مبادرة دبلوماسية جديدة حملها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سلطنة عمان، لإنهاء الأزمة اليمنية في إطار سياسي، وتشمل إجراءات محددة، ما زالت تفاصيلها بانتظار حسم من الثنائي محمد بن زايد ومحمد بن سلمان
القاهرة ــ الأخبار
مبادرة جديدة يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خلالها إلى اقتحام المشهد الخليجي دبلوماسياً، على نحو يعزز الدور المصري الوسيط في الأزمات الإقليمية، وذلك من خلال طرح رؤية لحل توافقي للأزمة اليمنية.
المبادرة التي يسعى السيسي إلى الترويج لها تنطلق من خطوط عريضة، تتمحور حول فكرة الحوار بين الأطراف اليمنية، في لقاءات تستضيفها وتراها القاهرة، ضمن إطار عربي أو خليجي، وبضمانات تسمح للقوى اليمنية المختلفة، بالتخلي عن لغة السلاح، وإعادة بناء الدولة اليمنية، على أسس توافقية، بعدما أنهكتها الحرب.
ومن غير المعروف ما إذا كانت المبادرة المصرية بشأن اليمن، قد جاءت في إطار مسعى مستقل، يأتي في سياق المساعي الدبلوماسية التي قامت بها القاهرة، خلال الفترة الماضية، في أكثر من ملف – فلسطين، سوريا، لبنان… – أو أنها تأتي بإيعاز سعودي، في ظل الإخفاقات المتلاحقة التي واجهتها الرياض، منذ إطلاقها ما يسمّى «عاصفة الحزم»، التي تجعلها راغبة، أكثر من أي وقت مضى، في البحث عن مخرج سياسي لمغامرتها العسكرية.
وإذا كان الوضع الخليجي العام يبدو مهيّأً لتقبُّل مبادرة كتلك التي تطرحها القاهرة، فإنّ التسريبات المرافقة لها، ولا سيما ما حكي عن عدم حصول السيسي على رد سريع من السعودية والإمارات على ما يطرحه، يثير بعض التكهنات بشأن طبيعة التحرك المصري، وما إذا كانت ظروفه قد نضجت بالفعل… أم أنّ الفتور الظاهر هو من باب جس النبض، وتجنّب طرح كل الأوراق دفعة واحدة على الطاولة.
ومع ذلك، فإنّ الحديث عن المبادرة المصرية خلال زيارة السيسي لسلطنة عمان، تعكس جدّية المسعى المطروح، خصوصاً أن مسقط لطالما لعبت دوراً إيجابياً في إيجاد المخارج للأزمات الدولية، وهو ما تبدّى بنحو خاص، حين كانت قناة اتصال دبلوماسية مفتوحة في المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة الدول الكبرى الست.
ومن جهة ثانية، إنّ اختيار سلطنة عُمان منصّة لإطلاق المبادرة المصرية بشأن اليمن، يشي بأن الحراك المصري في هذا الاتجاه ليس بالجديد.
وفي العموم، قدم السيسي تفاصيل المبادرة للسلطان قابوس بن سعيد خلال الزيارة التي استغرقت ثلاث أيام لمسقط، وجرى التفاوض بشأنها مع الملك السعودي سلمان، وولي عهده محمد، بالإضافة إلى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، الذي التقاه السيسي في ختام جولته الخليجية، في زيارة استمرت نحو 24 ساعة، شهدت ثلاثة اجتماعات ثنائية، بالإضافة إلى اجتماعات موسعة مع وفدي البلدين.
وفي مبادرته، يطرح السيسي الحوار السياسي كحل للأزمة اليمنية، على أن يكون ذلك برعاية مصر، واستضافتها، خصوصاً أن القاهرة لم تفقد اتصالاتها وعلاقاتها بجميع الأطراف اليمنية.
