تعرف شبكات التواصل الاجتماعي بأنها «شبكات تفاعلية تتيح لمستخدميها التواصل في أي وقت وفي أي مكان في العالم». ولعلنا لا نبتعد عن الواقع إذا وسمنا عصرنا الحالي بعصر ثورة وسائل الاتصال الحديثة التي تستخدمها المنظمات الارهابية خاصة، والتي انتشرت على الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت)
وتتسم شبكات التواصل الاجتماعي بأنها شبكات عالمية فرضت نفسها – وبقوة – داخل المجتمعات العربية خاصة في السنوات العشر الأخيرة، وذلك لأن أغلب تلك الشبكات متاحة للجميع وبالمجان ولأنها صممت أساسًا لتكون سهلة الاستخدام وبدون تعقيدات، ولأنها عملت على تكوين مجتمعات افتراضية جديدة جمعت لأول مرة بين النص المكتوب والمقطع المرئي وهذا ساعد في تحويل المستخدِم لها من متلقٍّ للمعلومات كما في وسائل الإعلام التقليدية، إلى منتِج للمعلومات ومشارك فيها. ونجد أن الكثير من الشباب يستخدم شبكات التواصل الاجتماعي للدردشة، ولتفريغ الشحنات العاطفية، ومن ثَم أصبح الشباب يتبادلون وجهات النظر الثقافية والفكرية عبر تلك الشبكات حيث إنها مصدر جديد للحصول على المعلومات فمواقع التواصل الاجتماعي وسائل يستخدمها مَن يشاء وقت ما يشاء وأين ما يشاء، لنشر الأخبار والآراء بشكل حر للتعبير عن وجهات نظره لأنها وفَّرت مساحات كبيرة للشباب للتعبير عن وجهات نظرهم؛ بعيدًا عن مقص الرقيب، وهذا لم يكن متاحًا من قبلُ للشباب.
ذلك خلق فضاءات مفتوحة للشباب، بداية من التمرُّد على الخجل والانطواء، وانتهاء بالدخول والتجنيد لمنظمات ارهابية.
وينظر بعضهم إلى موقع اليوتيوب على أنه بمثابة سجل أرشيفي موثَّق عبر شبكة الإنترنت، يمكن الاستفادة منه في توثيق المعلومات بالصوت والصورة.
وتذكر التقارير بأن 80 % من الذين انتسبوا الى تنظيم داعش تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويذكر كذلك أن السعودية جاءت في المركز الأول في الشرق الأوسط في انتشار واستخدام شبكات التواصل.
ومما لا شك فيه انه ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي فقد بات من السهل أن يتطرف الشاب وهو في غرفة نومه، ومن خلال هاتفه الجوال، وليس من منزله فحسب.
فانتشار الفكر المنحرف المتشدد والفتاوى الضالة، بفعل الانفلات الإعلامي بسبب ازدهار وسائل الاتصال الجماهيري، والذي له بلا شك انعكاسات كبيرة وخطيرة على ظاهرة الإرهاب والتكفير والغلو. فعلى سبيل المثال على خطره ما تذكره بعض التقارير أن المملكة تواجه 90 تغريدة مسيئة في الدقيقة الواحدة تستهدف المملكة في محاولة لزرع الفتن بين السعوديين، حيث يرصد في اليوم أكثر من 129 الفاً و600 تغريدة مسيئة.
وأهم ما يميز شبكات التواصل الاجتماعي:
- 1* تقليل العبء المادي، حيث إن الاعتماد على آلية منخفضة التكلفة يتيح نشر المعلومات عن التنظيمات وكيفية التواصل مع أعضائها، بالإضافة إلى إتاحة تدفق المعلومات وتسهيل تشكيل المجموعات وتقليل تكلفة تجنيد الأعضاء وإيجاد حوافز حماسية للمشاركة.
- 2* تدعم وتعزز وجود هوية جماعية ووجود إحساس وانتماء بين أفراد المجموعة الواحدة، حيث تربطهم قضية واحدة، وهدف مشترك، وقيم متماثلة.
