شيوعيون عراقيون يتَّحدون مع “تيار الصدر” الشيعي.. توافق حقيقي أم مجرد زينة في الانتخابات؟

ربما يكون هذا أكثر التحالفات غرابةً، حتى بالنسبة لبلدٍ تُشجع قوانينه الانتخابية على التحالفات الغريبة. ألقى الشيوعيون بثقلهم خلف المحافظين الشيعة من أتباع مقتدى الصدر، في أول انتخاباتٍ بعد القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). ويتعهد الشيوعيون بأنَّ النتيجة لن تكون غريبةً كما تبدو للوهلة الأولى.

ورغم أنَّ هذا التزاوج بين المحافظين الدينيين في حزب الصدر والماركسيين اللينينيين شديدي العلمانية في الحزب الشيوعي العراقي قد أثار استغراب الكثيرين، وخاصةً في العراق حسب لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، فإنَّ كلا الحزبين يقول إنَّه يحصل على دعمه من القاعدة الاجتماعية ذاتها: ألا وهي الفقراء، والطبقة العاملة، والغاضبون من المحسوبية وسوء الإدارة المتفشيَين في البلاد، واللذين جعلا العراق يشغل المركز الـ11 في قائمة أكثر الدول فساداً بقائمة منظمة الشفافية الدولية.

مقر كلا الحزبين موجود بمدينة الصدر، وهي ضاحية فقيرة للغاية في بغداد وعادةً ما تتعرض للهجوم. وكلاهما يقول إنَّه يقاتل -سياسياً- من أجل المستقبل ذاته لسكان الحي ذي الملايين الثلاثة، وملايين السكان العراقيين الآخرين.

نشأ هذا التحالف من رحم التظاهرات

وقال سلام علي، العضو باللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، إنَّ هذا التحالف المُسمى “تحالف سائرون” قد يكون له تأثيرٌ ضخم على طبيعة السياسة العراقية.

وشرح سلام للموقع في لندن، قائلاً: “هذا تطور سياسي مهم للغاية في العراق، ولو كُتِبَ له النجاح -وهذا سيكون صعباً؛ بسبب ضخامة التحديات- فسوف يؤثر على السياسة في المنطقة أيضاً”.

نشأ هذا التحالف من رحم التظاهرات المستمرة، التي بدأ أغلبها في شهر أغسطس/آب 2015، ضد الفساد الممنهج، وطالبت بالإصلاح السياسي. شارك في هذه المظاهرات نشطاء علمانيون تحت لواء الحركة المدنية مع الإسلامويين الشيعة.

ورغم الدهشة التي أثارها الائتلاف بعد انفصال الشيوعيين عن ائتلاف التحالف المدني الديمقراطي، فإنَّ العلاقات بين الطرفين بدأت في التطور منذ 2015، بحسب علي.

وقال علي: “هذا التغيُّر ليس مفاجئاً، فهو مبنيٌّ على التعاون والتنسيق بين هذه الحركة الديمقراطية المدنية الواسعة وحركة المظاهرات والحركة الصدرية”.

وأضاف علي أنَّ هذا التحالف قد خلق “مناخاً أفضل لإقامة الحملات والقدرة على الوصول إلى مناطق ببغداد، وفي المحافظات أيضاً، لم يكن باستطاعة حزبنا والقوى الديمقراطية المدنية الأخرى القيام فيها بحملاتٍ انتخابية بفاعلية كما هو ممكن الآن”.

وتابع: “الآن، صارت هناك أمثلة على التنسيق مع الصدريين في هذه المناطق، وصار بإمكان الشباب الآن التنسيق في مواضيع… مواضيع اجتماعية مثل الخدمات، والمجلس المحلي، وعوامل الفساد هنا وهناك”.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الحزب الشيوعي لطالما تفاخر بكونه الحزب الوحيد غير الطائفي حقاً في العراق. وهذا جعل المحاولات العلنية الأخيرة للصدر لتجاوز الانقسام الطائفي ودعم وجود هوية عراقية موحدة، نقطة أخرى من نقاط الاهتمام المشترك.

