اقرأوا ما يقوله كيسنجر جيدا لتعرفوا كيف تفكر واشنطن!

 العهد :

يومًا بعد آخر، تتسع مساحة الجدل والسجال السياسي الدائر حول حقيقة وطبيعة ومديات وأهداف ومسوغات التواجد العسكري الأميركي في العراق، ويوما بعد آخر تتكشف بدرجة أكبر النوايا والتوجهات الحقيقية لواشنطن على ألسنة مسؤولين وساسة مؤثرين وفاعلين فيها.
ولعل مرورًا سريعًا على تفاعلات الاسابيع القلائل الماضية يجعلنا نتوقف عند بعض مما قاله اكثر من مسؤول اميركي بهذا الخصوص.
فقبل أقل من أسبوع، صرح نائب وزير الخارجية الاميركي، جون سوليفان، بأن الولايات المتحدة لن تكرر خطأ الانسحاب المبكر من العراق، وأن خطر داعش لا يزال قائما رغم هزيمته عسكريا، كما أعلن ذلك رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في العاشر من كانون الأول الماضي، وأن هذا لا يعني أن التنظيم لا يشكّل مشكلة، حيث ستظل فلول داعش مشكلة مستمرة، ولا يمكننا أن نغفل عنها ولا يمكننا أن نكرر الأخطاء التي ارتكبناها في الماضي عندما قللنا من التنبه، وتم سحب القوات الأميركية بالكامل من العراق”.

ويقول المتحدث باسم وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) لشؤون القيادة الوسطى الأميركية إيريك ياهون، “إن وزارة الدفاع الأميركية لا تنوي سحب أي جنديّ أميركي من العراق في المدى القريب، وان البنتاغون متفقٌ مع حكومة بغداد على تحويل مهمات القوات الأميركية المنتشرة على أرض العراق الى عمليات تركزّ على تدريب وحدات الجيش العراقي ورفع جهوزيتها وقدراتها على محاربة الإرهاب”.
ويقول المتحدث باسم قوات التحالف الدولي الكولونيل راين ديلون “إن استمرار تواجد قوات التحالف في العراق سيكون معتمدا على الظروف، وسيتناسب مع الحاجة، وسيتم بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وان مهمة قواتنا تغيرت مؤخرا، وسرعان ما سندعم مسرحا مختلفا للعمليات الشهر المقبل”.

وزارة الدفاع الأميركية لا تنوي سحب أي جنديّ أميركي من العراق في المدى القريب

وفي مقابل تلك المواقف والتوجهات الاميركية المعلنة تزداد وتتسع حالة الرفض السياسي والشعبي العراقي لأي تواجد اميركي، وتحت اي غطاء ومبرر، وقد تحدث في ذلك الامر زعماء سياسيون بارزون وناشطون واصحاب رأي ومثقفون عراقيون، فضلا عن ذلك فإن وسائل إعلام مرئية والكترونية عديدة أفردت حيزا واسعا من تغطياتها للتنبيه والتحذير من مخاطر وتبعات استمرار الوجود العسكري الاميركي في العراق.