وما يعزز المبادرة المصرية، أن القاهرة، برغم مشاركتها الظاهرية المعلنة في «التحالف العربي» بقيادة السعودية، إلا أنها لم تشارك عملياً في العمليات العسكرية، ما يبقي أيديها نظيفة من الدماء الجارية في الميدان اليمني.
ومن المتوقع أن تجرى مناقشات موسعة لاعتماد المبادرة، سواء في إطار مصري خليجي، أو بإطار الجامعة العربية من خلال القمة العربية الدورية المقررة الشهر المقبل.
وتعهد السيسي، في مبادرته، باستخدام قدرته «الشخصية» في إقناع المعارضة اليمنية بوقف أية تحركات «عدائية» وتقديم تنازلات سياسية، لكن في مقابل مطالبة الفريق الآخر بتقديم تنازلات مقابلة، وإشراك مختلف التيارات الوطنية اليمنية في السلطة.
ومع أن التعهدات المطلوبة مصرياً، قوبلت بموقف إيجابي من جانب محمد بن زايد، إلا أن السيسي لم يتلقّ رداً حازماً من ولي عهد أبو ظبي، خلال لقاءاتهما الثلاثة، وإن كان الأخير قد وعد بعرض الأمر على ولي العهد السعودي ابن سلمان قريباً، ومناقشة سبل الشروع في تلك المبادرة، إن لقيت القبول.
ووفقاً لما نُقل عن ابن زايد، فإنّ الإمارات لا ترغب في استمرار العمليات العسكرية في اليمن، وإنه يشعر على المستوى الشخصي بـ«ألم»، بسبب الوضع الإنساني وعدم القدرة على إدخال المساعدات الإنسانية إلى مناطق عديدة.
وبحسب مصادر مصرية مواكبة لهذا الحراك، ينتظر السيسي خلال الأيام المقبلة رداً إماراتياً سعودياً على مبادرته، فيما بدأت اتصالات عمانية مع الكويت والسعودية خلال اليومين الماضيين للغرض ذاته.
وفي مؤشر على استعجال الحل، قالت المصادر لـ«الأخبار» إنّ السيسي أقام في مسقط لمدة ثلاثة أيام، بانتظار ردود سريعة على مبادرته، وكان يرغب في إعلانها قبل التوجه إلى الإمارات، لكن الاتصالات التي جرت على مستويات رفيعة لم تصل إلى نتائج نهائية، ومن ثم تعرقلت المبادرة التي صيغَت في نحو 10 بنود أساسية.
وبحسب ما رشح، اقترح السيسي «تحييد» إيران بنحو كامل عن الأزمة اليمنية، وذلك من خلال التواصل المباشر معها، وربط تحسين مستوى العلاقات المصرية والخليجية بدعمها لجهود وقف الحرب اليمنية، والتشديد على استقلالية قرار اليمنيين، مع إدخال أطراف دولية لضمان تنفيذ جميع الاتفاقيات.
كذلك أبدى السيسي استعداداً لمشاركة قوات مصرية في عملية حفظ السلام في اليمن، والمساعدة في إعادة تأهيل الجيش اليمني تأهيلاً كاملاً، وتدريب قياداته، في حال نجاح المبادرة المطروحة، على أن تكون هذه الخطوة في إطار عربي ودولي معلن ومحدد المسارات، ووفق جدول زمني مختصر.
وبالرغم من أن الأزمة اليمنية طغت على الجولة الخليجية للسيسي، إلا أن الأزمة المرتبطة بقطر كانت حاضرة بقوة، حيث تسعى القاهرة إلى إبقاء سلطنة عمان وسيطاً محايداً بين الدوحة والخليجيين، إلى جانب تأكيد مصري لضرورة تدخل السلطنة لتحسين الأجواء بين الكويت والسعودية، بعدما شهدت توتراً ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، مع التشديد على ضرورة عدم انحياز الكويت أو التورط بدعم مواقف قطرية تتعارض مع مواقف الرباعي العربي.