أنماط الإرهاب الاقتصادي

تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطا وثيقا بين الإرهاب الاقتصادي والإرهاب بشكل عام. وبالطبع تلعب العولمة بشتى اشكالها دوراً واضحاً وملحوظاً في شتى الانماط العديدة للإرهاب الاقتصادي.

الجزء الأول

من الضروري الحديث عن اختلاف التعاريف العامة للإرهاب قبل الولوج في أنماطه التي يتركز أغلبها حول تحقيق القدر الأكبر من المنافع الاقتصادية لطرف على حساب الطرف الآخر. ولقد تعددت وتباينت تعاريف الإرهاب بصفة عامة بين الغرب والشرق وبين المسلمين وغيرهم. وقد ضاع تعريف نضال الشعوب من أجل استقلالها عن المستعمر الذي هيمن تعريفه على التعاريف الأخرى. وهذا بسبب تداخل الامم في نواح كثيرة وسيطرة الفكر الاقتصادي الرأسمالي على الأفكار الأخرى بما فيها الفكر الشيوعي الاشتراكي.

ويختلف تعريف الامم المتحدة للإرهاب إلى حد ما عن تعريف الحكومة الأمريكية، بل يختلف تعريف المخابرات المركزية الأمريكية لمصطلح الإرهاب عن تعريف مكتب التحريات الفيدرالي. ومهما اختلفت هذه التعريفات للإرهاب فإنها في مجملها تصب في مصلحة الدول المهيمنة على الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية.

من وجهة نظري لا يوجد تعريف أكاديمي أو قانوني دقيق للإرهاب العام، وغالبية التعاريف تركز على العنف والقتل وتتجاهل ممارسات دولية في مجملها تعد إرهاب دولة ضد أخرى، حيث يأخذ اتجاهات سياسية واجتماعية وتكنولوجية واقتصادية تؤدي إلى ممارسات إجرامية كالاغتيالات، كما حدث عندما اغتالت المخابرات المركزية الأمريكية الرئيس التشيلي الراحل سلفادور اللندي في عام ١٩٧٣ لأنه كان عقبة كبيرة أمام المصالح الاقتصادية الأمريكية في بلاده.

وتشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطا وثيقا بين الإرهاب الاقتصادي والإرهاب بشكل عام. وبالطبع تلعب العولمة بشتى اشكالها دوراً واضحاً وملحوظاً في شتى الانماط العديدة للإرهاب الاقتصادي. وقد عدد الباحث الاقتصادي الدكتور زيد محمد الرماني انواع الإرهاب الاقتصادي في دراسة اعدها في ٢٠١٠م، حيث تحدث عن العولمة واليد الخفية، الجريمة إرهاب اقتصادي، الديون إرهاب اقتصادي، العسكرة إرهاب اقتصادي، الاستعمار إرهاب اقتصادي، الجاسوسية إرهاب اقتصادي، الاقتصاد الخفي إرهاب اقتصادي، غسيل الأموال إرهاب اقتصادي، الشركات دولية النشاط إرهاب اقتصادي. واضيف إلى قائمة الدكتور زيد الرماني التستر التجاري كإرهاب اقتصادي لأنه يهدد الأمن الاقتصادي للدول إذا لم يتم التعامل معه بحزم وعلاجه في الوقت المناسب وبالطرق المناسبة.

أما الإرهاب الجديد فهو الإرهاب الفكري الذي يلجأ إليه البعض لإقصاء رأي الآخرين الذين لا يوافقونهم الرأي، خاصة عندما يكون الحديث حول موضوع ديني لا يزال الباب مفتوحاً فيه للاجتهاد بعيداً عن المساس بالعقيدة والثوابت الدينية. ولقد اتبعت الولايات المتحدة سياسة إما معي أو ضدي ولم تترك لأحد الحيادية. وهذا بلا شك نمط من انماط الإرهاب الممنهج الذي تستغله لتحقيق مكاسب سياسية وبالتالي تنجز المكاسب الاقتصادية.