وأضاف سلام: “هذا أمرٌ محوري. فقد نأى بنفسه عن السياسات الطائفية، وهذا هو جوهر سياستنا في حركة التظاهر، ومطالبها، واستراتيجيتها الانتخابية أيضاً”.

وقال إنَّه من الممكن -لو نجحوا في الانتخابات- تكوين “خريطة سياسية جديدة من التحالفات” بالعراق، يزيد فيها التحالف بين قوى اليسار وما وصفه بـ”الإسلامويين المستنيرين المعتدلين”.

كان الصدر نفسه قد ردَّ على انتقاداتٍ وُجِّهَت لهذا التحالف في شهر يناير/كانون الثاني 2017، مؤكداً التزامه بالإصلاح، وداعياً لاستبدال التكنوقراطيين بالمسؤولين الوزاريين الفاسدين.

وقال الصدر: “لو تحالفنا مع الشيعة، يقول الناس هذا تحالفٌ طائفي. ولو تحالفنا مع السنّة، يتهمنا الناس بالوهابية والبعثية أو الولاء للسعودية. ولو دخلنا في تحالف مع تيار المجتمع المدني، يقولون إنَّنا شيوعيون. وعندما نتحالف مع أحزاب قريبة من إيران، يتهموننا بأنَّنا موالون لها. وعندما نقترب من الأحزاب العربية، يقولون إنَّنا عملاء سريون لهم. سأشارك في الانتخابات من أجل العراق؛ لدعم المعتدلين ولطرد المتطرفين، ولتحقيق الإصلاح وإنهاء الفساد والمحسوبية”.

حليف الشيطان

في وقتٍ ما، كان الحزب الشيوعي العراقي أكبر حزب من نوعه بالشرق الأوسط، وفي الخمسينيات والستينيات مارس الحزب نفوذاً كبيراً على السياسة العراقية.

ومع ذلك، أدى وصول حزب البعث للسلطة، وبعدها وصول صدام حسين للرئاسة عام 1979، إلى قمع الحزب الشيوعي، وعادةً ما كان ذلك يتم بدعمٍ من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

بل إنَّ سلام نفسه قضى السنوات بين عامي 1967 و2003 منفيّاً بالمملكة المتحدة، بعد أن وصل للبلاد في منحةٍ دراسية.

وعقب الإطاحة بصدام حسين بعد غزو 2003 (الذي عارضه الحزب الشيوعي)، بُعِث الحزب من جديد، ومع أنَّه لم يستعِد قط النفوذ الذي كان يملكه سابقاً، ما يزال للحزب حضور في السياسة العراقية، بطريقة لا تملك الأحزاب الشيوعية الأخرى في الشرق الأوسط إلا أن تحسده عليها.

ورغم ذلك، ما يزال الحزب يحافظ على مستوى من الحذر؛ فالهيكل الداخلي للحزب وعضويته سريّان؛ ذلك أنَّ التصور الراسخ بأنَّ الشيوعيين ملحدون وانتقادهم العلني للمصالح التجارية المترابطة جعل حياتهم صعبةً بمجتمعٍ شديد التدين غارق في الفساد، وتعرَّض الحزب لهجماتٍ متكررة على مكاتبه وقُتِلَ عددٌ من قادته.

وفي العام الماضي (2017)، اختُطِفَ 7 من النشطاء المعارضين للفساد من الحركة المدنية (عددٌ منهم أعضاء في الحزب الشيوعي)، على يد عدد من المسلحين المجهولين. ورغم أنَّ المجموعة قد أُفرِجَ عنها لاحقاً، لم تُكشَف هوية المذنبين قط، مع أنَّ أحد النشطاء صرَّح لموقع “ميدل إيست آي” بأنَّ ثمة “الكثير من الفاسدين أصحاب النفوذ سوف يسعدهم أن يروهم خارج المشهد السياسي”.

