وتحظى زيارة الرئيس السيسى، لمسقط، بترقب وترحيب كبير فى عُمان، لما تكنه القيادة والشعب العُمانى، للرئيس السيسى، والشعب المصرى من تقدير، إلى جانب أنها تأتى فى خضم ما يعانى منه العالم حاليا من تجاذبات سياسية إقليمية وعالمية، وتؤكد الزيارة كذلك موقف مصر الثابت بشأن ضرورة الحفاظ على التضامن العربى فى مواجهة التحديات المختلفة التى تشهدها المنطقة وتأثيراتها المحتملة على الأمن القومى العربى، فضلا عن التأكيد على سياسة مصر الثابتة والراسخة التى تدفع دائما بالحلول السياسية للأزمات وضرورة تجنيب المنطقة المزيد من أسباب التوتر أو الاستقطاب وعدم الاستقرار.
مراسم استقبال السيسى فى عمان ستكون أرفع وأعلى من الرسمية
وعلى مستوى الاستعدادات لاستقبال الرئيس السيسى، فإن سفير مصر لدى سلطنة عمان، محمد غنيم، أكد – فى وقت سابق اليوم السبت – أن مراسم استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، ستكون على أرفع وأعلى درجة لأنها زيارة دولة، وهى أرفع وأعلى من أنواع الزيارات الأخرى، وتدل على أهمية الزائر وبلاده لدى الدولة المضيفة، وتجرى فيها مراسم استثنائية تكريمًا للضيف.
وأضاف غنيم، فى تصريحات له، أن السلطنة على أتم الاستعداد لاستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى، بمراسم استثنائية وخاصة، وذلك نابع من عمق وامتداد للعلاقات الأخوية الراسخة بين السلطنة وجمهورية مصر العربية.
وفى السياق ذاته، أكد ديوان البلاط السلطانى، بسلطنة عمان، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى، للسلطنة، الأحد، والتى تستغرق 3 أيام، تأتى امتدادا للعلاقات الأخوية الراسخة بين السلطنة ومصر الشقيقة، كما أكد الدكتور عبد المنعم بن منصور الحسنى، وزير الإعلام بسلطنة عمان، أن السلطنة قيادة وحكومة وشعبا، تتطلع للزيارة المرتقبة للرئيس السيسى، والتى سيكون لها بالغ الأثر فى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين فى مختلف المجالات وستكون فرصة للتشاور والتنسيق بين الجانبين حول مختلف القضايا العربية والدولية وذات الاهتمام المشترك.
السيسى يزور عمان لأول مرة منذ توليه رئاسة مصر
وتتناول الزيارة التى تعتبر الأولى للرئيس السيسى، منذ توليه مهام الرئاسة فى مصر، بحث ومناقشة سبل دعم وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، والتى تستمد قوتها من تعدد جوانب التعاون بين البلدين وتشعبها وعدم اقتصارها على جانب واحد، وثمة علاقات تجارية واقتصادية وإعلامية وثقافية قوية، بالإضافة إلى مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
والمتابع السياسى لمؤشر العلاقات العُمانية المصرية يلحظ أنها تشهد دوماً دفعات قوية للأمام، بفضل الانسجام فى المواقف والسياسات تجاه تطورات الأوضاع فى المنطقة، ونمواً مطرداً بفضل التوافق المشترك بين قيادتى البلدين – الرئيس السيسى والسلطان قابوس – فقد كان لعمان حضور متميز فى الفعاليات والنشاطات التى تشهدها مصر، وعلى سبيل المثال، شاركت السلطنة بوفد رفيع المستوى فى حفل تنصيب الرئيس السيسة، مروراً بالمشاركة فى المؤتمر الاقتصادى الذى عُقد فى مدينة شرم الشيخ فى مارس عام 2015، وكذلك المشاركة فى افتتاح قناة السويس الجديدة فى 6 أغسطس عام 2015، ثم جاءت زيارة يوسف بن علوى، الوزير المسئول عن الشئون الخارجية، إلى مصر فى ديسمبر عام 2016، لتؤكد بذلك دعم السلطنة لمصر فى إطار العلاقات الأخوية التى تربط البلدين، والحرص على دفع العلاقات الثنائية قدما فى شتى المجالات بما يحقق تطلعات الشعبين.
2017 عام توطيد العلاقات المصرية العمانية
ووفقاً للمراقبين، فإن عام 2017 هو عام مصرى – عُمانى بامتياز، إذ شهدت العلاقات دفعة قوية منذ بداية العام، تمثلت فى الزيارة غير العادية التى قام بها سامح شكرى، وزير الخارجية المصرى، إلى السلطنة، وتبعها فى أبريل من ذات العام زيارة يوسف بن علوى، الوزير المسئول عن الشئون الخارجية، للقاهرة، ومباحثاته مع الرئيس السيسى، الذى أكد حرص مصر على تطوير التعاون الثنائى مع عُمان فى مختلف المجالات، وتعزيز مستوى التنسيق والتشاور بين البلدين، معرباً عن تطلعه فى تفعيل مختلف أوجه العلاقات الثنائية وتحقيق تقدم ملحوظ فى التعاون الثنائى فى شتى المجالات، ثم جاءت زيارة سامح شكرى، للمرة الثانية للسلطنة فى 14 نوفمبر من ذات العام، فى إطار جولته العربية، لتؤكد على متانة العلاقة وخصوصيتها بين البلدين.