- 3* إيجاد مجتمعات للتواصل الإلكتروني يتشارك أعضاؤها بالأفكار والنقاشات، وتتيح تأسيس علاقات واسعة، وتُمكن من قيام علاقات وجهاً لوجه، على الرغم من بعد المسافات الجغرافية.
وهناك أربعة أهداف رئيسة للجماعات الإرهابية من وسائل التواصل:
أولاً: التنسيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي
حيث يعتبر «تويتر» أحد أهم وسائل التواصل الاجتماعي التي تستخدم للتفاعل والتنسيق أثناء العمليات الإرهابية، وتكمن الميزة الأساسية في «تويتر» في أنه يوفر مجتمعات افتراضية متغيرة، تتكون بصورة تلقائية خلال الأحداث الكبرى، وهو ما تستفيد منه تلك الجماعات من خلال متابعة أحدث المعلومات عن أي قضية تظهر في المجال العام. ولعل المثل البارز على ذلك هو الهجوم الإرهابي في مومباي في 26 نوفمبر 2008، والذي راح ضحيته نحو 164 شخصاً، وجرح أكثر من 300 شخص. وقد كشفت التحقيقات أن جماعة «عسكر طيبة» الباكستانية كانت تقوم بالتنسيق مع منفذي الهجوم من باكستان، وإبلاغهم بالتطورات التي تحدث كافة من خلال الاعتماد على أحدث الأخبار المنشورة على تويتر، مثل تحركات وتمركز وحدات مكافحة الإرهاب الهندية.
المنظمات الإرهابية تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كأداة لتحديد أهدافها والتعرف عليها ومراقبة تحركاتها، خاصة في إطار عمليات الاغتيالات في الدول المستهدفة، وذلك إما بمراقبة من يمتلك حسابات على تلك المواقع، أو مراقبة دائرة أصدقائهم ومعارفهم للوصول إليهم، وجمع البيانات اللازمة عن تحركاتهم، وتوفير الوقت والجهد اللازمين للقيام بذلك على أرض الواقع، وأيضاً لضمان سرية المراقبة.
ومن ثمَّ، تعد وسائل التواصل الاجتماعي مهمة لتلك الجماعات في إطار ما أسماه البعض «شبكات الكوادر» والتي تعمل على التواصل بين كوادر التنظيم المسلح كأداة عابرة لقيود المكان، وذلك من أجل مهام منها التدريب على تكوين خلايا تنظيمية، واستقطاب مزيد من الكوادر وتدريبهم على استخدام الأسلحة، والتنسيق للعمليات المسلحة وتوقيتها، والتدريب على صنع القنابل البدائية وغيرها.
ثانياً: تجنيد أتباع جدد ونشر الأفكار والمعتقدات
ويعتبر «فيسبوك» من أكثر وسائل التواصل الاجتماعي استخداماً في تجنيد المتطرفين، وغالباً ما تقوم المنظمات الإرهابية بإنشاء «مجموعة (Group) على «فيسبوك» لاجتذاب المتوافقين فكرياً معها، حيث تركز المجموعة في أطروحاتها على فكرة إنسانية بالأساس ، ومع زيادة عدد الأعضاء المنتمين لهذه المجموعة، فإن المواد الإرهابية يتم وضعها تدريجياً عليها بطريقة لا تستهجن تلك الأفعال أو تدينها وفي الوقت نفسه لا تنتهك سياسة «فيسبوك»، ثم يتم بعد ذلك توجيه أعضاء المنظمة مباشرة إلى المواقع أو المنتديات المرتبطة بالجماعة الإرهابية. ويُمكِّن «فيسبوك» بهذه الطريقة من تجنيد الأعضاء من أنحاء العالم كافة من دون أن يمثل ذلك تهديداً لأمن المنظمة.
