يوسف القعيد : قاموس السيسى

الأهرام
بقلم : يوسف القعيد

حكاية وطن، كان عنوان المؤتمر، وربما كانت المرة الأولى يعقد مؤتمر يقدم فيه رئيس للمصريين كشف حساب بما قدمه خلال ولايته الأولى الموشكة على الانتهاء، فعل هذا حتى قبل أن يعلن ترشحه لولاية ثانية، ولم يقترب من موضوع ترشحه، فى الخطاب المطول الذى ألقاه، ركز على ما قدمه المصريون لمصر، وكان حريصاً على هذا المعنى أيام المؤتمر الثلاثة.

أعجبتنى كلمة حكاية، فهى مستخرجة من بطون الأدب، وتشير للحكايات التى هى عماد الأدب الروائى ابتداء من شهرزاد وليالى ألف ليلة وليلة، لم نشبع منها ولم يمل الناس سماع ما فيها من حكايات أقرب للأساطير، ولم يفقدوا متعتها.

لم يقتصر الأمر على عنوان المؤتمر، فالرئيس السيسى فى كلمته الطويلة ارتجل جزءاً منها واستأذن الحاضرين قبل أن يقرأ الأوراق التى معه، وطلب منهم الصبر لأنها طويلة، ختم الجزء الذى ارتجله من الكلمة، وقبل القراءة من الخطاب المعد بعبارات يمكن أن تشكل إضافة للبلاغة العربية.

قال إن المصريين كانوا يأكلون الجوع ويشربون العطش، وبالعقل فالجوع لا يؤكل، والعطش لا يشربه إنسان، وإن شربه لن يصل إلا إلى عذاب العطش، الجوع جوع والعطش عطش، ولكن فى قوانين البلاغة العربية وتراث الإعجاز اللغوى العربى، فإن الاستخدام اللغوى لأكل الجوع كطعام، وشرب العطش كماء الحياة. بلاغة من نوع جديد.

بيت الشعر الذى ختم به كلامه ولم يكن مدوناً فى الأوراق بيت شهير، حفظناه وسعدت أن الرئيس يتذكره، بيت من قصيدة: مصر تتحدث عن نفسها، لحافظ إبراهيم، العامود الثانى للشعر العربى فى زمن نهضته، وكان العامود الأول أحمد شوقى، والبيت يتحدث أنه إن قدر الله موت مصر – ونحن نقول لا قدر الله ولا كان – فلن نرى الشرق – كل الشرق – بعدها. يقول إن مصر عامود الخيمة ونقطة الارتكاز، لا أبالغ عندما أقول فى العالم كله، مصر دولة إقليمية عظمى وجدت لتبقى، وأصبحت لتقود، واستمرت لأن استمرارها شرط لاستمرار الحياة فى هذا الجزء من العالم، إن المعنى الذى دار فى خيالى عندما استمعت إلى البيت من الرئيس السيسى كان عبارة أرددها كثيراً جداً، العبارة تقول: لا مصر إلا مصر.

قبل إلقاء كلمته وجه تحية حارة وطلب منا الوقف تحية لشعب مصر، وأعتقد أن كلمتى الشعب ومصر ترددتا أكثر من أى خطاب سابق، وعندما طلب منا الوقوف تصورت أننا سنقف حداداً على شهداء قواتنا المسلحة والشرطة فى معركتنا الطويلة ضد الإرهاب. كانت المفاجأة أنه طلب منا أن نقف دقائق وليس دقيقة تحية لشعب مصر، صاحب مصر الحقيقى، وأن نحييه على ما قدمه وعلى وقوفه مع بلده.

قال السيسى إنه راهن على وعى الشعب وإدراكه مصلحة بلاده وثقته فى إخلاص قيادته، ومن يتابع خطابات الرئيس فى المرحلة الأخيرة مثلى سيدرك أن كلمة الوعى ترددت كثيراً فى هذه الخطابات، ورهانه على الوعى، وإيمانه بأهمية وعى المصريين، يتردد أكثر من مرة، والوعى والإدراك مسألة مهمة لأن كل ما يقوم به الإنسان يبدأ فى العقل الإنسانى سواء قرارات أو مواقف أو انفعالات. كل هذا يبدأ كفكرة، والفكرة تبدأ من العقل ومن الوعى والإدراك.