وواجه أعضاءٌ من “تحالف سائرون” أيضاً، التخويف والتهديدات؛ إذ قالت وسائل إعلام عراقية، يوم الأحد 25 فبراير/شباط 2018، إنَّ عباس عادل خضر، المُحاضر بكلية الإدارة والاقتصاد بجامعة المثنى والمرشح البرلماني عن التحالف، أُطلِقَ عليه الرصاص من قِبل مسلحين يطالبونه بالتراجع عن ترشحه.

ورغم أنَّ عدداً قليلاً من الصدريين الحاليين قد يختلف علناً مع الصدر نفسه، فإنَّ المؤيدين السابقين للحركة الصدرية وجَّهوا انتقاداتٍ للتحالف.

إذ هاجم بهاء الأعرجي، وزير الطاقة السابق الذي أجبره الصدر على الاستقالة بعد مزاعم بالفساد، هذا التحالف، وسأل على التلفاز العراقي، في شهر يناير/كانون الثاني 2017: كيف يُمكن لحزب شعاره (يا عمال العالم اتحدوا) أن يرتبط بحزب رسالته (صلِّ على النبي)؟!

وقال الأعرجي: “اليوم، كل من لديه الرغبة والوسائل ليصبح رئيس وزراء، مستعد للتحالف حتى مع الشيطان من أجل الحصول على أصوات الشعب العراقي”.

معارضة إيران

يبدو أنَّ هذا التحالف قد أزعج أيضاً مسؤولين بارزين خارج العراق، وضمن ذلك إيران، التي كانت علاقاتها دائماً متوترة مع الصدر، المُستاء من النفوذ الإيراني الشديد المتغطرس في العراق.

إذ حذر علي ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى علي خامنئي، في فعاليةٍ ظهر فيها برفقة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي -أشرس معارضي الصدر- من أنَّ “الصحوة الإسلامية لن تسمح بعودة الشيوعيين والليبراليين إلى السلطة”.

وأُدِينَ هذا التصريح بصفته تدخُّلاً في السياسة الداخلية العراقية.

وكتب جاسم الحلفي، أحد الأعضاء الآخرين في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي: “العراق أكبر منكم! العراق ليس دولتكم!”.

وانتقد الحلفي أيضاً المالكي، الذي لطالما اعتُبر مقرباً من إيران؛ لعدم رده على تعليقات ولايتي.

وقال الحلفي: “هذا إرث المسؤولين العراقيين الذين جلسوا بتواضع، وقت خطاب ولايتي، الذي انتهك فيه الدستور، وهاجم التعددية السياسية والفكرية من خلال التدخل في الشؤون الداخلية العراقية، دون أن يتفوه واحدٌ منهم بكلمة اعتراض واحدة!”.

أثارت الاستعدادات للانتخابات الجدل بالفعل. فرئيس الوزراء حيدر العبادي، الذي حاز شعبيةً كبيرة بعد هزيمة داعش في الموصل، صار يُنظَر إليه من قِبل الكثيرين باعتباره أفضل أمل لاجتثاث الفساد وتحرير السياسة العراقية من الطائفية.

ولهذا صُدِم الكثيرون بعد إعلانه، في 14 يناير/كانون الثاني 2017، بأنَّه سيشارك في تحالفٍ انتخابي مع “تحالف النصر”، الذي يتكون من أحزاب وسياسيين مرتبطين بقوات “الحشد الشعبي” التي تدعمها إيران بشكلٍ كبير، واتُهِمَت بشن هجماتٍ طائفية ضد السنّة.

وأدان الصدر، الذي لطالما دعا إلى حل “الحشد الشعبي”، هذه الخطوة، باعتبارها “بغيضة وطائفية”، ثم انهار التحالف خلال 24 ساعة.

