هاف بوست عربي
طالبت مسودة تقريرٍ صادرٍ عن وزارة الأمن الداخلي الأميركية في أواخر يناير/كانون الثاني السلطات بالفحص المستمر للمسلمين السنة من المهاجرين الذين لديهم ملفاتٌ شخصية ديموغرافية “خطرة” في الوزارة.
وتُسلِّط مسودة التقرير على 25 هجمةٍ إرهابية وقعت في الولايات المتحدة بين أكتوبر/تشرين الأول 2001 وديسمبر/كانون الأول 2017، وأشارت إلى وجود “أهميةٍ كبيرةٍ لتخصيص إدارة الولايات المتحدة بعض الموارد لتقييم الأشخاص المُثيرين للانتباه باستمرار”، واقترحت متابعة المهاجرين إلى الولايات المتحدة “على المدى الطويل”، بحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية الثلاثاء 6 فبراير/شباط 20188.
وفي حال تطبيق توصيات التقرير، سيُمثل هذا توسعاً ضخماً في سياسات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تستهدف العديد من المهاجرين المسلمين، وسيزيد كذلك نطاق عمليات الفحص التي تجري على الراغبين في دخول الولايات المتحدة لتشمل المقيمين داخل البلاد بصورةٍ قانونية، بما في ذلك الحاصلين على إقامةٍ دائمة.
وصَدَر التقرير بناءً على طلب كيفين ماك ألينان مفوض هيئة الجمارك وحماية الحدود بالولايات المتحدة في الـ22 من يناير/كانون الثاني وفقاً للمراسلات الداخلية لوزارة الأمن الداخلي التي اطَّلعت عليها فورين بوليسي. وتُشير الوثيقة إلى أن الهدف من التقرير هو “المطالبة بإجراء عمليات فحص على الزوار الذين يتوجهون إلى الولايات المتحدة، وفحص المهاجرين والتقييمات الدائمة للأفراد المقيمين داخل الولايات المتحدة الذين قد يكونون أكثر عرضةً للتطرف وتنفيذ أعمال العنف”.، بحسب المجلة الأميركية.
“السنة عرضة للأفكار الإرهابية”
وتُشير هيئة الجمارك وحماية الحدود في التقرير إلى قطاعٍ عريضٍ من السكان المسلمين السنة بأنهم “عرضةٌ للأفكار الإرهابية” مستقبلاً، وفقاً لعددٍ من مؤشرات الخطر: مثل كونهم من الذكور في مقتبل العمر وامتلاكهم جذوراً وطنيةً في “الشرق الأوسط أو جنوب آسيا أو إفريقيا”، بحسب تقرير الوكالة الأميركية.
وتنشر مجلة فورين بوليسي، التي راجعت وثيقة المسودة الأصلية والمراسلات المتصلة بها، نسخةً معدلةً من نص التقرير.
وتأتي مسودة تقرير هيئة الجمارك وحماية الحدود في أعقاب دراسةٍ مثيرةٍ للجدل أصدرتها وزارتا الأمن الداخلي والعدل في الـ16 من يناير/كانون الثاني، والتي ادعت أنَّ ثلاثةً من أصل كل أربعة أفرادٍ مُتهمين بجرائم الإرهاب الدولي أو الجرائم المرتبطة بالإرهاب كانوا من المهاجرين. واتهم النقاد ذلك التقرير المشترك بأنه يحتوي عدداً من المشاكل المنهجية الخطرة، ولم ينتقِ سوى المعلومات التي تدعم سياسات تقييد الهجرة التي تتبناها إدارة ترامب.
وقال مسؤولون حاليون وسابقون في وزارة الأمن الداخلي إنَّ مسودة تقرير هيئة الجمارك وحماية الحدود تتضمن المشاكل المنهجية نفسها.
وصرَّح مسؤولٌ في وزارة الأمن الداخلي راجع التقرير ورفض ذكر اسمه لأنه غير مصرحٍ له بالحديث عن المسألة، بأنَّ هذا التحليل المختص بالحوادث الإرهابية الذي يركِّز فقط على “النزعة القتالية الإسلامية السنية المتطرفة”، هو الناتج الوحيد من تحليلات التهديدات المتداولة داخل الوزارة حالياً على حد علمهم. وأوضح المسؤول أنَّ عنوان المسودة -“الملف الديموغرافي لمُرتكبي الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة منذ هجمات سبتمبر/أيلول 2001 يكشف تقصيراً في عمليات الفحص والتدقيق”- يُقصَد به أن يبدو شاملاً، بينما يقتصر في الواقع على حالاتٍ بعينها، بحسب الوكالة الأميركية.