ويؤكد برلمانيون عراقيون، ان مجلس النواب سيكون له موقف خلال الأسبوع المقبل بشأن الوجود العسكري الأميركي في العراق، وسيطلب من الحكومة اتخاذ كل الاجراءات الكفيلة بأنهاء الوجود الاجنبي في البلاد.
ويبدو ان واشنطن استشعرت حجم وتأثير اجواء الرفض العراقي لبقائها في العراق، وراحت تبحث عن أطر وغطاءات اخرى بديلة للتخفيف من حدة ردود الافعال الرافضة.
وهنا، لجأت الى حلفائها في حلف شمال الاطلسي (الناتو)، وبحسب ما ذكرت صحيفة “العرب” اللندنية مؤخرا فإن واشنطن تسعى لإقناع اطراف في الناتو لارسال مدربين ومستشارين وخبراء عسكريين الى العراق لأداء مهام طويلة الأمد شبيهة بمهام الناتو في افغانستان التي بدأت قبل عشرة اعوام ، ليكون ذلك غطاء لوجودها العسكري هناك، وليوفر لها مساحة من التحرك والتصرف بعيدا عن الاحتكاكات والتصادمات مع جهات عراقية ترفض رفضا قاطعا اي وجود لها في العراق.
ويقول دبلوماسيون اوربيون “إن الولايات المتحدة تجدد ضغوطها على شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي لبدء مهمة طويلة الأجل في العراق للتدريب وتقديم المشورة لتفتح من جديد قضية خلافية في التحالف المتوجس بعد أن مضت عشر سنوات على مهمة في أفغانستان”.
ويشير خمسة دبلوماسيين كبار في الناتو الى ان وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس بعث برسالة إلى مقر الحلف في شهر كانون الثاني/يناير الماضي يدعو فيها إلى تشكيل بعثة رسمية للحلف في العراق بقيادة دائمة أو شبه دائمة لتدريب القوات العراقية”.
ولا شك أن أجندات التواجد العسكري الاميركي في العراق تتجاوز الجغرافية العراقية، وتمتد إلى ما ورائها غربا وشرقا.
وثمة نقطة أخرى مهمة للغاية، تتمثل في محاولات ومساع لقوى اقليمية ودولية –من بينها الولايات المتحدة الاميركية- إيجاد بدائل ارهابية عن تنظيم داعش الارهابي الذي ربما لم يكن في حسبانها ان العراقيين سيتمكنون من القضاء عليه في ظرف ثلاثة أعوام.
ويكمن الهدف من تلك البدائل الإرهابية، في استخدامها كعامل تأزيم وإرباك للوضع الداخلي العراقي، واداة لاستهداف واختراق أطراف إقليمية معادية لها-اي للولايات المتحدة-من داخل الاراضي العراقية، ولعل ظهور ما يسمى “اصحاب الرايات البيضاء” بعد اعلان الانتصار العسكري الشامل على تنظيم داعش بوقت قصير جدا، مؤشر على ذلك، لاسيما وان ذلك الظهور كان في مناطق توصف بالمتنازع عليها، ومناطق حدودية قريبة من ايران.
وقبل بضعة أيام صدرت تصريحات من أعضاء في لجنة الامن والدفاع البرلمانية العراقية، يحذرون فيها من مخاطر المخططات الاميركية ضد العراق، بعد الانتصار على داعش.
ولا شك ان من يريد ان يعرف ماهية التفكير الأميركي والأهداف الاميركية، ينبغي ان يقرأ ما بين السطور ولايكتفي بما يعلن ويقال، لان الاقوال والادعاءات شيء، والنوايا والمخططات شيء اخر.
ولكن مع ذلك فأن في واشنطن، يمكن ان نجد من يتحدث بصراحة ووضوح، خصوصا اذا لم يكن في مواقع المسؤولية، ولا نقول في دوائر صنع القرار الاستراتيجي، كما هو الحال مع وزير الخارجية الاميركي الاسبق والسياسي المخضرم، هنري كيسنجر(95 عاما)، ففي اجزاء ومقتطفات من مذكرات له، تداولتها عدد من المواقع الالكترونية في الآونة الأخيرة، يميط اللثام عن الكثير من الحقائق الصارخة بخصوص حقيقة تعاطي واشنطن مع العراق، وما ترميه إليه مما قامت وتقوم به في هذا البلد.
ومن بين ما يقوله ويكشف عنه كيسنجر هو “ان خلاصة سياستنا الحالية في العراق، أن يبقى لسنوات طويلة قادمة تحت سيطرتنا الكاملة (مباشرة وغير مباشرة) سياسيا وعسكريا، العامل المهم الذي نجحنا بتأسيسه ونعمل على ابقائه، اننا جعلنا الدولة العراقية منقسمة طائفيا وقوميا، بحيث لايمكنها ان تكون دولة مركزية قوية، وهي عرضة سهلة لتفجيرها والتحكم بها”.
ويضيف ثعلب السياسة الاميركية في مذكراته “فترانا دائما عندما يستقوي الاكراد ويضعف العرب نبادر الى خلق الخلافات بين الاكراد وتسهيل ضربهم من قبل دول الجوار، وما ان يستقوي العرب حتى نبادر الى تأجيج الصراع الطائفي بينهم ونعطي المجال لبروز الدور الكردي، واستخدام ورقة كركوك والمناطق المتنازع عليها”.

وهناك كلام كثير لكيسنجر لا يقل خطورة عما أوردناه، ولعل من يبحث ويتقصى، يجد كلاما مشابها، لساسة أميركيين وغربيين آخرين.
وحينما نريد أن نتحدث عن-ونحلل-ما يصرح به القادة السياسيين والعسكريين في واشنطن، وما يجري على الأرض بمختلف تفاصيله وجزئياته، ينبغي أن نتوقف طويلا عند ما قاله كيسنجر، حتى تكون الصورة واضحة، ونعرف ما يراد للعراق ولعموم المنطقة.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً