تحتضن الجزائر أشغال الدورة الـ35 لمجلس وزراء الداخلية العرب على مدار يومين، بهدف إعطاء دفع جديد للتعاون الأمني والتنسيق بين أجهزة وزارات الداخلية العربية، خاصة ما تعلق بملف مكافحة الإرهاب الذي تحاول الجزائر نقل تجربتها المعترف بها دوليًا في هذا المجال إلى دول المنطقة، والخروج بموقف موحد، لكن ذلك لا يبدو سهلاً رغم الحضور العربي المكثف بالنظر إلى الخلافات الموجودة بين الأشقاء خاصة في منطقة الخليج.

وحط بالجزائر منذ بداية الأسبوع الحاليّ مختلف المسؤولين العرب ومعظم وزراء الداخلية للمشاركة في هذه الدورة، وفي مقدمتهم وزيرا داخلية قطر والسعودية اللذين يستمر الخلاف بين بلديهما بشأن ملف الإرهاب.

ويعرف الاجتماع حضور وفود أمنية رفيعة إضافة إلى ممثلين عن جامعة الدول العربية واتحاد المغرب العربي والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية “الإنتربول” ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب ومشروع مكافحة الإرهاب لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية والاتحاد الرياضي العربي للشرطة، لكن لم يتم إعلان حضور ممثلين عن مجلس التعاون الخليجي.

الملف الأمني يتصدر أجندة الدورة

حسب ما أعلنته وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية الجزائرية، فإن”عددًا من المواضيع المهمة مدرجة في جدول الأعمال منها تقرير الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب عن أعمال الأمانة العامة بين دورتي المجلس الـ34 والـ35، ومشروع خطة أمنية عربية تاسعة ومشروع خطة إعلامية عربية سابعة للتوعية الأمنية والوقاية من الجريمة”.

لم يخف المسؤولون الجزائريون نيتهم العمل على أن تخرج هذه الدورة بقرارات من شأنها تعزيز التعاون العربي خاصة في المجال الأمني، بالنظر إلى التحديات المحيطة بها وبالمنطقة ككل

وسيبحث الوزراء “مشروع خطة مرحلية سادسة للإستراتيجية العربية للسلامة المرورية، ومشروع خطة مرحلية سادسة للإستراتيجية العربية للسلامة المرورية، ومشروع خطة مرحلية لتنفيذ الإستراتيجية العربية للأمن الفكري”.

وسيكون اجتماع الجزائر مناسبة لدراسة “التوصيات الصادرة عن المؤتمرات والاجتماعات التي انعقدت في نطاق الأمانة خلال عام 2017، ونتائج الاجتماعات المشتركة مع الهيئات العربية والدولية خلال عام 2017، إضافة إلى عدد من المواضيع الأخرى المهمة”.

وحسب ما تم تسريبه للصحافة، فإن هذه الدورة ستركز بالأساس على مواضيع تخص مواصلة التعاون الأمني المشترك لمواجهة مصادر التهديدات التي تمس أمن الدول العربية، مثل الإرهاب الدولي وفروعه الخطيرة والإجرام العابر للأوطان والتطرف العنيف والتهديدات المستجدة المرتبطة بالإرهاب السيبرياني والجريمة الإلكترونية وظاهرة الهجرة غير الشرعية.

وقال مسؤول من الوفد التونسي للصحافة إنه من الأهمية اعتماد إستراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب ترتكز على “الأمن الفكري” من خلال “المحاربة على مستوى الفكر والدين وكذا الإحاطة بالأشخاص المرشحين للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، مع إنشاء قاعدة بيانات لكل هذه التنظيمات الإرهابية وتبادل المعلومات عنها”.

رهان الجزائر

لم يخف المسؤولون الجزائريون نيتهم العمل على أن تخرج هذه الدورة بقرارات من شأنها تعزيز التعاون العربي خاصة في المجال الأمني، بالنظر إلى التحديات المحيطة بها وبالمنطقة ككل منها التخوف من عودة مقاتلي داعش أو فرارهم إلى منطقة المغرب العربي والساحل الإفريقي.