وأضاف المسؤول نفسه: “أولاً، سيدفع هذا التقرير صناع القرار إلى فرض مراقبةٍ غير عادلةٍ وتمييزيةٍ على جماعاتٍ عرقيةٍ بعينها. وثانياً، فإنَّ التحليل الذي صيغ في قالبٍ تضليليٍ ليبدو وكأنه يُقدم تحليلاً شاملاً للإرهاب فيما بعد 11 سبتمبر/أيلول، سيقود صُنَّاع القرار إلى إغفال تهديداتٍ خطرة على الأمن القومي”.
وأعرب مسؤولٌ بارزٌ سابق في وزارة الأمن الداخلي عن قلقه بشأن الطريقة التي صيغ بها التقرير. وتابع: “أشعر أن الأمر أشبه بمخروط المثلجات الذي يلعق نفسه. إذ أنَّه أجاب على سؤالٍ لم يُطرَح تحديداً”.
وأضاف المسؤول السابق أنَّ التقرير يبدو وأنه اعتمد على “تصنيفٍ كاسحٍ للذكور في سن التجنيد ضمن مجموعةٍ محددةٍ بعينها من بين جميع فئات المهاجرين. ويُشكِّل هذا المنهج خطورةً متمثلةً في “التكهُّن بأنَّ جميع الأفراد المنتمين إلى فئةٍ بعينها لن يكونوا أميركيين كاملين أبداً”.
وقال مسؤولٌ سابق آخر في وزارة الأمن الداخلي إنَّ التركيز على مجموعةٍ بعينها من المسلمين أمرٌ مثيرٌ للقلق، في إشارةٍ إلى التحديدات الديموغرافية “الخطرة”. وأضاف: “الشيء المشترك الوحيد بين هؤلاء الأشخاص هو كونهم من المسلمين السنة. ونظراً إلى تركيز الدراسة على المسلمين السنة فقط، فلا يُعد الأمر نتيجةً، بل تصميماً سابقاً لهذه الدراسة”، بحسب التقرير.
وقالت مارغو شلانغر أستاذة القانون بجامعة ميشيغان التي راجعت الدراسة إنَّ التقرير حتى لو اُعتُبر واحداً من التقارير العديدة التي تُركِّز على مجموعاتٍ بعينها، فإنَّ المعلومات المحدودة المستخدمة في الدراسة متحيزةٌ للغاية ضد المسلمين السنة على نطاقٍ واسع، لأنَّ نتائجها لا تحدد نطاق السكان على نحوٍ ملحوظ.
وأضافت مارغو التي عملت مسؤولةً للحقوق المدنية والحريات المدنية بوزارة الأمن الداخلي في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما: “يقولون إنَّه يمكننا استخدام هذه المعلومات الديموغرافية للتعرف على الأشخاص الخطرين، لكنَّ المعلومات الديموغرافية التي حدَّدوها مُنتشرةٌ على الخريطة، وتضم مواطنين أميركيين وغير أميركيين، وسكاناً أصليين ومُجنَّسين، وأفراداً منتمين إلى الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا. لذا فهي تعني بوضوح أن كل مسلمٍ سنيٍ يحتاج إلى المزيد من الفحص والتدقيق”، بحسب المجلة الأميركية.
“برنامج تدقيق صارم”
جديرٌ بالذكر أنَّ توصيات هيئة الجمارك وحماية الحدود ليست أول مقترحٍ لتعزيز المراقبة الدائمة للأجانب في العام المنقضي 2017، إذ أعلنت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأميركية عن خططها لتأسيس برنامج “تدقيقٍ صارم” لجمع المعلومات من أجل مراقبة مجموعةٍ مختارةٍ من حاملي التأشيرة ذوي الخطورة العالية باستمرار.
ويختلف تقرير الفحص الخاص بهيئة الجمارك وحماية الحدود عن مقترحات الفحص الأخيرة لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، لكنَّهما يتشابهان في تركيزهما تحديداً على المسلمين السنة، ونتائجهما التي يمتد تأثيرها إلى أصحاب الإقامة الدائمة، وربماً يطول التأثير المواطنين الأميركيين على المدى الطويل. ووفقاً للتقرير، فإنَّ السكان المسلمين السنة الذين وصفتهم هذه المعايير بأنهم “أكثر عرضةً لأن يصبحوا متطرفين”، سيخضعون لتقييمات أكثر تشدَّداً من جانب سلطات الهجرة عند التقدم للحصول على التأشيرات أو المزايا أو حتى السماح بالسفر.