لكنَّ هذا الجدل قلَّل من اعتقاد أنَّ العبادي قد يتحرك لتحدي نظام “المحاصصة الطائفية” المثير للجدل، والذي كان أحد المطالب الأساسية للإصلاحيين في العراق.

بموجب هذا النظام الحالي الذي طبقته الولايات المتحدة عقب غزو عام 2003، يُعيَّن الوزراء في الوزارات المختلفة اعتماداً على عرقهم وطائفتهم، بطريقةٍ مشابهة لما يحدث بلبنان.

وعلى الرغم من أنَّه لم يُكتب قط في الدستور العراقي، ظلَّ هذا النظام قيد التطبيق، وأغضب أولئك الذين يزعمون أنَّ التعيين في المناصب ينبغي أن يشرف عليه رئيس الوزراء. لكنَّ إلغاء هذا النظام سوف يكون أمراً صعباً دون إغضاب الفاعلين السياسيين المؤثرين للغاية الذين يستفيدون منه.

وقال علي: “كانت هناك آمال بأنَّه ربما يكون قادراً على فعل شيءٍ ما، لا سيما عندما أعلن العبادي قائمة إصلاحاته السياسية في شهر سبتمبر/أيلول 2016. لكنَّ مشكلة العبادي هي تقلُّبه وسهولته وتردُّده من ناحية، وحقيقة افتقاره إلى قاعدة سلطة من ناحية أخرى. وذلك بخلاف المالكي، الذي استطاع بعد 8 سنوات في السلطة بناء قاعدة سلطته بالدولة والقوى الأمنية والوزارات”.

“معركة سياسية كبيرة”

مهما يكن حزم الشيوعيين وحلفائهم، فلا يشك أكثر الناس في أنَّ الصدر سوف يستمر في الهيمنة على هذا التحالف الانتخابي.

وقال كيرك سويل، الناشر لمجلة نصف شهرية عن السياسة العراقية: “ثمة أسباب للشك في نجاح هذا الأمر. فالعلمانيون لم يكونوا قط قادرين على جذب حشودٍ كبيرة دون الصدريين؛ ومن ثم فربما يُنظر إليهم بصفتهم مجرد زينة”.

وأشار سويل أيضاً إلى أنَّ التيار الصدري، حتى في أوج قوته، ما يزال أمامه معركة صعبة فيما يتعلق بالنجاح الانتخابي.

وشرح سويل لموقع “ميدل إيست آي”: “سوف نرى، لكن تذكر أنَّ القائمة الصدرية حصلت على 34 مقعداً عام 2014. لذا، فما لم يمكّنهم هذا التحالف مع العلمانيين من الحصول على 40ـ50 مقعداً، فلا ينبغي اعتبار هذا الأمر حدثاً كبيراً”.

ما يزال العراق يعيش تبعات هزيمة داعش، ونزوح نحو مليوني إنسان لم يرجعوا لبيوتهم حتى الآن، وثمة مخاوف من تأخير الانتخابات أو إجرائها بطريقةٍ أقل تمثيلاً للعراقيين. وهناك تقارير تفيد بإجبار لاجئين على العودة من أجل ضمان إجراء الانتخابات في وقتها.

وقال سلام علي إنَّ الشهور القادمة سوف تكون “معركة سياسية كبيرة”، لكنَّه عبَّر عن تفاؤله.

وقال علي: “شخصية التحالف قومية مدنية، وتفتح احتمالات التغيير في المشهد السياسي لصالح إصلاح النظام، وتحمل دينامية جديدة بالعملية السياسية، ونأمل أن يعزز ذلك من حركة التظاهر أيضاً”.

وأضاف: “وبهذا التغيير يميناً ويساراً، كما يقولون، ربما يفتح هذا مساحةً للتغيير كما نأمل”.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

«بزشكيان» إشارة مهمة من إيران

بقلم : أسامة سرايا : بوابة الأهرام : 12-7-2024  نحن من المقتنعين بأنه يجب أن …

اترك تعليقاً