إغلاق كنيستين في الجزائر: تصدٍّ لمحاولات نشر المسيحية أم تضييق على الحريات الدينية؟

“أنا في قمة الحزن من قرار السلطات”، يؤكد الشاب لـ”هاف بوست عربي”، ويرى أن التجرؤ على مقدسات المسيحيين، وغلقها انتهاك صارخ للقوانين الدستورية التي تكفل لغير المسلم حرية العبادة.

غلق الكنيستين، بالنسبة له، يأتي رغم أن إحداها تنشط منذ الاستقلال وتابعة للكنيسة الميثودية والأخرى ناشطة منذ 2011، والكنيستان المذكورتان منضويتان في جمعية الكنيسة البروتستانتية الجزائرية، المعتمدة من طرف الدولة.

السلطات الجزائرية لها رأي آخر في الموضوع، فوزير الشؤون الدينية بالجزائر محمد عيسى، اعتبر قرار غلق الكنيستين في وهران على التوالي، في 27 فبراير/شباط و2 مارس/آذار 2018، قراراً قانونياً وليس تعسفياً أو تضييقاً كما يعتبره البعض.

وأضاف أن قرار الغلق جاء لتنظيم عبادة غير المسلمين بالجزائر، بعد تسجيل خروقات قانونية في طريقة فتح ونشاط تلك الكنيستين.

“نحن نعاني التضييق”

الوزير الجزائري المسؤول عن تنظيم القطاع الديني، نفى أن تكون السلطات قد أغلقت الكنيستين بهدف التضييق، معتبراً أن الدستور الجزائري يكفل للمتدينين بغير الإسلام العبادة وممارسة شعائرهم الدينية وفق ما تمليه قوانين البلاد.

أما مسيحيو الجزائر، فقد اعتبروا خطوة السلطات بولاية وهران تضييقاً للحريات الدينية التي يكفلها الدستور الجزائري والقوانين الدولية.

وسارع موقع “المسيحي” الجزائري إلى نشر خبر غلق الكنيستين، ووصف ذلك بـ”القرار القاسي”، مؤكداً أن ما قامت به السلطات الجزائرية، ممثلة بوالي ولاية وهران، شيء محزن ومؤسف.

ومن ثم، يقول: “تحجج السلطات بعدم اعتمادهما، أمر غير وارد، كما أن القول بطباعة أناجيل ومنشورات تبشيرية غير وارد هو الآخر، وما الخطوة سوى تضييق على المسيحيين في الجزائر”.

إغلاق كنيستين إنجيليتين في وهران ليس هو المرة الأولى؛ ففي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أقدمت السلطات على تشميع كنيسة بروتستانتية بمدينة عين الترك، بعدما قالت إنها تنشط خارج القانون.

“م. ل” يؤكد أن عدداً من الكنائس الموجودة بمقر الولاية التي ينتمي إليها –تيزي وزو– قد بلغتها إشعارات من طرف المصالح الأمنية لإثبات قانونيتها، وهو ما يجعلها مهددة بالغلق في أية لحظة.

وبدوره، عبر يوسف، عضو مجلس إدارة في كنيسة عين ترك، المشمعة سابقاً، عن حزنه الشديد مما يعتبره “ظلماً واضطهاداً نواجهه في الجزائر”.

أناجيل سرية..

قرار محافظ وهران، القاضي بإغلاق الكنيستين، استند إلى عدة حجج؛ فالكنيستان –وفق القرار– تنشطان بطريقة غير قانونية، ولا تملكان اعتماداً من قِبل السلطات الوصية، وهو ما يتعارض ونص القوانين التي تعمل على تنظيم عبادة غير المسيحيين في البلاد.

كما أن الكنيستين، حسب سلطات المحافظة، رُصدتا وهما تقومان بطباعة أناجيل ومناشير تدعو إلى اعتناق المسيحية، ويتم توزيعها في أماكن واسعة من الوطن بطريقة سرية وغير قانونية، وهو ما يمنعه المشرع الجزائري.

وهو ما يؤكده إبراهيم، إطار بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والذي قال لـ”هاف بوست عربي”، إن تحقيقات رجال الأمن بوهران بينت أن الكنيستين تنشطان خارج القانون، وتقومان بطباعة الأناجيل داخل الكنيسة وبطريقة سرية وممنوعة قانوناً.

واعتبر أن قرار التشميع، جاء بعد سلسلة تحريات وتحقيقات كبيرة قامت بها مصالح الأمن، واستند إلى عدة قرائن تدين النشاط غير القانوني للكنيستين.

