"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أشهر الخطب في التاريخ: خطبة الجهاد لـ«على بن أبى طالب»

المصري اليوم :

على بن أبى طالب هو ابن عم الرسول، وصهره فيما بعد، وقد تولى الخلافة بين سنتى 657 و661، وكان رابع الخلفاء الراشدين، كما أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة. وقد عُرف ببلاغته وحكمته، كما كتب الشعر.

فى 13 من رجب عام 13 قبل الهجرة، ولد ابن عم نبى الإسلام- وصهره فيما بعد- على بن أبى طالب، الذى تولى الخلافة بين سنة 657 وسنة 661 بعد عثمان، وأصبح رابع الخلفاء الراشدين عند السنة، كما أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة وأوّل الأئمّة عند الشيعة.

عُرف على ببلاغته واشتهر بالفصاحة والحكمة، حتى إن خطبه ورسائله كانت آية من آيات الإبداع والجمال الأدبى، والفنى أيضا، لما يملكه من قدرة على التعبير، وقاموس من المفردات يصنع منه عبارات كالسهام قادرة على إصابة المعنى والوصف والتحليل.

يُنسب لأمير المؤمنين الكثير من الأشعار والأقوال المأثورة، وخطب مطعمة بالبلاغة، من بينها خطبة الجهاد المشهورة، لما قاله فيها للناس عندما أغار سفيان بن عوف الأسدى على مدينة الأنبار بالعراق وقتل عامله عليها، حيث جلس على باب السدة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

«أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة. فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، ولزمه الصّغار، وسيم الخسف، ومنع النّصف. ألا وإنى قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا، وسرا وإعلانا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزى قوم قط فى عقر دارهم إلا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم، وثقل عليكم قولى واتخذتموه وراءكم ظهريّا، حتى شنّت عليكم الغارات. هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، وقتل حسان- أو ابن حسان- البكرى، وأزال خيلكم عن مسالحها، وقتل منكم رجالا صالحين. ولقد بلغنى أن الرجل منهم كان يدخل على المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها وقلبها ورعاثها ثم انصرفوا وافرين، ما كلم رجل منهم كلما، فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا، ما كان عندى به ملوما، بل كان به عندى جديرا. فيا عجبا من جد هؤلاء القوم فى باطلهم، وفشلكم عن حقكم. فقبحا لكم وترحا، حين صرتم هدفا يرمى، وفيئا ينتهب، يغار عليكم ولا تغيرون، وتغزون ولا تغزون، ويعصى الله وترضون، فإذا أمرتكم بالسير إليهم فى أيام الحر قلتم: حمّارة القيظ، أمهلنا ينسلخ عنا الحرّ وإذا أمرتكم بالسير فى البرد قلتم: أمهلنا ينسلخ عنا القرّ. كلّ ذا فرار من الحر والقر. فإذا كنتم من الحر والقر تفرون، فأنتم والله من السيف أفر، يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا أحلام الأطفال وعقول ربات الحجال، وددت أن الله قد أخرجنى من بين ظهرانيكم وقبضنى إلى رحمته من بينكم. والله لوددت أنى لم أركم، ولم أعرفكم. معرفة والله جرّت ندما. قد وريتم صدرى غيظا، وجرّعتمونى الموت أنفاسا، وأفسدتم على رأيى بالعصيان والخذلان، حتى قالت قريش: ابن أبى طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب. لله أبوهم، وهل منهم أحد أشدّ لها مراسا أو أطول لها تجربة منى؟ لقد مارستها وما بلغت العشرين، فهأنذا قد نيفت على الستين ولكن لا رأى لمن لا يطاع».

استطاع على فى هذه الخطبة –ببلاغته- أن يثير مشاعر سامعيه من الناس، تدريجيا، حتى وصل إلى ما يصبو إليه، بداية من استهلال عَرّف فيه أهمية الجهاد وعاقبة من يتركه، ثم لخص الواقعة وأتبعها بعبارات تثير الغيرة والعزيمة فى نفوس الجموع، بتأكيد أن السكوت على مثل هذه الأفعال سيقود المعتدى لاستباحة البيوت والأهل، والمرأة تحديدا، لما يعلمه أمير المؤمنين من أهمية شرف الأنثى عند العرب.

بلاغة على وفصاحته التى ساعدته أن يكون شاعرًا حتى فى خطبه، تُلاحظ بقوة أيضًا فى واحدة قال فى جزء منها: «أوصيكم عباد الله ونفسى بتقوى الله ولزوم طاعته، وتقديم العمل، وترك الأمل، فإنه من فرط فى عمله، لم ينتفع بشىء من أمله. أين التعب بالليل والنهار، والمقتحم للجج البحار، ومفاوز القفار؛ يسير من وراء الجبال، وعالج الرمال؛ يصل الغدو بالرواح، والمساء بالصباح، فى طلب محقرات الأرباح؛ هجمت عليه منيته، فعظمت بنفسه رزيته؛ فصار ما جمع بورا، وما اكتسب غرورا، ووافى القيامة محسورا».