كثر اللغط والجدل خلال الأيام الماضية في تونس، بسبب زيارة وزير الداخلية التونسي لطفي براهم وعدد من المسؤولين الأمنيين التونسيين البارزين إلى المملكة العربية السعودية، في زيارة غير معلنة استمرّت لخمسة أيام، التقوا فيها الملك سلمان بن عبد العزيز ووزيري الداخلية والخارجية السعوديين وعددا من كبار المسؤولين الأمنيين في المملكة.

الزيارة التي أثارت الرأي العام التونسي، جاءت في وقت حسّاس تمرّ به البلاد، وهو ما تسبّب في تعدّد القراءات لخلفيّاتها خاصة أمام صمت الإعلام المحلّي عن الحديث عنها وعن جدواها، ليصل الأمر بالبعض لتأكيد “وجود تآمر على تونس من قبل المملكة العربية السعودية قبل أشهر قليلة من الانتخابات البلدية المحلية”.

القصّة بدأت يوم الأحد الماضي، عندما أعلن الموقع الإلكتروني لجريدة “الشروق” التونسية عن أن وزير الداخلية لطفي براهم سيتحول بداية من ظهر الأحد 25 فبراير إلى السعودية في زيارة رسمية تلبية لدعوة تلقاها من نظيره السعودي وتدوم الزيارة 3 أيام حيث يُنتظر أن يتم خلالها تناول ملف التعاون الأمني والاستخباراتي التونسي السعودي في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، إضافة لمقابلة كبار المسؤولين السعوديين خلال هذه الزيارة.

الجريدة التونسية دون غيرها من وسائل الإعلام المحليّة، عادت بعد يومين من نشرها الخبر لتؤكد أن زيارة براهم إلى المملكة ستخصص بالأساس للتعاون الاقليمي والثنائي في مكافحة الإرهاب، في زيارة سيتخللها لقاء منتظر مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لماذا استقبل الملك سلمان وزير الداخلية لطفي براهم، في حين تؤكد المعلومات المتواترة أن حالته الصحية لا تسمح له إلا باستقبال كبار المسؤولين الزائرين للمملكة خلال فترة صحوته من مرض “الزهايمر”؟

وحسب المعطيات المتوفرة لـ”الشروق”، فإن النجاحات الأمنية الأخيرة والمتسارعة في تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية في تونس، وتصفية قيادات إرهابية بارزة متحصّنة منذ أعوام بجبال الغرب التونسي شجّعت عدة دول عربية وأجنبية على تكثيف تعاونها الأمني مع الأمن التونسي، وهو الإطار الذي تتنزّل فيه زيارة وزير الداخلية لطفي براهم تلبية لدعوة من نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز وذلك على رأس وفد أمني كبير، لتطوير التعاون الأمني الإقليمي والمشترك في مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخباراتية للقضاء على هذه الآفة.وبعد أن أعلنت في خبرها الأول أن الزيارة ستدوم 3 أيام، أشارت الصحيفة التونسية إلى أن زيارة وزير الداخلية تدوم طيلة خمسة أيام كاملة، ومن المرجح جدا أن يلتقي خلالها بولي العهد الأول السعودي الأمير محمد بن سلمان.

لم يثر الخبرين المنشورين على صحيفة “الشروق” المحليّة الرأي العام ووسائل الإعلام التونسية، كما أنهما لم يشيرا إلى عزم الوزير لقاء العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ووزير الخارجية عادل الجبير، ولكن بعد ساعات قليلة، خرجت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” بخبر مقتضب عن لقاء وزير الداخلية لطفي براهم بالملك سلمان، ناشرة صورا للقاء الذي شارك فيه قياديين أمنيين تونسيين بارزين، ليبدأ الجدل الواسع الذي لم يهدأ لحدّ كتابة هذه الأسطر.

في الخبر الذي نشرته “واس”، نقل وزير الداخلية التونسي للملك سلمان تحيات الرئيس الباجي قائد السبسي كما جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وهو ما يُعتبر في العرف الدبلوماسي خطأً بروتوكوليّا واضحا وفاضحا، فكيف لوزير داخلية مسؤول عن الملف الأمني الداخلي بالأساس أن يُناقش العلاقات الثنائية بين بلدين ويحلّ محلّ رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية المسؤولين بشكل أساسي عن هذا الملفّ.