مساكن تتحول إلى كنائس

يرى المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر، أن الدولة الجزائرية تساهلت كثيراً أمام ظاهرة الانتشار العشوائي للكنائس، إلى درجة إقدام بعض المواطنين إلى تحويل منازلهم إلى أماكن للعبادة ونشر المسيحية. مدير التوثيق والاتصال بالمجلس الإسلامي الأعلى، محمد بغداد، يؤكد لـ”هاف بوست عربي”، أن إحدى الكنيستين اللتين تم غلقهما، هي في الأصل بيت لأحد المواطنين بآرزيو، حوّله إلى مكان “يجتمع فيه المسيحيون للتعبد وطباعة منشورات ممنوعة”. وأضاف أن “ظاهرة تحويل المساكن إلى كنائس غير معتمدة، تنتشر في عدد من ولايات الوطن، والقانون لا يسمح بذلك، وللدولة كل الحرية للتصرف مع دور العبادة هذه بالغلق والتشميع؛ لأنها في الأصل غير معتمدة”. ومن هذا المنظور، يضيف بغداد، لا يمكن على كل حال، اعتبار إغلاق الكنائس المشيّدة بطريقة غير قانونية تضييقاً على الحريات الدينية كما يزعم البعض؛ بل هي “طريقة لمحاربة الفوضى”.

حتى المساجد أغلقت

مدير التوثيق والاتصال بالمجلس الإسلامي الأعلى، يرى بان الجزائر تحارب كل أشكال الفوضى حتى وكانت كان على حساب المقدسات الإسلامية. فقد قامت السلطات بإغلاق عدد من المساجد على مر السنوات الماضية؛ لكونها لم تحترم الأطار القانوني للجمهورية، وضمن ذلك الترخيص ببنائها من قِبل السلطات المحلية واعتمادها من قبل الوزارة الوصية. فالقانون الجزائري يمنع كلياً إنشاء أي مكان للعبادة مهما كان انتماؤه الديني، من دون علم الدولة، التي تقوم بمتابعة نشاطه وحمايته؛ حفاظاً على حياة مريديه، وتنظيماً للحياة الدينية، كما يؤكد محمد بغداد.إبراهيم، الإطار بوزارة الشؤون الدينية، يؤكد هو الآخر غلق عدد من المساجد والمصليات؛ لكونها لم تحترم القانون؛ بل و”حوّلها البعض إلى مكان لنشر الفكر المتطرف والإرهابي بعيداً عن المراقبة”.

لهم كل الحرية

ويشير تقرير أعده مستشارون بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، إلى أن الأقلية المسيحية في الجزائر تمارس شعائرها الدينية بكل أريحية ودون أي ضغط، وهناك نحو 9 كنائس غير مرخصة تمارس نشاطها بشكل عادي في ولاية تيزي وزو (150 كم شرق الجزائر).وقامت الحكومة الجزائرية، حسب التقرير، باعتماد 7 جمعيات تنشط بشكل عادي في الجزائر منذ الستينيات، ويتعلق الأمر بالجمعية الأسقفية الجزائرية، واللجنة المسيحية للخدمة في الجزائر، وجمعية الكنيسة البروتستانتية بالجزائر، وجمعية الطوائف الدينية الكاثوليكية في الجزائر، والبعثة السبتية لليوم السابع بالجزائر، والجمعية النسائية لجمعية بعثات الكنيسة الميثودية الموحدة، وفيدرالية الكنائس الإنجيلية في الجزائر التي يشرف عليها الأب “شلاح صلاح”.

التقرير الذي اعتمد على دراسة مصالح وزارة الداخلية، يؤكد وجود المئات من المسيحيين في الجزائر، بعضهم يرتادون الكنائس الرسمية التي تحوز اعتماد الوزارة، وكذا بعض الكنائس السرية المنتشرة عبر البلاد، وضمن ذلك ولايات الجنوب الجزائري، حيث يقوم بعض المسيحيين في هذه المناطق بتحويل مساكنهم إلى كنائس.

التقرير كان رداً على معلومات أصدرتها كتابة الدولة للخارجية الأميركية بخصوص “واقع ممارسة الشعائر الدينية في الجزائر”، الذي اتهم السلطات الجزائرية بالتضييق على المواطنين الذين تحولوا من الإسلام إلى المسيحية.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

رفع اسعار البنزين والطاقة في مصر

اليوم السابع : الأسعار الجديدة للبنزين الخميس، 25 يوليو 2024 : أعلنت لجنة تسعير المنتجات البترولية، …

اترك تعليقاً