خاصرة دمشق الشرقية، المهدِّدة الرئيسية للعاصمة، وُضعت اليوم على السكّة ذاتها التي وضعت عليها باقي المدن والمناطق السورية التي استُعيدت سابقاً. العملية العسكرية انطلقت، وبالتوازي تجري مفاوضات مع الفصائل المسلحة لإجراء تسوية، دفعاً لمعركة لن تكون سهلة، وربما لن تنتهي في وقت قريب
على مدى ليلتين متتاليتين، لم تنم العاصمة دمشق ولا أهلها. هدير الدبّابات والتعزيزات القادمة من الشمال السوري إلى الريف الدمشقي لم يغلبه إلا أصوات الصواريخ والقذائف الموجّهة نحو مسلحي قرى الغوطة الشرقية ومدنها. أهم المدن والبلدات التي تركَّز القصف عليها كانت كفربطنا وسقبا وحمورية ومسرابا.
هذه المدن تقع في القسم الجنوبي الغربي من جيب الغوطة الشرقية الواقع تحت سيطرة المسلحين. ويرتبط القصف الشديد الذي تتعرّض له المنطقة الواقعة تحت سيطرة فصيلي «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» المتحالفين بالمفاوضات التي تدور في دمشق.
المسلّحون في الغوطة الشرقية يعتبرون جبهة جوبر هي الجبهة الرئيسية، وذلك لأنها المعبر المباشر لهم نحو دمشق، ولقربها من ساحة العباسيين، وعليه فإن ثقلهم العسكري يتمركز هناك، وهم يسعون دائماً إلى تدعيم هذه الجبهة وتمكينها ولو على حساب جبهات أخرى.
الجيش السوري بدأ أولاً بقصف هذه المنطقة، واستهدف النقاط العسكرية التابعة للمسلّحين، كما استهدف سلاح الجو مخازن وقواعد خلفية تابعة لـ«فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة». ومن المتوقع أن يهاجم الجيش المنطقة من محاور عدة لتشتيت قوى المسلّحين. «جبهة النصرة» و«فيلق الرحمن» يقصفان العاصمة يومياً في الآونة الأخيرة، وهما الفصيلان اللذان أطلقا هجوم إدارة المركبات الأخير، و«هذا ما جعلهم محل استهداف الجيش السوري، وجعلهم محلّ تذمّر (جيش الإسلام) والفصائل الأخرى، لما يقحمونهم به من حصار وقصف ومعارك لا طائل منها»، يقول مصدر عسكري سوري رفيع لـ«الأخبار».
الواضح أن هناك ضغطاً عسكرياً يمارسه الجيش السوري لدفع المسلحين من أتباع «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» وتوابعهما للخروج من الغوطة الشرقية نحو إدلب، وهذه الضغوط لم تقتصر على الميدان والأعمال الحربية فقط، بل توسّعت نحو إطار المفاوضات.
«المصريون» في المفاوضات
«فيلق الرحمن وجبهة النصرة محسوبان على قطر وتركيا، وكانت تجري مفاوضات سرية منذ فترة لدفعهم نحو الخروج من الغوطة، إلا أن الأطراف الخارجية المذكورة عرقلت الأمر»، يقول مصدر عسكري سوري مطّلع. بعد فشل هذه المفاوضات، اتُّخذ القرار بالتضييق على مسلحي الغوطة الشرقية أكثر، وبدأ الجيش يحشد قوّاته ويستقدم التعزيزات العسكرية باتجاه العاصمة ومحيطها. منذ أيام، حضر العميد في الجيش السوري سهيل الحسن، إلى الغوطة الشرقية، ومن على مشارفها جمع ضبّاطه وجنوده وخاطبهم بخصوص العملية العسكرية المنوي شنّها هناك. صُوّر الحديث ونشر مع أخبار في الإعلام عن استقدام التعزيزات إلى الغوطة الشرقية واقتراب موعد بدء العملية فيها. وهذا ما دفع ــ إضافة إلى رسائل وإشارات أخرى ــ المسلحين في الغوطة الشرقية، والمحسوبين على «جيش الإسلام»، إلى الطلب من الجانب المصري (هذا الفصيل يخضع للنفوذ السعوديّ، وتربطه بأطراف مصرية علاقات جيدة، خاصة أنهم رعوا الهدنة الأخيرة التي وقّعوها مع الجانب الروسي في القاهرة) التوسّط بينهم وبين الدولة السورية. لم يتأخّر الوفد، وفق مصادر خاصة لـ«الأخبار»، إذ وصلت طائرة مصرية إلى مطار دمشق، وعلى متنها ضبّاط من المخابرات المصرية. وبتعاون روسي، بدأ العمل على إعداد تسوية. الكلام يدور حول مفاوضات روسية ــ مصرية ــ سورية، أي إن المصريين يجرون اتصالاتهم بـ«جيش الإسلام»، والروس يجرون اتصالاتهم بالجيش السوري، في محاولة الضغط على «جيش الإسلام» لدفعه نحو العمل على إخراج «النصرة» ومن معها نحو إدلب.