إن استغلال الإرهاب الفكري لتحقيق مكاسب اقتصادية يعد إرهابا اقتصادياً لأنه يدفع الأموال للخروج من أوطانها إلى الدول التي تستغل الإرهاب الفكري لتخويف المستثمرين لتهاجر أموالهم من أوطانهم إلى دول أخرى، مثل الولايات المتحدة على سبيل المثل لا الحصر. ولأهمية الموضوع سأتحدث عن بقية أنماط الإرهاب الاقتصادي الأخرى في العدد القادم إن شاء الله.

الجزء الثاني

تتسارع الأحداث بطريقة مذهلة وعلى وجه الخصوص في الإبداع والابتكار والتطور التكنولوجي في مجال الاتصالات مما ساهم في تطور وسائل التواصل الاجتماعي التي يستغلها الإرهابيون سواء على مستوى الأفراد أو الدول التي تدعم وتدير الإرهاب الذي يخدم مصالحها. وتقوم جهات خفية بجمع المعلومات عن الدول والأمم الأخرى لخدمة مصالح دول همها الأكبر السيطرة على العالم والاستحواذ على ثرواته. وقد صورت وسائل الإعلام الغربية العولمة بأنها الجنة الموعودة بينما هي لعبة القوي على الضعيف في عالم يسوده الظلم والقهر والاستعباد البشري، حيث نرى العمال يكدحون في المصانع في الدول النامية والفقيرة لتحقيق الثراء والحياة الكريمة لحكومات وشعوب الدول المتقدمة. وتؤكد المعلومة أن العالم اليوم يعيش ظلماً اقتصادياً، حيث إن ٧٥ في المائة من دخل العالم تتركز في يد ٢٥ في المائة من سكانه، في حين تتبقى ٢٥ في المائة من الدخل فقط لبقية الدول الفقيرة والتي تشكل ٧٥ في المائة من العالم.

ولليد الخفية دور كبير في ما يحدث في العالم من إرهاب واضطرابات سياسية واقتصادية لأنها تخدم الشركات العابرة للقارات التي تعمل في مجال التسلح وتجد في الحروب فرصة استثمارية. ولليد الخفية دور في التشريعات العدوانية لبعض الدول الاستعمارية لإرهاب الدول الفقيرة والنامية لتبقى دائماً تحت إرادتها وتوجهها. هذا بلا شك نمط خطير للإرهاب الاقتصادي. وبالطبع يعد الإرهاب الاقتصادي خطيرا وتنتج عنه إفرازات مدمرة للمجتمعات والأمم. وما الربيع العربي إلا نموذج واضح من نماذج النظام العالمي الجديد «New World Order» الذي بدت معالمه واضحة بعد انهيار جدار برلين في عام ١٩٩٢م.

إن تجسس الولايات المتحدة على حلفائها وغيرهم يعد إرهابا سياسيا في مضمونه إرهاب اقتصادي للوصول إلى معلومات حساسة فقد تجسست على المانيا وفرنسا واعتذرت عن ذلك ولم تنكره وصرح الرئيس اوباما بعدم تكرار التجسس. الجاسوسية الاقتصادية حتمية في عصر العولمة الاقتصادية والمنافسة العالمية ومن يملك المعلومة والمعرفة يحكم العالم ويتحكم في مصائر من لا يملكها. لقد تجاوزت الجاسوسية الاقتصادية الدول المسيطرة على الساحة والأسواق الاقتصادية لتشمل شركاتها العابرة للقارات والتي تضغط على حكوماتها في كل شأن وعلى وجه الخصوص في الشأنين السياسي والاقتصادي لخدمة مصالحها.

الكاتب: 

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

عقب التفاف يمني غير مسبوق حول “الحوثي” ..امريكا تعترف بسقوط اخر اوراقها السياسية في اليمن

YNP : كشفت الولايات المتحدة، الاثنين،  خسارة اهم اوراقها السياسية في اليمن .. يأتي ذلك …

اترك تعليقاً