الصحيفة كشفت توسعة مولر دائرة التحقيقات ليبحث في دور الإمارات المحتمل في شراء النفوذ السياسي بالولايات المتحدة، عن طريق أحد الأسماء التي طرحت نفسها مؤخرًا على موائد النقاش داخل أروقة البحث داخل أمريكا، هو جورج نادر المعروف بصلاته مع مسؤولي الإمارات الذي يقدم نفسه مستشارًا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
ومن المعروف أنه لا يجوز في القانون الأمريكي تلقي الأموال من جهات أجنبية لدعم الحملات الانتخابية، كما أنه من غير المشروع للأمريكيين تقبل أموال خارجية عن علم مسبق لتمويل المنافسات السياسية، حسبما أكدت الصحيفة.
وبعد ثلاثة أيام فقط من هذا التقرير الذي تحدث عن دور إماراتي محتمل، ها هي الصحيفة تنشر تقريرًا آخر، أمس الثلاثاء الـ6 من مارس/آذار، يكشف النقاب عن تفاصيل جديدة، وسع مولر على إثرها دائرة التحقيق في هذا الملف لتتجاوز قضية التدخل الروسي لتشمل معها تدخلات دول أخرى في خطوة ربما تفتح الباب لتسليط الضوء على قضية تدفق الأموال من دول أجنبية وتأثيرها على قرارات واشنطن التي يقوم فيها مستشار ابن زايد بدور البطولة في أحد فصولها.
نادر الذي تربطه علاقات قوية مع مساعدين حاليين وسابقين للرئيس ترامب، بدأ يتعاون مع مولر وقدم شهادته الأسبوع الماضي لفريق من المحلفين، فيما يقوم المحقق الخاص بهذه القضية باستجواب عدد من الشهود بشأن احتمالية نقل مستشار ابن زايد أموال من الإمارات لتمويل ترامب وجهوده السياسية، بحسب شخصين مطلعين للصحيفة.
ضلوع إماراتي
الصحيفة الأمريكية كشفت أن نادر، رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني وذراع ابن زايد داخل الولايات المتحدة، كان قد حضر في يناير/ كانون الأول من عام 2017 اجتماعًا في سيشيلز هو الآن موضوع تحقيق من فريق مولر، هذا الاجتماع الذي دعا إليه محمد بن زايد، ضم مستثمرًا روسيًا مقربًا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويدعى كيريل ديمتريف، وكذلك إريك برينس، مؤسس شركة بلاكووتر، والمستشار غير الرسمي لفريق ترامب في أثناء فترة انتقال الرئاسة في أمريكا، وقد نسبت الصحيفة هذه المعلومات إلى ثلاثة أشخاص لديهم اطلاع جيد على تفاصيل اللقاء المذكور.
في هذا الاجتماع الثلاثي الذي جرى في فندق مطل على المحيط الهندي في سيشيلز قبل أيام من استلام ترامب مهام منصبه، مثل نادر ولي عهد أبو ظبي، فيما كان يعتقد المسؤولون الإماراتيون أن برينس كان يمثل فريق ترامب للفترة الانتقالية، وديمتريف الذي يعمل مديرًا لأحد الصناديق المالية الروسية ممثلاً عن الرئيس فلاديمير بوتين.
ورطة جديدة تواجهها الإمارات تعيد للأذهان سريعًا تلك التسريبات التي كشفت عن بعضها مجلة “إنترسبت” الأمريكية قبل عدة أشهر، لرسائل من البريد الإلكتروني الخاص بالسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة
المصادر الخاصة بالصحيفة الأمريكية كشفت الدور الذي قام به مستشار محمد بن زايد كونه حلقة الوصل التي جمعت بين الروس والأمريكان، مستغلاً علاقته القوية بعدد من مستشاري البيت الأبيض، لافتة إلى أنه من عرف المسؤولين في موسكو على برينس، مؤسس شركة بلاكووتر.
العديد من الشواهد ذكرتها الصحيفة في تقريرها الأخير بشأن تورط نادر في هذه القضية، منها تسليم رجل الأعمال المقرب من الإمارات، إليوت برويدي، أحد مستثمري كاليفورنيا والمسؤول عن تنظيم العديد من البرامج لجمع التبرعات للحزب الجمهوري لدعم ترامب في حملته الانتخابية، ملاحظات بعض المقابلات السرية الخاصة لمستشار ابن زايد.
الصحيفة اختتمت تقريرها بأن تعاونًا نادرًا مع مولر سينجم عنه تحديات جديدة قد تواجه إدارة ترامب وتضعه في موقف حرج في القضية، إذ إن حضور الممثل الإماراتي لاجتماع سيشيلز يربطه فيما يبدو بالموضوع الأساسي الذي يركز عليه تحقيق مولر، ألا وهو التدخل الروسي في الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2016.
مولر وسع دائرة التحقيقات لتشمل الإمارات بجانب روسيا
جورج نادر.. ذراع ابن زايد الأمريكي
رجل أعمال أمريكي من جذور لبنانية، يتمتع بنفوذ إعلامي كبير، وحضور سياسي قوي، مقرب من الكثير من دوائر صنع القرار داخل واشنطن وخارجها، ظل بعيدًا عن الأنظار لفترات طويلة، غير أنه فجأة عاد ليتصدر المشهد برمته ويصبح محط أنظار وسائل الإعلام الأمريكية بعد أن أثيرت حوله الشبهات بشأن شراء النفوذ السياسي داخل الولايات المتحدة.
أحد مساعدي ستيف بانون المستشار الإستراتيجي السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلا أن ذلك لا يقلل من خطورة الأدوار التي لعبها خلال تنقله لعشرات السنين بين العاصمة الأمريكية واشنطن، وعواصم الشرق الأوسط من تل أبيب إلى دمشق و طهران.