الجزائر: “تحرص على الإسهام في تعزيز فعالية جهود المجلس الرامية إلى مكافحة كل أشكال التهديدات التي تمس الوطن العربي ومداره الإقليمي”

ويظهر اهتمام الجزائر الكبير بهذا الاجتماع من خلال أجندة البرنامج التي أشارت إلى حضور الوزير الأول أحمد أويحيى وقراءة رسالة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لتأكيد عزمها المضي قدمًا في تفعيل العمل الأمني العربي ونقل تجربتها الرائدة وأفضل الممارسات التي استخلصتها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف المؤدي إليه إلى جانب اقتراح حلول لهذه الآفة.

ويتوقع الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب محمد بن علي كومان كسب الجزائر رهان إنجاح هذه الدورة بكل المعايير قائلاً: “بدأ هذا الموعد  بنجاح من خلال وجود 20 دولة عربية ممثلة على مستوى وزراء الداخلية ورؤساء الوزراء، وهو دليل على أن الجزائر تمكنت بفضل وزنها على المستوى العربي من جذب كل هذا العدد من الوزراء”.

وأوضح الأمين العام لوزارة الداخلية الجزائرية صلاح الدين دحمون في افتتاح أشغال الاجتماع التحضيري أن بلاده “تحرص على الإسهام في تعزيز فعالية جهود المجلس الرامية إلى مكافحة كل أشكال التهديدات التي تمس الوطن العربي ومداره الإقليمي وتصبو إلى تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق الأمني المشترك”.

واعتبر أن “مشاركة جميع ممثلي الدول العربية يعتبر دليلاً على العناية التي توليها الدول لهذا الموعد المهم الذي يصبو إلى تحقيق المزيد من التعاون والتنسيق الأمني المشترك”.

خلاف عربي

لكن هذه التطلعات التي أبداها المسؤولون الجزائريون وبعض نظرائهم العرب تصطدم بخلاف ميداني ينطلق من نظرة كل بلد لملف للإرهاب في ظل غياب تعريف دولي متفق عليه لموضوع الإرهاب.

 إلى أن تستطيع الدول العربية الاتفاق على مفهوم موحد للإرهاب الذي يعتبر أكبر تحد يواجه وزارات الداخلية في المنطقة، تظل جهود الجزائر في توحيد الصف العربي لمكافحة هذه الظاهرة مجرد محاولات تصطدم في كل مرة بالخلافات الضيقة للدول

وإن حرصت الجزائر منذ اندلاع الأزمة الخليجية على البقاء على مسافة واحدة بين جميع الأطراف، إلا أنها مهتمة خلال هذا الاجتماع بإقناع الأخوة المتخاصمين بالعمل على تجاوز خلافاتهم والعودة إلى سابق علاقاتهم السياسية تبدو شبه مستحيلة وهي التي رفضت منذ البداية أن تكون وسيطًا بين المتخاصمين، لكنها أكدت وقوفها إلى الوساطة التي يقودها الأمير الكويتي.

ومن ثم فالتحدي الذي ينتظر الجزائر هو مدى استطاعتها إقناع أطراف الأزمة الخليجية تفادي تحويل هذا الاجتماع إلى منبر جديد لنقل الخلافات الموجودة بينهم، والعمل على وضع ورقة طريق حقيقية تساهم في تعاون يعمل على مكافحة الإرهاب لا السعي لتفسير هذه الآفة وفق النظرة الأحادية الضيقة.

وبحسب مراقبين، فإن الخلاف العربي بشأن ماهية الإرهاب لا يقتصر على أطراف الأزمة الخليجية بل إلى دول أخرى، فالجزائر مثلاً لا تقبل تصنيف حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني وجماعة الإخوان المسلمين المصرية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، في حين تصر دولاً أخرى على إدراج هذه الحركات ضمن هذا التصنيف، وشكل رأيها مصدرًا للأزمات في عدة مناطق عربية.

وإلى أن تستطيع الدول العربية الاتفاق على مفهوم موحد للإرهاب الذي يعتبر أكبر تحد يواجه وزارات الداخلية في المنطقة العربية، تظل جهود الجزائر في توحيد الصف العربي لمكافحة هذه الظاهرة مجرد محاولات تصطدم في كل مرة بالخلافات الضيقة للدول.