وكذلك نجحت المنظمات الارهابية في استغلال اليوتيوب ومن بين أنشط الجماعات في هذا الصدد تنظيم داعش، من خلال قيامه بنشر الصور والفيديوهات كإحراق الطيار الاردني معاذ الكساسبة- رحمه الله- ونحر الرهينتين اليابانيتين والمراسلين الغربيين وموظفي الاغاثة ونحر المصريين الاقباط وغيرها من الاعمال الوحشية، عبر «تويتر» بصورة خاصة لسهولة استخدامه عبر الهواتف.
وقد ذكرت بعض المصادر أن التنظيم يمتلك ما يقارب 20 حساباً على «تويتر»، بجانب حسابات غير رسمية تابعه لأنصاره، ويعمل مبرمجو «داعش» على ابتكار تطبيقات مثل التطبيق الذي يتيح إرسال منشورات «داعش» للمشترك مباشرة لدى نشرها وإعادة النشر التلقائي لمتابعي المشترك. وقد ذكر تقرير حديث لقناة السي إن إن الاخبارية ان داعش تنشر أو تعيد نشر ما يزيد على 90 ألف مادة إعلامية ودعائية يوميا في وسائل التواصل بغرض التواصل والتجنيد والدعاية والحشد.
ويرجع اهتمام تلك التنظيمات بها لعدة أسباب:
- 1* البعد عن سيادة الدول، كما هي الحال في وسائل الإعلام التقليدي.
- 2* إتاحتها للجميع وصعوبة السيطرة عليها عبر الأجهزة الأمنية، إضافة إلى قدرة تلك الجماعات على التحايل على المراقبة الأمنية وفتح مواقع وحسابات أخرى بسهولة.
- 3* تقدم هذه الشبكات خدمة الاتصال والتواصل السريع بين الأعضاء والمؤيدين بطرق شتى.
- 4* توفر مواقع التواصل لهذه التنظيمات منصات إعلامية للدعاية لأنشطتها وأفكارها، وتساعدها في حربها النفسية ضد خصومها من المنظمات المسلحة الأخرى والحكومات وأجهزتها الأمنية.
- 5* إمكانية النشر المكثف للصور والأفلام والوثائق التي تدعم الأفكار التي تروج لها.
وبجانب نشر الأفكار والدعاية للتنظيمات، تستهدف التنظيمات الإرهابية لتجنيد أعضاء جدد للقتال في صفوفها، وتستهدف هذه الجماعات ثلاث فئات هي:
- 1* الفئة الأولى: المتعاطفون مع فكرها وغالبيتهم من الشباب لاستمرار الحصول على دعمهم.
- 2* الفئة الثانية: الرأي العام من أجل تأكيد نفوذها في المجتمع، إما بغرض الحشد والتأييد أو التخويف من مواجهتهـا.
- 3* الفئة الثالثة: الخصوم من أجهزة الدول ومؤسساتهـا الأمنية، وذلك بهـدف إضعاف مواقفهم، والتأثير على هيبتهم، وإظهارهم بمظهـر العاجز في مقابل قوتها.
وفي العراق وسوريا وليبيا يعتمد داعش على تلك الوسائل الاتصالية لدعم أهداف التنظيم، والتي يتم الترويج لها من خلال الإعلام المركزي للتنظيم، ومنها «مركز الفجر للإعلام»، ومؤسسة «الفرقان الإعلامية»، والتي تعد وسيلة أساسية وشبه وحيدة في الترويج والنشر لأفكارهم ومنهجهم.
وفي سوريا وجد نحو 40 حساباً معظمها يرتبط بالتوجهات الإرهابية ومؤيدي «تنظيم القاعدة»، و»جبهة النصرة»، و»تنظيم داعش»، وتهدف إلى الدعاية والترويج لأفكارها. ويتمتع «داعش» بوجود 87 ألف متابع، وقد حصلت فيديوهاته على مشاهدة ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص حول العالم لما يزيد على ألف شريط فيديو والرقم يزيد بشكل مخيف.
ثالثاً: ساحة افتراضية للتدريب
يستخدم «يوتيوب» بصورة أساسية من جانب الجماعات الإرهابية بهدف التدريب، فالوظيفة الأساسية للموقع هي استضافة الفيديوهات التي يقوم المشتركون بتحميلها على الموقع (Upload) وبعد ذلك تصبح متاحة للرؤية من قبل الجميع. وعلى الرغم من وجود عدد من القيود على الفيديوهات التي يمكن وضعها على الموقع، فإن نظام المراقبة في الموقع يتم بعد وضع الفيديو على الموقع، وهو ما يعني أنه لن يتم حذف الفيديو، إلا إذا قام المشاهدون على الموقع بالإبلاغ عنه، ثم تتم بعد ذلك مراجعته وإزالته من قبل القائمين على الموقع، مما يجعل هناك إمكانية لتوظيفه من قبل الجماعات الإرهابية، إذ يمكن تحميل فيديو لكيفية تصنيع قنبلة، وتتم مشاهدته مئات المرات ونسخه قبل أن يتم حذفه من قبل إدارة الموقع.
وعلى سبيل المثال تستخدم الجماعات المسلحة «فيسبوك» لنشر رسائلها، كما تستخدم الجماعات المسلحة «يوتيوب» من أجل شرح كيفية القيام بهجمات أو استخدام الأسلحة مثل الكلاشينكوف.
رابعاً: الحصول على الدعم المادي والمعنوي
استخدمت الجماعات الإرهابية مواقع التواصل لتسهيل التحويلات الماليّة، بجانب الحصول على التبرعات المالية، في ظل سهولة استخدام تلك المواقع لتحويل التبرعات والدعم المالي، مع عدم إمكانية التحقق من هوية متلقي تلك التبرعات في بعض الأحيان.
وقد اعتمد التنظيم على بعض الفتاوى التي يتم بثها من بعض الدعاة المغرر بهم على «تويتر» للتضحية بالأموال والأنفس، خاصة منذ أن انتقلت القاعدة إلى سوريا، فكانت هناك بعض التبرعات لحسابات مجهولة تصل للتنظيم، الأمر الذي حدا بعدة دول إلى التحذير من التبرع للجهات غير المصرح بها رسمياً.
وبجانب الدعم المادي، تحصل تلك الجماعات على الدعم المعنوي أيضاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، فقد شهدت بعض الصفحات الإلكترونية ما أسماه البعض «البيعة الافتراضية» لزعيم تنظيم داعش من جانب آلاف التكفيريين، وجاء ذلك على أثر إعلان الناطق باسم التنظيم عن تأسيس «دولة الخلافة»، في المناطق التي يوجد فيها التنظيم في العراق وسوريا، وظهرت صفحات على شبكات التواصل الاجتماعي من بينها «بيعة أمير المؤمنين أبوبكر البغدادي»، و»إعلان الولاء الشرعي لأمير المؤمنين أبوبكر البغدادي» وغيرها مما ساهم في انتشار التنظيم وتوسيع مؤيديه عبر العالم الافتراضي، وبذلك أصبحت وسائل التواصل كأكسجين الحياة للدعاية بالنسبة لـ»داعش»، إذ إنها تخدم جدول الأعمال الخاص به بشكل جيد، خاصة فيما يتعلق بتجنيد الأفراد وتلقين الشباب دروسه بشكل سريع. وقد أصبح واضحاً مؤخرا أن تنظيم داعش نجح في نشر جيش من المتطرفين التكفيريين الراديكاليين، فالتنظيم ماهر بشكل متميز في استخدام وسائل التواصل الاجتماعية كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب وتخويف القوى المنافسة. ولقد أصبح تأثير داعش بعيد المدى، كما لم يعد جمهوره يقتصر على المسلمين وحدهم، فأشرطة الفيديو الخاصة بها يتم بثها على شاشات التلفزيون الغربي، بالإضافة إلى حساباته على إنستاجرام، وفيسبوك وتويتر.
ولم يعد بالإمكان تجاهل فكر وسلوك داعش نتيجة للبيئة المترابطة عالميا، حيث إن استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لنشر الرسائل الراديكالية والهجمات العنيفة ليس شيئا جديدا في حد ذاته، لكن الطريقة التي تبناها ‹›داعش›› في استعمالها كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب والتسبب في خوف وهلع عالمي هو الجديد الذي أتقنه هذا التنظيم.
والذي أسس جيشا من الكتاب والمدوّنين والتقنيين وغيرهم تركيزهم على رصد وسائل التواصل ليس فقط بسبب إسهامها في نشر أشرطة الفيديو المنتجة مهنيا باحترافية أقرب للخيال، والتي تصوّر عمليات قطع الرؤوس، بل من أجل استخدام هذه المحتويات بطريقة جذابة من أجل التواصل مع المؤيدين والمريدين. ويبرز تويتر من بين بقية المنابر الاجتماعية لأنه استُخدم كثيرا من قبل داعش، حتى قبل أن يبرز التنظيم على الساحة.
فقد كان تويتر يُستخدم أساسا كمصدر ثانوي للاتصال، لكن داعش في الوقت الحاضر، يحاول استخدامه كأداة للتجنيد، خاصة أن ثمار العولمة يجب أن تكون موضع تقديركبير من قبل هؤلاء الإرهابيين، خصة طريقتهم في التواصل، إذ لم تعد تقتصر على منطقة جغرافية محددة، إذ لا يمكن للمرء أن يجادل بأن وسائل التواصل تصب الزيت على نار الإرهاب والمشجعين له.
لقد اعتمدت التنظيمات الارهابية على الخطاب الإعلامي منذ نشأتها، فاتجهت مؤخرا الى اعتلاء المنابر الاعلامية الجهادية على الانترنت، فالإرهابيون الجدد الذين ظهروا أكثر في خلافة ابو بكر البغدادي التي تصدرت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر في أعقاب السجال الحاد ما بين القاعدة و»داعش»، يتصدرون اليوم تويتر والفيس بوك واستخدام تطبيقات «الهاشتاكك» وغوغل.
ولقد كان الظهور الأول للجهاز الإعلامي لهذا التنظيم عام 2012م بصورة واضحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يشار إلى أن «داعش» قام على أنقاض تنظيم التوحيد والجهاد بعد مقتل أبي مصعب الزرقاوي عام 2006م، وصعود عواد البدري المكنّى بالبغدادي عام 2010م. ويعتمد تنظيم «داعش» كثيرا على وسائل التواصل الاجتماعي ويسميها «بالجهاد الاعلامي» في معركته مثل بقية انواع «الجهاد» المتعددة، ويكثّف حملاته الإعلامية التي فاقت تنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات بكفاءة الاعلام الإلكتروني وسرعة ايصال الرسائل ونوعية خطابه الإعلامي باستخدام التقنية الحديثة.
إن امتلاك «داعش» للإمكانات المالية باعتباره واحداً من أغنى التنظيمات الارهابية إذ يمتلك بالإضافة الى خبرات فنية عملت على توسعته أفقيا وعموديا وانضمام اعداد من المقاتلين الاجانب له وارتباطاته المشبوهة مع مصادر التمويل والدعم والذي مكنه من الاستفادة واستقطاب مقاتلين جدد وتضليل الرأي العام، حتى تحول ذلك الى «سياحة قتالية» تشمل الزواج وسفرات سياحية وغيرها من النشاطات.
وعلى الرغم من وحشية وشراسة التنظيم وصرامته، فهو يلبّي حاجات مقاتليه بشرط الولاء والطاعة العمياء للتنظيم وقياداته. ولقد كان التنظيم يستخدم موقع الفرقان إضافة الى شبكة التواصل الاجتماعي، لكن اهتمام الإعلام بنشاطات وتفاصيل هذا التنظيم وسع كثيرا من انتشاره. وخلال السنتين الاخيرتين حقق التنظيم قفزات اعلامية بوسائل التواصل الاجتماعي فاقت التوقعات وأذهلت المحللين من خلال سجاله مع تنظيم القاعدة بسبب خروج جبهة النصرة من تنظيم البغدادي ومبايعة الظواهري في فبراير 2014م.
ويمتلك التنظيم حسابات تويتر مركزية لنشر الرسائل إضافة إلى حسابات محلية في كل منطقة يوجد فيها عناصر التنظيم وتقوم كل منطقة من خلالها بنشر أخباره المحلية.
وهذا مكن التنظيم من تنفيذ عولمة فكره عن بعد وإيصال خطابه الى أوروبا والغرب عموما، الذي اصبح شبابه يحتلون نسبة لا بأس بها داخل التنظيم. هذا النوع من الخطاب مكّن داعش من رفع راياته السوداء ومنشوراته في شوارع أوروبا وغيرها علناً كما حصل في باريس وسدني وغيرهما.
من المهم معرفة أن عمل «داعش» لا يقتصر على نشرالصور في اتجاه واحد بل يعمل على فهم حاجات جمهوره ومعرفة ردود أفعالهم على شكل استبيانات علمية، أي ان خطابه الاعلامي يعتمد على التفاعل مع الجمهور المتلقي فالتنظيم يتمتع بسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، وذلك باستغلال المقاتلين الاجانب الموجودين داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين.
وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن التنظيم لا يدخل الأجانب في القتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي وبخاصة في الاعلام والدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتي عرف كيف يستغلها لأقصى حد لمصلحته. ولقد كشفت استخبارات دول الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة أو موجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوفه.
ويهدف اعلام «داعش» لاستقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم او ان يكونوا من انصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وغالبيتهم من الشباب ما بين 18 و26 سنة، وذلك لإدارة نشاطاته الإعلامية الالكترونية لتظهر للمتابع بإنتاج ذات مواصفات وتقنية مذهلة وروح شبابية.
وكذلك يركز التنظيم على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة والتي تعتبر في بعض الأحيان حاجات عند بعض الشباب خاصة الذين يعانون الاحباط والعزلة والتهميش سواء كان حقيقيا او وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر، وهذه الوحشية هي أبرز سمات هذه المنظمة التي فاقت القاعدة بوحشيتها.
ويستهدف «داعش» في إعلامه فئة الشباب في أعمار مبكرة، وهذا يعني انه يستخدم التقنية الحديثة مثل التويتر والفيس بوك بعد ان كان تنظيم القاعدة يعتمد على وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والأقراص المدمجة فالعبارات التي يستخدمها داعش في تويتر بشكل مختصر كانت تثير اعجاب المشتركين وتحصل على جمهور أوسع وكثيرا ما تناقلتها وسائل الإعلام العالمية.
ومن المفارقات أن يظهر التنظيم الرومانسية على شبكته، برغم وحشيته وذلك من خلال التحاق بعض الفتيات ومنهن القاصرات للقتال مع داعش بعد أن تورطن في علاقات عاطفية على الشبكة، البعض منهن ذكرن قصة التحاقهن بالتنظيم وكيف عاشت قصة رومانسية مع مقاتلي داعش، مما استقطب اعدادا جديدة منهن على شبكة التواصل الاجتماعي.
ومن المهم معرفة أن «داعش» يختلف عن تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى بأنه لا ينتظر أن يأتيه المقاتلون بقدر ما يتحرك التنظيم باتجاه الحصول على مقاتلين ذوي خبرات معيّنة وخاصة منهم مهندسو المتفجرات والإعلام وخبراء التقنية خاصة بمجالات استخدام وسائل التواصل مثلما يستعين بخبراء في عملياته العسكرية الميدانية.
ومن الواضح أن هذا التنظيم ذكي جداً، وهو يحاول الاستفادة واستثمار كل ما هو متاح لترويج صورته التي بدأت تلبّي حاجات الكثير من الشباب الحيارى والمهمشين والمحبطين الذين يرفضون العيش بشكل طبيعي في مجتمعاتهم، وهي سياسة إعلامية ذكية قائمة على الاستقطاب، لكن رغم ذلك يتوقع أن يشهد التنظيم انشقاقات وتراجعاً تنظيمياً وتكتيكيا واستراتيجيا في القريب العاجل إن شاء الله وقد بدأت بوادر ذلك فعليا.