وأحدثت زيارة شكرى، الأولى للسلطنة دفعة قوية للعلاقات بين البلدين، إذ جاء بيان وزارة الخارجية المصرية مؤكداً أن العلاقات المصرية – العمانية، تمثل محور ارتكاز أساسى فى المنطقة العربية يستمد قوته من البعد التاريخى وعمق العلاقات الثنائية بين البلدين وتشعبها على مختلف الأصعدة، ووجود توافق فى الرؤى بين مسقط والقاهرة حول ضرورة التوصل لحلول سياسية لأزمات العالم العربى، وأهمية تكثيف وتيرة التشاور والتنسيق بين الدول العربية فى سبيل تحقيق هذا الهدف.
البرلمان المصرى يوصى بتكثيف التعاون التجارى مع سلطنة عمان
ومن أجل ضمان تحقيق النتائج المثمرة للزيارة، أوصت لجنة الشئون العربية بمجلس النواب المصرى، بتكثيف التعاون والتبادل التجارى بين مصر وسلطنة عمان، وسرعة تنفيذ وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين البلدين وإنشاء لجنة عليا مشتركة للتنسيق والتكامل بينهما، كما أوصت اللجنة بتعيين ملحق تجارى لمصر فى سلطنة عُمان بناء على طلب المصريين العاملين هناك لتسهيل التجارة بين البلدين، وتفعيل وتكثيف الدور المهم للجهود المصرية فى السلطنة بمختلف المجالات الثقافة والفنون والآداب لما لها من دور حيوى فى تعزيز الروابط الشعبية بين البلدين الشقيقين.
علاقات تاريخية متجذرة بين مصر وسلطنة عمان
وتشير الدراسات التاريخية، إلى أن العلاقات العُمانية المصرية، ليست بالعلاقات الحديثة، ولكنها ضاربة بعمق فى التاريخ القديم إلى ما قبل 3500 سنة، الأمر الذى أدى إلى إنتاج اتفاقات تجارية واقتصادية واسعة، تطورت مع الوقت وبعد قيام سلطنة عمان بمؤسساتها العصرية، إلى إنتاج أهداف سياسية واستراتيجية وروابط اجتماعية وثقافية واسعة، ومن ثم فإن تلاقى الأفكار والمواقف بين الدولتين تجاه قضايا المنطقة لم يأت من فراغ، بل كان للتاريخ والجغرافيا الأثر الكبير فى بلورة مواقف مشتركة بين الدولتين.
وسجلت الدراسات فى مصر عبر التاريخ تعاوناً بين البلدين فى عهد الملكة الفرعونية حتشبسوت فى أوج ازدهار عصر الإبحار والتجارة العمانية، وفى مستهل دخول الإسلام مصر، شاركت سلطنة عُمان رسميا بوفد عمرو بن العاص ونخبة من أشراف عمان من أبناء الأزد، واستمر منحنى العلاقات بين البلدين يسجل تقدماً مطرداً طوال الوقت.
ووطد السلطان قابوس، تلك العلاقات بموقفه التاريخى الرافض لمقاطعة الدول العربية لمصر بسبب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد، بل ودعا الأشقاء العرب إلى الوقوف إلى جانب مصر فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضى حتى عادت الدول العربية جميعا للعمل المشترك تحت مظلة الجامعة العربية من جديد بالقاهرة بعد أن كانت فى تونس.
السلطان قابوس: مصر عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى
ودشن خطاب السلطان قابوس عام 1984 بمناسبة العيد الوطنى الرابع عشر للسلطنة، مرحلة أخرى مهمة فى التفاعل المثمر للعلاقات المصرية العُمانية، إذ أكد عمق العلاقات ورسوخها قائلاً “لقد ثبت عبر مراحل التاريخ المعاصر أن مصر كانت عنصر الأساس فى بناء الكيان والصف العربى، وهى لم تتوان يوما فى التضحية من أجله والدفاع عن قضايا العرب والإسلام، وأنها لجديرة بكل تقدير”.
وأضاف “انطلاقا من الحرص الأكيد الذى تمليه وتحتمه علينا المصلحة المشتركة، فإننا ندعو إخواننا القادة العرب إلى نبذ خلافاتهم جانبا، والعمل بجد وإخلاص على تحقيق أهداف التضامن العربى التى أصبحت أكثر إلحاحاً من أى وقت مضى، وإننا نتطلع إلى نهج يعيد للعرب وحدتهم ومجدهم بين الأمم”.
وانتهجت سلطنة عُمان المواقف الداعمة لمصر، ففى خضم ثورات الربيع العربى عام 2011، حافظت البلدان على الأسس الراسخة لتلك العلاقات، بفضل السياسة الحكيمة التى اتبعتها السلطنة، وهى عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول الأخرى، ورأت أن الشعب المصرى هو من يقرر مستقبله، ثم أخذت العلاقات جرعات إضافية تمثلت فى الزيارات الرسمية العُمانية لمصر، لتؤكد على ثبات مواقفها، وفى هذا الإطار جاءت زيارة يوسف بن علوى بن عبد الله، الوزير المسئول عـن الشئون الخارجية، إلى مصر عام 2013، وكان قد استقبله المستشار عدلى منصور، رئيس الجمهورية – آنذاك – ليوجه رسالة إلى العالم بمواصلة دعم الأمن والاستقرار فى مصر.