ليس جديداً على الرئيس عبد الفتاح السيسى أن يعتبر أن شعب مصر الأصل والأساس، الهدف والغاية، وأن حياة الشعب يجب أن تكون شغلنا الشاغل الذى نفكر فيه 24 ساعة كل يوم، لكنه لم يتكلم عن الشعب المصرى المنعزل عن وطنه العربى، ولا أمته الإسلامية، ينظر لمصر باعتبارها جزءاً من نسيج حضارى مهم، يرتبط بالإسلام والعروبة وإفريقيا، وبوابة لآسيا، ومعبراً لأوروبا، تناول لمصر يضعها فى سياقها التاريخى وإطارها الجغرافى.

سبق كلمة الرئيس عرض فيلم تسجيلى عنوانه: ملحمة شعب وحكاية وطن، أهم ملامحه هذا العشق الأبدى بين مصر وشعبها عبر صفحات التاريخ والانتقالات الكبرى التى مر بها المصريون.

فى ستينيات القرن الماضى كان الغناء سيد الموقف، كانت هناك أغانى الستينيات التى قضينا معها ليلة لن تحسب من العمر فى اليوم السابق على افتتاح المؤتمر. قضينا ليلة فى الأوبرا، أبدعت فيها إيناس عبد الدايم عندما كانت رئيسة للأوبرا، وبكت طويلاً عندما استمعت معنا لغناء الستينيات الجميل بعد أن أصبحت وزيرة للثقافة.

لكن ما جرى بالأمس تأثيره فى اليوم محكوم بشروط وملابسات اليوم وقوانينه الخاصة، طبعاً أتمنى شخصياً استعادة هذا الماضى، لكن تجارب الشعوب لا تتكرر كما وقعت أول مرة، حتى لو كان وقوعها فى المرة الأولى يشكل لنا الآن خيالاً لا يستطيع الإنسان استعادته ولا الاقتراب منه.

ليست المرة الأولى التى نشاهد فيلماً سينمائياً فى بداية مؤتمرات الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومعظمها من تنفيذ وإنتاج الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، برئاسة وقيادة اللواء محسن عبد النبى، لكن هذه المرة كان الفيلم طويلاً، وكانت موسيقاه التصويرية جديدة، شاهدنا تاريخ مصر الحديث عبر كاميرا السينما.

الحاضرون عاصروا الأحداث، ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولقطات من ثورة يونيو وما تبعها من انتخابات احتكمت إلى القانون والدستور، ورأينا نزول 35 مليون مصرى من تلقاء أنفسهم ليطالبوا عبد الفتاح السيسى بالترشح لرئاسة مصر، كانت مطالب شعب، لا دخل لأحد فيها، نزلوا بإرادتهم، ورغبتهم الإنسانية الفياضة يضعون أيديهم فى يد المشير السيسى – وقتها – ويفرضون عليه أن ينزل ليشترك معهم فى تخليص مصر من سنة كئيبة من حكم جماعة الإخوان التى حاولت جعل الوطن مشروعاً يخصها، وبدا أن هدفها تحويل المصريين لمجموعات من المتفرجين على وطنهم وهو ينهب ويستولى عليه.

تكامل بين الفيلم والخطاب الطويل. والأرقام مفرحة. ارتفع الاحتياطى النقدى لـ 37 مليار دولار، وانخفض العجز التجارى 20 ملياراً، تراجعت البطالة إلى 11.9%، المشروعات القومية استوعبت 3.5 مليون عامل، وتدفق الاستثمارات الأجنبية وصل لـ 14%، 300 مليون قروضاً ميسرة للشباب، بفائدة لا تتجاوز 5% للإنتاج، 63% اتفاقية لتطوير قطاع البترول.

ملحمة وحكاية المصريين. أوراق دخول مصر الجديدة التى لا بد أن يستعد المصريون لها من الآن.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …