نشرت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية, تقريرا كشفت فيه عن أن القوات الأمريكية قتلت عشرات من الجنود الروس في سوريا يوم الأربعاء 7 فبراير/شباط 2018، فيما يُمكن اعتباره أكثر الاشتباكات دمويةً بين مواطنين تابعين لروسيا وأميركا، اللتين كانتا عدوتين سابقتين منذ انتهاء الحرب الباردة، بحسب ما ذكره مسؤولٌ أميركي و3 من الروس المُطَّلعين على الأمر، وفق الوكالة الأمريكية

وقال اثنان من المسؤولين الروس إنَّ ما يزيد على 200 مقاتلٍ من المرتزقة -معظمهم من الروس الذين يقاتلون دفاعاً عن نظام بشار الأسد- لقوا مصرعهم في هجومٍ مُحبَط على قاعدةٍ ومصفاة نفطية خاضعة لسيطرة القوات الأميركية، وقواتٍ أخرى يتكوَّن معظم قوامها من الأكراد، في منطقة  السورية الغنية بالنفط، وأوضح المسؤول الأميركي أنَّ عدد القتلى بلغ نحو 100 شخص، فضلاً عن تراوح عدد المصابين بين 200 و300 آخرين.

ويعقّد الهجوم الروسي الصراع، الذي بدأ في صورة قمعٍ داخلي فقط ثم تحوَّل إلى حربٍ بالوكالة تتضمن متطرفين إسلاميين، وأكراداً بلا جنسية، وقوىً إقليمية متمثلة في إيران وتركيا، وإسرائيل مؤخراً. ونفى الجيش الروسي أي علاقةٍ له بالهجوم الذي وقع، وقَبِلَ الجيش الأميركي الادعاء في بيانٍ له. ووصف جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأميركي، كل ما حدث بأنَّه شيءٌ “مُربك”، لكنَّه لم يُقدم مزيداً من التفاصيل.

ورفض ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي ، التعليق على التقارير التي تُشير إلى أنَّ مواطنين روساً قُتلوا في سوريا، قائلاً إنَّ  لا يتبع سوى البيانات الخاصة بالجيش الروسي. وأضاف أنَّ بوتين تحدَّث إلى نظيره الأميركي، ، هاتفياً يوم الإثنين 12 فبراير/شباط 2018، لكنَّهما لم يناقشا العملية العسكرية في سوريا، بحسب الوكالة الأميركية.

وقال فلاديمير فرولوف، الدبلوماسي والمُشرِّع الروسي السابق الذي أصبح الآن محللاً سياسياً مستقلاً، عمَّا حدث: “إنَّها إشاعةٌ كبرى قد تثير أزمةً دولية حادة. لكنَّ  ستتظاهر بأنَّ شيئاً لم يحدث”.

“مدفعية ودبابات”

وقال الكولونيل الأميركي توماس فييل، المتحدث باسم الجيش الأميركي، في بيانٍ له: “بدأ الهجوم على بُعد 8 كيلومترات (5 أميال) شرق خط مناطق التهدئة، الواقع على نهر الفرات، في وقتٍ متأخر من يوم 7 فبراير/شباط 2018، حين أطلقت القوات الموالية للأسد القذائف وتقدَّمت في تشكيلاتٍ مُكونة من دورياتٍ بحجم كتيبة، مدعومة بسلاح المدفعية والدبابات والصواريخ متعددة الانطلاق ومدافع الهاون”، بحسب الوكالة الأميركية.

وردَّت بعدها القوات الأميركية، التي تمتلك مرشدين مرابطين في القاعدة إلى جانب جنود قوات سوريا الديمقراطية، بهجومٍ جوي بالطائرات وسلاح المدفعية.

وقال فييل: “كان مسؤولو التحالف يعقدونَ محادثاتٍ منتظمة مع نظرائهم الروس قبل الهجوم المُحبَط غير المبرر وفي أثنائه وبعده. وأكَّد المسؤولون الروس لمسؤولي التحالف، أنَّهم لن يشتبكوا مع قوات التحالف في الجوار”.

 وأكَّد فييل عدم ورود أنباءٍ عن وقوع قتلى من جانب قوات التحالف، وقال: “لم نكن نستهدف سيارات العدو وأفراده الذين استداروا وتراجعوا جهة الغرب”.

ولم تتضمن بعدُ هوية مموِّل الجنود المرتزقة، سواء أكانت روسيا مباشرةً، أم حلفاؤها في الحرب: سوريا وإيران، أم طرفٌ ثالث. وذكرت تقاريرٌ في وسائل إعلامية محلية، أنَّ بشار الأسد أو حلفاءه تعاقدوا مع منظمة فاغنر السرية -التي غالباً ما يُشار إليها بأنَّها النسخة الروسية من منظمة بلاك ووتر الأمنية العسكرية الأميركية التي تحمل الآن اسم “أكاديمي”- لحراسة منشآتٍ حيوية مقابل منح امتيازاتٍ نفطية، بحسب المجلة الأميركية.

ومن جانبه، قال فيتالي نعومكين، المستشار البارز لدى الحكومة الروسية فيما يخص سوريا، في مقابلةٍ صحفية: “لا أحد يرغب في بدء حربٍ عالمية بسبب متطوعٍ أو جندي مرتزق لم ترسله الدولة وقتله الأميركيون”.

وقال يوري بارمين، محلل الشرق الأوسط في مجلس الشؤون الدولية الروسي بالعاصمة الروسية موسكو الذي يُعَد مركزاً بحثياً أنشأه الكرملين، إنَّ روسيا تدعم جهود الأسد لاستعادة المنطقة الشرقية “الحاسمة” من مدينة دير الزور؛ للمساعدة في تمويل خطة إعادة الإعمار والمصالحة التي تعارضها الولايات المتحدة.

ويُذكر أنَّ روسيا وقَّعت اتفاقية “خارطة الطريق” مع حكومة الأسد في الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني 2018)؛ للمساعدة في إعادة بناء شبكة الكهرباء بسوريا. وفي يوم الثلاثاء 6 فبراير/شباط 2018، صرَّح وزير الطاقة الروسي، ألكسندر نوفاك، لصحفيين في موسكو، بأنَّ الشركات الروسية مهتمةً بإبرام عقودٍ للمساعدة في إصلاح الأنابيب والآبار النفطية المُتضررة، بحسب المجلة الأميركية.

“وجود غير شرعي”

بينما لم تتطرق وزارة الدفاع الروسية إلى ذِكر المرتزقة في بيانها عن الهجوم، قائلةً إنَّ 25 مقاتلاً “سوريّاً” أُصيبوا، دون ذكر تفاصيل. واتَّهمت الولايات المتحدة باستخدام “وجودها غير الشرعي” في سوريا حجةً “للاستيلاء على ممتلكاتٍ اقتصادية”، بقيت على اتصالٍ مع الولايات المتحدة .

ووصفت حكومة الأسد الهجوم الأميركي بأنَّه “همجي” و”جريمة حرب”.

وقال أحد قادة المرتزقة عبر الهاتف للمجلة الأميركية، إنَّ عدد القتلى الروس الناتج عن هذا الاشتباك، الذي يُعَد أكثر بـ5 مراتٍ من الخسائر الروسية الرسمية في سوريا، ما زال قابلاً للزيادة، وأضاف أنَّ عشرات الجرحى ما زالوا يُعالَجون في مستشفياتٍ عسكرية بمدينتي سانت بطرسبرغ وموسكو الروسيتين.

وقال ألكسندر ليونوف، رئيس إحدى المنظمات المُموَّلة من الكرملين والتي تُعزز بناء علاقاتٍ مع الانفصاليين والذين قاتلوا بأنفسهم في صفوف قوات النظام السوري، إنَّ معظم الروس الذي لقوا حتفهم أو أُصيبوا من جرَّاء الهجوم محاربون قُدامى شاركوا في صراع الانفصال الذي كان دائراً بشرق أوكرانيا.

ودعا غريغوري يافلينسكي، السياسي الروسي المُعارِض منذ أمدٍ بعيد والذي ساعد في توجيه الإصلاحات الديمقراطية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، السلطات إلى أن تتحلَّى بالشفافية تجاه ما يحدث، بحسب المجلة الأميركية.

وقال يافلينسكي الذي سيترشح ضد بوتين في الانتخابات المُقرر انعقادها الشهر القادم (مارس/آذار 2018)، في تغريدةٍ على موقع تويتر: “إذا وقعت وفياتٌ جماعية لمواطنين روس في سوريا، فيتوجَّب على السلطات المُختصة، ومن ضمنها الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، إبلاغ البلاد بالأمر وتحديد المسؤول عنه”.

المصدر: هافنتغون بوست عربي