شفقنا- الحديث عن خفض عدد قوات “التحالف الدولي” والقوات الأمريكية في العراق، أصبح يأخذ منحىً أكثر أهمية على الساحة السياسية العراقية وذلك بعد تطهير الأراضي العراقية من عناصر داعش الارهابية والقضاء على ما يمسيها “دولة الخلافة”، وبالتالي انتفاء ذريعة بقاء هذه القوات في البلاد.
إلا أن المرحلة التي يشهدها العراق اليوم يبدو أنها ستشهد الكثير من التحديات في ظل التشبث الذي تبديه أمريكا في الإبقاء على قواتها وقواعدها العسكرية لأطول فترة زمنية ممكنة، وهو ما بدا جلياً في الكثير من التصريحات الأمريكية حول ضرورة انتشار طويل الأمد للقوات الأمريكية في العراق، والتي جاءت متناقضة مع التصريحات الرسمية العراقية حول خطة قوات التحالف الدولي لتقليص قواته في البلاد، بعد استعادة القوات العراقية سيطرتها على جميع المدن والمناطق التي رزحت تحت قبضة تنظيم داعش الارهابي.
وكان المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي قد أعلن أن “الخفض الذي يجري بالتنسيق مع بغداد جاء نتيجة لانتهاء العمليات العسكرية ضد داعش، وبالتالي لم يعد هناك أي مبرّر لبقاء مستوى القوات الأمريكية على حاله”. إلا أن البنتاغون رد على هذه التصريحات بأن مهمة قواته لم تنتهي في العراق بعد، مشيرا إلى احتمال سحب السلاح الثقيل فقط.
وفي وقت سابق صرح نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان بأن الولايات المتحدة “لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق”، متذرعاً بأن فلول داعش ما تزال تمثل مشكلة مستمرة لأمن العراق، فيما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية، عدم نيتها سحب قواتها من العراق قريبا، مشيرة إلى اتفاق امريكي عراقي يقضي بتحويل مهام تلك القوات لتدريب وحدات الجيش العراقي ورفع جهوزيته.
هذه التصريحات الأمريكية جوبهت برفض واسع من قبل العديد من القوى السياسية الفاعلة في العراق، التي حذرت من مخاطر مؤامرة أمريكية جديدة على العراق ونيات مبطنة لدى الإدارة الأمريكية لإعادة احتلال العراق، أو تقسميه وتدجينه، فبالأمس حذرت حركة النجباء العراقية من أن رفض الجانب الامريكي الانسحاب من العراق، سيكون جوابه البندقية، وقال المتحدث باسم الحركة ابو وارث الموسوي كما “قاتلنا من أجل السيادة العراقية والحفاظ على العملية السياسية، فسوف نعيد الكرة على القوات الاجنبية اذا أقروا بالاحتلال ورفضوا الانسحاب”. أما كتائب حزب الله العراق فقد صرحت على لسان الناطق باسمها بأن “التواجد الأمريكي في العراق إحتلال”، مبيناً أنه “لا يمكن النقاش حول تسمية وجود الأمريكيين، وتابع أنّ “التحالف الدولي بقيادة واشنطن تمّ تشكيله خارج إرادة العراق وأنّ القوات الأمريكية دخلت العراق عنوة”، مشيراً إلى أنه “لايوجد أي قرار حكومي عراقي لبقاء القوات الأمريكية والأمريكيون يحرجون الحكومة”.
هذه الأحداث والتصريحات تسلط الضوء على مدى الرفض العراقي لبقاء القوات الأمريكية في البلاد وهو الرفض الناجم عن عدة مسببات نذكر منها:
أولاً: القضاء التام على تنظيم داعش وتطهير كافة البلاد منه لا سيما على طول الحدود العراقية السورية، الأمر الذي يعود الفضل الأول فيه إلى القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي العراقي المحلية التي كانت رأس الحربة في القضاء على التنظيم الارهابي، وبالتالي فإن القوات الأمريكية و “قوات التحالف” تفقد المبرر الذي دخلت بذريعته إلى البلاد.
ثانياً: أما بالنسبة لذريعة أن القوات الأمريكية لديها مهمة تدريب القوات العراقية، فينبغي التذكير أنه وبعد سقوط النظام السابق في عام 2003، وحتى دخول داعش إلى العراق، لم تحقق برامج التدريب الأمريكية التي كلفت الدولة العراقية مليارات الدولارات، النهضة المطلوبة بقدرات الجيش العراقي، بل إن عبء تحرير العراق من داعش اعتمد بالدرجة الأولى على القوات الشعبية المحلية التي لم تتدخل أمريكا في تدريبها أو تجهيزها.
ثالثاً: أصبح جليا للعراقيين، أن أمريكا لم تكن جادة بمحاربة تنظيم داعش الارهابي، بقدر ما كانت تنوي إدارة أزمة داعش، والإفادة منه لتحقيق مصالحها السياسية في المنطقة، والشواهد كثيرة عن عمليات أمريكية لنقل فلول داعش المنهزمة إلى أماكن آمنة، أو حتى القاء العتاد العسكري لهم.
رابعاً: الموقف السلبي الأمريكي من قوات الحشد الشعبي، والدعوات لتفكيكه وحله سواء من قبل السلطات الأمريكية أو مراكز الدراسات التابعة لها، تشير بشكل واضح إلى عدم رغبة أمريكا بوجود قوى عراقية داخلية قادرة على تحقيق الاستقرار للعراق، خاصة وأنه من المرجح أن تلعب هذه القوى دوراً سياسياً مؤثرا بعد انتخابات 2018، بحكم شعبيتها الواسعة وفرصتها الكبيرة في الفوز بالانتخابات، لذلك تسعى أمريكا للحفاظ على وجودها العسكري للحد من تأثير هذه القوى على الأرض.
خامساً: تحاول أمريكا أن تسخّر وجودها العسكري في البلاد، ضمن محاولات للاملاء على الدولة المركزية العراقية والتدخل في شؤونها الداخلية، وقد رأينا في عدة مناسبات كيف اشترطت القوات الأمريكية دخول أو خروج فصائل محددة من جبهات القتال كشرط لتقديم الدعم الجوي فيها.
سادساً: لعبت حادثة استهداف مروحية أمريكية للقوات الأمنية العراقية في منطقة شريم البغدادي في الأنبار، والتي خلفت ثمان شهداء من القوات الأمنية العراقية، وجرح العديد منهم، دوراً في زيادة التوجس الشعبي العراقي من الوجود الأمريكي العسكري في البلاد، حيث رأى مراقبون أن الهدف من الاستهداف، كان بعث رسائل سياسية للجانب العراقي بضرورة اشراك أمريكا في آلية اتخاذ بعض القرارات.
فإلى أي مدى يمكن لأمريكا أن تستمر في سياسة التشبث بإبقاء قواتها في المنطقة؟ لاشك أن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على مدى وحدة الشعب العراقي ولحمته، وهو الأمر الذي تدركه أمريكا جيداً وتسعى للإضرار به بشتى الوسائل.
*الوقت