كشف حساب “مجتهد” على “تويتر” المتخصص بنشر معلومات العائلة المالكة السعودية، أن زيارة وزير الداخلية التونسي إلى المملكة تحمل في طياتها الكثير من المعاني وعلى رأسها إعادة تنصيب بن علي مجددا في السلطة ضمن “مخطط سعودي إماراتي”، على حد تعبيره

زد على ذلك، لماذا استقبل الملك سلمان وزير الداخلية لطفي براهم، في حين تؤكد المعلومات المتواترة أن حالته الصحية لا تسمح له إلا باستقبال كبار المسؤولين الزائرين للمملكة خلال فترة صحوته من مرض “الزهايمر” الذي يعاني منه منذ سنوات، حتى أن بعضهم كشف عن أن الملك يبدو في أغلب الأحيان مرتبكا، ويتمتع بفترة انتباه قصيرة، وهو ما يجعله يكرر القصص نفسها للزوار، ويحتاج شاشة حاسوب، لحثه على النقاط التي سيتناولها في حواراته مع زائريه.

مهما كانت مواضيع المحادثات بين الملك السعودي والوزير التونسي، إلا أن هذه الزيارة التي بقيت تفاصيلها طيّ الكتمان، أكدت أن قصر قرطاج يقف خلفها لأهداف مازلنا نجهلها رغم أن بعض التسريبات تقول إنها للتنسيق الأمني بالأساس، كما لا يخفى على التونسيين، وجود خلاف كبير بين وزير الداخلية لطفي براهم ورئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي عبّر للمقرّبين منه عن امتعاضه من براهم بسبب قربه من قصر قرطاج أكثر من قصر الحكومة بالقصبة.

منذ أكثر من 7 سنوات من هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، لم يثر وزير داخلية جدلا واسعا في تونس مثلما أحدثه تعيين العميد لطفي براهم، حتى أن فترة تولّيه للوزارة، عرفت خلالها البلاد قمعا غير مسبوق طال الصحفيين والمحامين والقضاة، بل وصل الأمر لاقتحام أعوانه لبهو محكمة بن عروس للمطالبة بالإفراج عن زملاء لهم تورّطوا في تعذيب شنيع لأحد الموقوفين على ذمّة قضيّة حقّ عام.

الجدل الذي أثاره تعيين لطفي براهم، وصل ذروته محلّيا وعالميّا قبل يومين، عندما كشف حساب “مجتهد” على “تويتر” المتخصص بنشر معلومات العائلة المالكة السعودية، والذي يتابعه أكثر من مليوني شخص، أن زيارة وزير الداخلية التونسي إلى المملكة تحمل في طياتها الكثير من المعاني وعلى رأسها إعادة تنصيب بن علي مجددا في السلطة ضمن “مخطط سعودي إماراتي” على حد تعبيره.

كذلك ألمح “مجتهد” إلى أن “براهم التقى بزين العابدين بن علي، الذي يعيش في السعودية حاليا، وذلك للاستماع إلى توجيهاته الأمنية من منفاه، وهو ما فجّر مفاجئة من العيار الثقيل، وكان بمثابة الفضيحة التي لم يمحها إلى حدّ الآن أيّ نفي تونسي رسمي.

لا يخفى على أحد حجم التآمر السعودي-الإماراتي على تونس وثورتها التي مازالت تخطو خطاها المتعثّرة نحو تحقيق أهدافها

رغم أن “مجتهد” رجّح إمكانيّة لقاء لطفي براهم ببن علي بناء على تحليلات ومعطيات مترابطة، إلا أن اللواء أنور عشقي المعروف بقربه من دوائر صنع القرار بالمملكة، أكّد بما لا يدع مجالا للشك أنّه تمّ استشارة ابن علي في الاجتماعات التي حدثت مؤخرا في المملكة.

اللواء أنور عشقي، لم يستبعد في تصريح نقله عنه الموقع الإلكتروني لقناة “الحرّة” استشارة بن علي بشأن اللقاءات التي تمت في الرياض، فيما نفى علمه بمشاركته فعليا في تلك الاجتماعات، وهو ما يمثّل فضيحة كبيرة للوفد التونسي المشارك في هذه الاجتماعات الأمنية-السياسية رفيعة المستوى، وتآمرا واضحا من الجانب السعودي على التونسيين، بعد أن سمح لبن علي بتقديم الجانب الاستشاري في هذه الاجتماعات بدل تسليمه للسلطات التونسية للمثول أمام القضاء.

لا يخفى على أحد حجم التآمر السعودي-الإماراتي على تونس وثورتها التي مازالت تخطو خطاها المتعثّرة نحو تحقيق أهدافها، ولم يعد خافيا على التونسيين أن هناك أياد وقوى داخلية وخارجية تهدف لجرّ البلاد لمستنقع الفوضى المتوحّشة، في حين يتناسى هؤلاء أن هذه الفوضى ستطالهم ولن تترك بيتا أو قصرا إلّا وستدخله عنوة، ووقتها، لن ينفعهم ابن سلمان ولا أبيه، ولن يستقبلهم ابن زايد ولا أخيه، لأن الفؤوس ستقع يومئذ على رؤوس الجميع.