ويقال جون ساندويغ، المدير السابق لهيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك والمستشار العام في وزارة الأمن الداخلي: “ستستخدم هيئة الجمارك وحماية الحدود هذا النوع من التحليلات لتشديد خوارزميات المخاطر الخاصة بها. وتتمثل إجراءات التدقيق المكررة التي تُجريها هيئة الجمارك وحماية الحدود في التدقيق الإلكتروني، أو البحث عن بياناتك في جميع قواعد البيانات الخاصة بهم لمعرفة ما إذا كان هناك أي مُعلوماتٍ ازدرائيةٍ يُمكن أن يختاروك بها، أو مراجعة حساباتك على الشبكات الاجتماعية بحثاً عن أشياء متعلقةٍ بالإرهاب”، بحسب المجلة الأميركية.
لكن ساندويغ قال إنَّ التقييم قد لا يدل في حد ذاته على سياساتٍ جائرة. وأنَّ إصدار هذا النوع من التقارير من مكتب استخبارات هيئة الجمارك وحماية الحدود “أمرٌ مألوف”. وأضاف: “هناك العديد من المشكلات المتعلقة بكيفية تطبيق هذا النوع من الاستهداف، وبلا شك، يجب الأخذ في الاعتبار العمر وبلد المنشأ عند استهداف فئة معينة”.
لكنَّ آخرين يشعرون أن تحليل تصنيف المخاطر هذا غير معتادٍ لأنه يبدو وكأنه يستهدف المسلمين السنة من بين المهاجرين على وجه التحديد.
إذ قال جون كوهين، وكيل الوزارة السابق لشؤون الاستخبارات والتحليل في وزارة الأمن الداخلي: “التهديد الرئيسي الذي نواجهه اليوم يأتي من أشخاصٍ مولودين هنا. والتركيز على أولئك الموجودين في الولايات المتحدة بصورةٍ قانونية ولم يشاركوا في أنشطةٍ إجرامية هو إساءة استخدامٍ لموارد إنفاذ القانون. كما أن الإفصاح عن تطبيقك هذا الأمر سيزيد من توتر العلاقات بين قوات إنفاذ القانون وأفراد المجتمع”، بحسب المجلة الأميركية.
ويرى محامون قانونيون أنَّ هذا التقرير علامةٌ أخرى على موقف الإدارة العلني المناهض للإسلام.
وقال عابد أيوب المدير القانوني والسياسي الوطني لللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز: “هذا الأمر مثيرٌ للقلق بكل تأكيد. هذا هو التنميط العنصري حقاً. وهو استمرارٌ لمسلسل تجاهل التهديد الحقيقي في هذه البلاد المتمثل في المتعصبين للعرق الأبيض ومخططاتهم”.
وقالت شريفة عباسي محامية الهجرة للمجلة الأميركية إنَّ التقرير يُشير إلى سعي وزارة الأمن الداخلي لإعادة تطبيق برامجٍ مثل نظام الأمن القومي لتسجيل الدخول والخروج الذي أقرته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، والذي لم يكن يُسجِّل تقريباً سوى حاملي التأشيرات غير الأميركيين الذين يأتون من دولٍ ذات أغلبيةٍ مسلمة.
وأضافت شريفة: “ليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها المسلمون لهذا الموقف. وهذه وسيلةٌ أخرى تتبعها هذه الإدارة للتشهير ببعض الأعراق من أجل دعم مخططاتها القومية البيضاء”.
وقال المسؤول البارز السابق في وزارة الأمن الداخلي الذي أعرب عن قلقه بشأن التصنيف الكاسح المستخدم في التقرير إنَّ التقييم وتوصياته يبدو وكأنهما يعكسان الأهداف السياسية الأوسع نطاقاً لإدارة ترامب.
وأضاف المسؤول نفسه في إشارةٍ إلى اثنين من أبرز العاملين بحكومة ترامب والمعروفين بهجومهم على المسلمين المهاجرين: “حين تُصاغ سياسة الهجرة الخاصة بك على يد ستيفن ميلر وكاتي غوركا، يُصبح التطرُّف الحكومي والتجاوزات الوزارية أمراً مُشيناً للغاية”.