"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الأردن : تفاصيل عرض اردوغان لـ جلالة الملك

 أحداث اليوم –

– أراد وزير الخارجية التركي مولود أوغلو قصدا لفت النظر إلى القفزة التي تحققت في العلاقات مع الأردن عندما تحدث في زيارته الأخيرة في عمان وفي باحة السفارة التركية في العاصمة عن المئات من الشباب الأتراك الذين سيتعلمون اللغة العربية قريبا في المؤسسات الأردنية.

من سمع هذه المعلومة لم يخطر في ذهنه أن الوزير أوغلو يلفت النظر إلى طلب مباشر تقدم به الرئيس طيب رجب أردوغان من الملك عبد الله الثاني نهاية الصيف الماضي عندما امتدح أردوغان بلاغة ومهنية الجامعات الأردنية في تعليم اللغة العربية، وقال جلالة الملك : أن إخوته من الأئمة والوعاظ الأتراك شغوفون بتعلم لغة القرآن الكريم على يد أساتذة اللغة العربية الأردنيين.

يومها لم يتحمس المسؤولون الأردنيون لطلب أردوغان على اعتبار أن أي نمو في العلاقات مع تركيا بعيدا عن المسار الأمني يمكن أن يكون مكلفا في توازنات الأردن الإقليمية الأخرى.

يبدو أن تعليم وعاظ وأئمة أتراك اللغة العربية في الأردن وبعدد كبير أصبح خطوة تخفف من التشنج في العلاقات بين البلدين، وتضع أساسا للتعاون حتى داخل منظومة الإسلام الوسطي الحديث الذي تحاول تركيا تمثيله في العالم.

 حصل ذلك في خطوة لا يمكن إنكار أهميتها الرمزية بعد التقاطع في المساحات بين أنقرة وعمان عند نقطة مكثفة هي ملف القدس والاستحقاق الذي وضع فيه البلدان قرار الرئيس الأمريكي الشهير دونالد ترامب.

الأهم أن وزير الخارجية  أيمن الصفدي أعلن وهو يستقبل نظيره التركي أوغلو، الاتفاق على توقيع اتفاقية تجارة حرة بين البلدين قبل أن يعلن الملك عبد الله الثاني شخصيا وهو يلتقي قيادات ونخب من قبيلة بني صخر بانه ذاهب للهند حتى يبحث في استقطابات تجارية واستثمارية لأن الهند مثل تركيا مهتمة بافريقيا والعراق.

الحاجة الاقتصادية حصريا دفعت عمان لخيارات لا تريدها سياسيا بالعادة مع تركيا تحديدا، وعروض الاستثمار والتعاون التي يقدمها الجانب التركي من المرجح أنها مفيدة ومثمرة بعدما وجد الاقتصاد الأردني نفسه معزولا ويتيما خصوصا بعد قرار ترامب والقدس وبعد المستجدات التي اخترقت جدار العلاقات الإقليمية وتحالفات الأردن مع الجوار.

العلاقات مع تركيا بهذا المعنى أصبحت أكثر أمنا وأقل ضجيجا ولم تعد خطرة من حيث علاقات الأتراك بالإخوان المسلمين، لأن النسخة الأردنية من التنظيم الإخواني تتفاعل بإيجابية ودخلت في حالة كمون تكتيكي طويلة وأظهرت أنها لا تسعى لاستغلال أي من عناصر التوتير الداخلي عبر الاستعانة في تركيا على الحكومة الأردنية.

المضي قدما أيضا بعلاقات أكبر مع تركيا يزعج الشريك والحليف السعودي، ويشاغب قليلا على أجندة الحليف الإماراتي والمصري، لكنه ومع غياب جملة اقتصادية تضامنية حقيقية من قبل السعودية تحديدا لا يعتبر تقاربا من النوع الخطر أو الذي يثير الحساسيات بل يستقر في مستوى انه تقارب أقل خطرا من أي انفتاح محتمل على إيران ولأسباب اقتصادية.
وجهة نظر المؤسسة الأردنية اليوم تفيد أن خطوات محسوبة من الانفتاح على الأتراك قد تكون أقل ضررا من تجربة مغامرة الانفتاح بصرف النظر عن حجمه وجرعته مع الإيرانيين.
اكتشفت غرفة القرار الأردنية أن التعاون مع تركيا أردوغان لا يفضله السعودي ولا الإماراتي ولا المصري، لكن يمكن تمريره برغم ذلك من دون إغضابهم خلافا لما يمكن أن يحصل مع أي نسخة إيرانية من الاتصال والتنسيق والتعاون.
تركيا تقدم نمطا من الإغراء الاقتصادي للأردن، وتفعل ذلك في وقت حرج وأزمة اقتصادية طاحنة تواجهها عمان.
الجديد تماما في الموضوع أن عمان ترد بإيجابية اليوم وتقطع خطوات نحو أنقرة تحت باب التنويع في العلاقات الإقليمية والاقتصادية خصوصا وأن تلك التعقيدات التي تواجه الجمود في العلاقة مع السعودية لا تزال قائمة حيث ان مليارات محمد بن سلمان التي وعدت بها عمان للاستثمار في مجال الطاقة البديلة غابت تماما ليس عن الواجهة فقط ولكن عن الحديث أيضا.
منذ ثلاث سنوات يؤكد مصدر أردني مسؤول لـ«القدس العربي» لم تدفع السعودية ولو دولارا واحدا من حصة المساعدات الاقتصادية والمالية المعتادة وبالرغم من إعداد قانون جديد وإنشاء صندوق للاستثمار المشترك لم تتحرك الآليات واقتصرت الوعود السعودية على حصة وظائف محتملة وفرص عمل للأردنيين في مشاريع نيوم على البحر الأحمر بعد إنجازها. مثل هذا النكران الاقتصادي والمالي السعودي الكبير للأردن شجع عمان على البحث عن خيارات تجارية واستثمارية مرة مع روسيا وأخرى مع الهند والصين وثالثة مع تركيا. بمعنى آخر نمو العلاقات مع الأتراك كان البديل الموضوعي المنطقي الوحيد على برودها مع السعودية خصوصا وأن المواقف تتعاكس عندما يتعلق الأمر بمصالح الأردن العميقة في ملف القدس.
الاندفاع في الإقليم قليلا نحو تركيا وقبول بعض مغريات التعامل الاقتصادي منها، كان البديل الموضوعي عن السماح بأي اختراقات لها علاقة بانفتاح على إيران حيث جرى تلامس عن بعد مع الوفد البرلماني الأردني الذي زار طهران للمشاركة وتمثيل الأردن في نسختها من المؤتمر الإسلامي الخاص بالقدس.
في ذلك المؤتمر سمع عضو مجلس الأعيان الأردني صخر دودين من رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري تقويما عن وضع الأردن له علاقة بضرورة عودة المملكة إلى التمركز نحو محور المقاومة والممانعة بدلا من ضياع مصالحها ضمن المحور الحالي.
بوضوح يتقصد الرئيس بري تلمس الحاجات الاقتصادية الملحة للأردنيين ولفت النظر إلى إمكانات في الانفتاح والاستثمار الاقتصادي قد تكون أكبر من المتوقع عندما قال لأعضاء في الوفد الأردني أن مكانهم الطبيعي في معسكر المقاومة وبأنهم أطالوا الغيبة وأن محور المقاومة ينتظرهم.
كانت تلك عمليا رسالة مخيفة تخلط كل الأوراق قرر الأردن تجاهلها لأنها لا تشبهه بأي حال من الأحوال.
لكنه استخدمها في الوقت نفسه في تمرير وتبرير مقايضة لا يمكن إسقاطها من أي حساب ولها علاقة بفتح الباب نصف فتحة مع اللاعب التركي إقليميا واقتصاديا وإغلاقه بالكامل في وجه اللاعب الإيراني على أمل التموقع في نسبة آمنة من التنويع الإقليمي أملا في إعادة صياغة العبء الذي ينتجه الوضع الاقتصادي الحساس للخزينة الأردنية هذه الأيام حيث سباق مع الزمن وصراع مرير مع صندوق النقد الدولي لتقرير ما إذا كان الأردن مؤهل لاقتراض مرة أخرى على الصعيد الدولي أم لا.
الأردن وعندما يتعلق الأمر بحساسية وضعه الاقتصادي قياسا بمقارباته في الاتصالات والعلاقات الإقليمية يدخل في تنميط جديد وغير مسبوق أملته الظروف والاعتبارات وقوامه نصف فتحة لباب مع أردوغان وتركيا وتلامس فقط على شكل تهامس مع إيران ووقف الرهان تماما على أي فوائد ومكاسب اقتصادية يمكن أن تعبر في العهد الجديد مع السعودية والبقاء عن بعد في حالة إيجابية لكن ثبت أنها غير مجدية وغير منتجة مع مصر والإمارات.
هذه هي شكل التوازنات التي يحاول تنميطها اليوم صانع القرار الأردني على المستوى الإقليمي في الوقت الذي تعيش فيه العلاقات مع إسرائيل حالة الفصام المألوفة حيث إيجابية منتجة مع العمق الإسرائيلي يقابلها سلبية محققة مع حكومة بنيامين نتنياهو وحيث لعبة البقاء المشترك الدائمة والأبدية مع محمود عباس وسلطة رام الله.
وفي المقابل حيث لا علاقات من أي نوع مع نظام الرئيس بشار الأسد والاكتفاء عندما يتعلق الأمر بأي تفصيلية لها علاقة بالمشهد السوري بهوامش المناورة والمبادرة مع موسكو قبل أي طرف آخر وتحديدا على أساس ما وصفه الملك عبد الله الثاني علنا وعدة مرات بانه حالة نجاح لسيناريو خفض التوتر جنوب سوريا، والذي ترتب مع موسكو التي يزورها الأردنيون بين الحين والآخر من دون الانتقال فعليا إلى مستوى علاقات استراتيجية معها.
في منطقة أبعد قليلا وعند استعراض العلاقات الأردنية الإقليمية يمكن التحدث عن أزمة مستمرة ومفتوحة مع قطر لكنها أقل صخبا وتفاعلا بإرادة الطرفين.
ويمكن القول أن علاقات الأردن غير محتقنة سلبيا مع بقايا منظومة النادي الخليجي خصوصا في الأطراف غير المؤثرة أصلا مثل الكويت والبحرين مع العلم أن الاتصالات التي تجري مع دول في افريقيا أو في آسيا بهدف التنويع التجاري والاستثمار في الجيوسياسي تحديدا هي عبارة عن رسائل توحي ضمنيا أن الرهان الأردني على زمن المساعدات انتهى تماما وأن المساعدة الوحيدة التي حصل الأردنيون عليها ضمنيا هي تلك الأمريكية بعدما خففوا من لهجتهم في ملف القدس حيث تم توقيع مذكرة لخمس سنوات بقلم ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكي تضمن استمرار المساعدات مع زيادة بنسبه 25 في المئة عليها.القدس العربي