اتفاقات الهدن التي وقّعها سابقاً كلّ من «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» بشكل منفصل، تضمنت «ترحيل جبهة النصرة من الغوطة الشرقية»، وهو ما لم يحصل حتى الآن، وهو أيضاً ما تسعى إليه روسيا مع مصر. أهمُّ المطالب التي تريدها دمشق هو «إخراج فيلق الرحمن وجبهة النصرة من المنطقة ودخول الجيش إلى مناطق طوق دمشق في زملكا وعربين وكفربطنا وغيرها لحماية العاصمة من القصف»، وفق ما تؤكّده مصادر مطّلعة في حديثها إلى «الأخبار». وتضيف المصادر أن «المفاوضات حتى الآن تجري في سياق جيد، وقد توصِل إلى حلّ يقضي بخروج النصرة ومن معها من الغوطة، بمعاونة جيش الإسلام الذي يمكن مفاوضته لاحقاً، وبالتالي منع وقوع معركة ضخمة في الغوطة يسعى الجميع الى تجنّبها».
في الأيام الأخيرة، خرجت مظاهرات داخل الغوطة الشرقية تطالب «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» بالخروج من الغوطة، لتخفيف الضغط العسكري على المنطقة. وبالرغم من أن التقدّم البري لم يبدأ بعد، فإن المعلومات تفيد بأن أيّاماً قليلة تفصلنا عن بدء توغّل الجيش السوري هناك. «الجيش السوري جهّز وبدأ مشروع اقتحام الغوطة الشرقية بشكل كامل، بالتوازي مع المفاوضات التي إذا لم تنجح فإنه سيكمل العملية العسكرية إلى آخرها»، تقول مصادر عسكرية رفيعة. وتضيف المصادر ذاتها أن «المعارك في الغوطة الشرقية ليست سهلة، وهي منطقة معقّدة وصعبة، وقد تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً. ولا نغفل عن التضحيات الكبيرة التي تحتاج إليها المنطقة لاستعادتها، ولكنه سيكون نصراً مفصليّاً شبيهاً بنصر حلب».
التعبير نفسه نقلته وكالة «إنترفاكس» الروسية عن وزير الخارجية سيرغي لافروف، خلال حديث له في مؤتمر «فالداي» أمس، إذ قال إنّ «تجربة حلب قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية».
خريطة الفصائل
أقوى التشكيلات العسكرية للمسلحين في الغوطة الشرقية هو «جيش الإسلام» الذي أسّسه زهران علّوش، ليخلفه عصام البويضاني، ويتموضع مقاتلوه في القطاع الشرقي والشمالي من الغوطة الشرقية. ويأتي «فيلق الرحمن»، في الريف الدمشقي، في المرتبة الثانية، وهو الذي تشكّل في عام 2013، وأغلب عناصره كانوا مسلحين من «الجيش الحرّ» بتوجّهات «جهادية» دفعتهم إلى الانشقاق وإنشاء «الفيلق». تحالف «فيلق الرحمن» مع «جبهة النصرة»، بالإضافة الى مشاكله الداخلية مع «جيش الإسلام»، جعله ينافس الأخير في السطوة والقوّة، كما كان عاملاً مهمّاً في تغيير أساليب القتال وتطويرها وتمكينها، وهو يمتلك أسلحة متنوّعة ورشّاشات ثقيلة ومدافع وراجمات صواريخ من نوع «فيل»، ولكنه خسر عدداً كبيراً من عناصره في المعارك الداخلية مع «جيش الإسلام». القوة الثالثة في الغوطة هي «جبهة النصرة»، ويتزعمّها هناك الشيخ أبو عاصي، وفيها عدد كبير من المقاتلين الأجانب، وتعتبر من الفصائل النشِطة رغم قلّة عديدها. قدرتها العالية على التفخيخ والتفجير والقيام بالعمليات الانتحارية أولَتها قوّة خاصّة. علاقات «النصرة» متوتّرة مع أغلب الفصائل، حتى مع حلفائها أمثال «فيلق الرحمن»، وانتشارها محدود في عربين وكفربطنا وجوبر. «حركة أحرار الشام»، وهي الفصيل الرابع، تشكّلت في بداية الحرب، وتموضعها الأساسي في ريف إدلب شمالي سوريا، ولديها وجود في الغوطة الشرقية مع عدد قليل من المقاتلين، إلا أنهم ذوو خبرة عسكرية، ولديهم علاقات طيبة مع أغلب الفصائل المسلحة في الغوطة، ومؤخراً اندمج معها «لواء فجر الأمة» الذي لا يزيد عديده على ألفي مقاتل، وهم من دعموا «النصرة» و«فيلق الرحمن» في معارك إدارة المركبات الأخيرة.
«اليرموك» ضمن الخطة
بدأ تنظيم «داعش» منذ أيام بمهاجمة «جبهة النصرة» في مخيم اليرموك. عدد مقاتلي «النصرة» هناك «لا يتجاوز 150 مقاتلاً»، وفق ما تؤكّد مصادر مطّلعة. الحديث هنا يدورعن حملة شاملة لإخراج «النصرة» وتوابعها من سائر منطقة دمشق وأريافها، وهناك كلام عن «مطالبات من داعش لتسوية أوضاعهم في المخيّم بعد انهيار هيكلهم التنظيمي هناك»، تقول المصادر.