله الاعلام

    العراق : وفد مصري بعد زيارة كربلاء: ما رأيناه هنا يعكس صورة مغايرة تماما لما يتداوله الاعلام