في عام 1996 استضاف نادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو بعد أقل من شهر من تقلده منصبه، بجانبه جلس إيهود أولمرت عمدة القدس حينئذ، وكان ثالثهما مارتن إنديك السفير الأمريكي لدى “إسرائيل”، والرمز الأكبر لمجموعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة.
بعد شهور قليلة من هذا اللقاء الذي قوبل بترحيب كبير لدى الشارع الأمريكي، ذُكر اسم نادر في الكونغرس الأمريكي متبوعًا بعبارات المديح والشكر، كونه صاحب مجلة “ميدل إيست إنسايت” التي تأسست عام 1960 التي كانت تمثل نافذةً للولايات المتحدة على الشرق الأوسط، ومنبرًا لأبناء الشرق لمخاطبة الولايات المتحدة.
الصحيفة الأمريكية كشفت أن نادر رجل الأعمال الأمريكي من أصل لبناني، وذراع ابن زايد داخل الولايات المتحدة، كان قد حضر في يناير/ كانون الأول من عام 2017 اجتماعًا في سيشيلز هو الآن موضوع تحقيق من قبل فريق مولر
في 1987 جلس الرجل قرب روح الله الخميني المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وبعد هذه الجلسة نشر عدة مقالات تمدح الخميني، وتصفه بعبارات لاقت استحسان الإيرانيين بصورة كبيرة، وفي منتصف العقد الماضي، قضى معظم وقته في الشرق الأوسط، خاصة في العراق بعد غزو 2003، وطوّر علاقاته مع مسؤولين أمنيين في البيت الأبيض إبان عهد إدارة الرئيس جورج بوش الابن، وكان على هوامش الدبلوماسية الدولية منذ ثلاثة عقود.
ما يقرب من عقد كامل، نجح خلاله نادر في نسج شبكة علاقات قوية يشوبها الكثير من الغموض مع أعضاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وجهاز المخابرات الإسرائيلية “الموساد” ليختفي بعدها عن الأضواء في خطوة أثارت تساؤلات الكثير حينها غير أن عدم سخونة الأجواء وقتها قلل من وقع هذا الاختفاء.
ومع حلول 2016 عاد رجل الأعمال لبناني الأصل ليفرض اسمه مجددًا مقدمًا نفسه في أروقة السياسة الأمريكية على أنه مستشار ولي عهد أبو ظبي، وبعد تنصيب ترامب رئيسًا للولايات، اقترب من شخصيات البيت الأبيض كإليوت برويدي – مدير شركة سيرسيناس للخدمات الأمنية – الذي أقام علاقات مع محمد بن زايد بوساطة نادر.
خلال الأشهر الأولى لإدارة الرئيس الأمريكي الحاليّ تردد نادر على البيت الأبيض أكثر من مرة، والتقى مقربين من ترامب، منهم ستيف بانون وجاريد كوشنر صهر الرئيس لمناقشة السياسة الأمريكية في منطقة الخليج قبيل زيارة الرئيس إلى السعودية في مايو/أيار 2017.
رغم نجاحه في الالتفاف بعباءة الإخفاء طوال سنوات عدة، فإن مولر وضعه على مسرح الأحداث رغمًا عنه، لتبدأ رحلة التحقيق فيما نسب إليه بشأن نقله أموالاً إماراتية للتأثير على السياسة الأمريكية وصناعة القرار عبر شراء بعض الأصوات ذات النفوذ الداخلي وضمان ولاء بعض الجهات والمنظمات ذات الكلمة المسموعة أمريكيًا.
نادر خلال لقاء له مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو
مأزق أمريكي وورطة إماراتية
ورطة جديدة تواجهها الإمارات تعيد للأذهان سريعًا تلك التسريبات التي كشفت بعضها مجلة “إنترسبت” الأمريكية قبل عدة أشهر، لرسائل من البريد الإلكتروني الخاص بالسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، التي ألقت الضوء على مساعي أبناء زايد تعميق نفوذهم السياسي داخل الولايات المتحدة عبر المال.
نادر الذي دومًا ما يقدم نفسه بصفته مستشارًا لـ”ابن زايد”، وضع الإمارات طرفًا أصيلاً في قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشكل مباشر، خاصة بعد الوثيقة التي نشرتها “نيويورك تايمز” عن الاجتماع الثلاثي الذي رعته الإمارات بين موفد ترامب وموفد بوتين.
المصادر الخاصة بالصحيفة الأمريكية كشفت الدور الذي قام به مستشار محمد بن زايد كونه حلقة الوصل التي جمعت بين الروس والأمريكان
أبو ظبي وعبر لسان سفيرها العتيبة اكتفت بالصمت حيال ما تم تسريبه بشأن وثيقة الاجتماع “لا تعليق”، بينما المتحدث باسم “برويدي” فكالعادة اتهم الدوحة، وقال إن الوثيقة سُربت بوسائل قرصنة غير شرعية، يعتقد أن قطر هي من فعلها، غير أن الجانب القطري استنكر هذه الاتهامات بصورة واضحة، في الوقت الذي لم يعلق فيه نادر.
تفاصيل جديدة بمثابة مسمار آخر في نعش إدارة ترامب، تطرح العديد من التساؤلات على لسان رجل الشارع الأمريكي عن حقيقة من يحكم، ومدى استقلالية القرار الأمريكي، وكيف تسمح الولايات المتحدة لدول خارجية بالتدخل في صناعة سياساتها في مقابل حفنة من المال والنفوذ.. تساؤلات عدة في انتظار ما ستسفر عنه تحقيقات مولر وما يدلي به مستشار ابن زايد والفريق المكلف بالتحقيق معه من شهادات أخرى خلال الأيام القادمة.