هاف بوست عربي
ويوم الخميس 18 يناير/كانون الثاني 2018، أقال السيسي رئيسَ جهاز المخابرات العامة خالد فوزي، وعيَّن مدير مكتبه بدلاً منه. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، كان السيسي قد أقال رئيس أركان حرب القوات المُسلَّحة المصرية، الفريق محمود حجازي.
وفي بيانٍ مُقتَضَب، لم يُقدِّم مكتب السيسي سبباً لإقالة فوزي، الذي قاد جهاز المخابرات العامة منذ ديسمبر/كانون الأول 2014، وكان له الفضل في إحياء الجهاز بعد فشله في توقُّع اندلاع الربيع العربي في 2011.
تغيير مفاجئ
لكن هناك إشاراتٍ بأن القرار قد اتُّخِذَ على عجالة، لا سيما في اختيار السيسي مساعده لفترةٍ طويلةٍ من الزمن ورئيس مكتبه، عباس كامل، لشغل المنصب مؤقتاً إلى حين إيجاد من يخلفه فيه، وفق ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
ويأتي هذا التغيير المُفاجِئ في لحظةٍ حسَّاسة بالنسبة للرئيس المصري، الذي من المُتوقَّع أن يُعلِن قريباً ترشُّحه لفترة رئاسية ثانية، في سباقٍ رئاسي يبدأ في مارس/آذار 2018، وقبل أيامٍ من زيارة مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، القاهرة. وكان من المُفتَرَض أن تأتي الزيارة في ديسمبر/كانون الأول 2017، لكنها أُجِّلَت إلى لسبت 20 يناير/كانون الثاني 2018.
وليس من المُتوقَّع أن تُمثِّل الانتخابات مشكلةً بالنسبة للسيسي. وكان مُرشَّحون مُحتَمَلون عديدون قد تقدَّموا بشكاوى من تعرُّضهم لضغوطٍ من أجل انسحابهم من السباق الرئاسي، أو تعرُّضهم لملاحقةٍ قضائية، أو تهديدهم بمحاكماتٍ في قضايا فساد.
وقال أنور السادات، وهو ابن شقيق الرئيس المصري الأسبق، السادات، الذي تراجَعَ عن ترشُّحه للانتخابات الرئاسية، في بيانٍ له يوم الإثنين 15 يناير/كانون الثاني 2018، إن المناخ العام لا يوحي بـ”منافسةٍ نزيهة”.
إسقاط أقرب حلفائه
لكن السيسي يواجه تحدياتٍ كبرى على صعيد السياسة الخارجية، وهي المساحة التي مارَسَ فيها جهاز المخابرات العامة في ظلِّ رئاسة خالد فوزي تأثيره بقوة، في بعض الأحيان من خلال تنحية وزارة الخارجية جانباً، وفقاً لما يقوله مُحلِّلون.
وقد رعت المخابرات العامة اتفاقَ وحدةٍ بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 2017، واضطلعت بدورٍ في العلاقات مع الولايات المتحدة، وأثبتت نفسها كطرفٍ في النزاع المصري مع إثيوبيا حول سدٍ ضخم تعمل أديس أبابا على بنائه على نهر النيل.
ويأتي قرار الإقالة أيضاً في ظلِّ تحقيقٍ جنائي يخص مقالاً نُشِرَ مؤخراً في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية حول تسجيلاتٍ صوتية مُسرَّبة لضابطٍ استخباراتي مصري. وتناول المقال الجهود السرية الرامية إلى توجيه الرأي العام المصري في صالح الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وهو موقفٌ مناقضٌ لموقف مصر المعلن.
واعتَرَضَ المسؤولون المصريون على التقرير، الذي أثارَ ضجةً في البرلمان؛ إذ قال بعض النواب إنه جزءٌ من مؤامرةٍ دولية لإحراج مصر، بينما خَضَعَ واحدٌ على الأقل من الأشخاص المُتورِّطين في التسجيلات المُسرَّبة لتحقيقاتٍ أمام النيابة.
وقد أُثيرَت ضجةٌ أيضاً فيما يتعلَّق بالسد الإثيوبي، الذي تبلغ تكلفته 4.8 مليار دولار، والذي من المُفتَرَض استكمال بنائه بحلول العام المقبل (2019). ويخشى خبراءٌ مصريون من أن يقلص السد حصة مصر من مياه النيل بعد ملئه، ويقول خبراءٌ إن هذه العملية ستستغرق فترةً من 3 إلى 12 سنة.
وظَهَرَ السيسي مُتجهِّماً في لقاءٍ عُقِدَ بالقاهرة، الخميس 18 يناير/كانون الثاني 2018، مع رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلي ديسالين، حيث فشل الطرفان في حلِّ النزاع حول السد. وفي مؤتمرٍ صحفيٍ مشترك، تحدَّثَ السيسي عن “القلق البالغ” إزاء عدم إحراز تقدُّم.
ويُمثِّل كلٌ من النزاع حول حصة مصر من مياه النيل، والجدل حول الموقف من القدس، مصدرَي إزعاجٍ للسيسي. وبصرف النظر عن سبب إقالة فوزي، تؤكِّد الإقالة أن الزعيم المصري مستعدٌ لإسقاط أقرب حلفائه إذا رأى في ذلك مصلحةً كبرى.
جهاز المخابرات العامة: القناة الهامة
وكان قرار السيسي إقالة الفريق حجازي، رئيس أركان القوات المُسلَّحة، قد قوبِلَ بصدمةٍ، لا سيما أن علاقةَ نسبٍ تربط بين الرجلين. فواحدٌ من أبناء السيسي متزوجٌ بابنة حجازي.
وكان قرار إقالة حجازي، مثل إقالة فوزي، مُفاجِئاً وغير مُتوقَّعٍ ولا تفسير له. لكنه كان تالياً على مواقف تعرَّضَت فيها حكومة السيسي للإحراج؛ في حالة الفريق حجازي، وقعت قواتٌ أمنية في فخٍ عسكري أسفر عن مقتل 16 عنصراً أمنياً.
وجزئياً، بفضل جهود فوزي لاستعادة النفوذ، صار جهاز المخابرات العامة قناةً هامة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر خلال السنوات الأخيرة. واستعان جهاز المخابرات بوكالة ويبر شاندويك، وهي وكالة علاقات عامة مقرها نيويورك، لتمثيل مصالحه.
“شخص صعب وغريب”
لكن وفقاً لأندرو ميلر، من مشروع الديمقراطية بالشرق الأوسط، وجد بعض المسؤولين الأميركيين صعوبة في التعامل مع فوزي، الذي دعم الإجراءات الصارمة ضد وكالات المساعدات الأجنبية بمصر ورأى أنَّ مشكلات مصر نتيجةٌ للتدخل الأجنبي.
وأضاف ميلر، الذي كان يعمل متخصصاً بالشؤون المصرية في وزارة الخارجية الأميركية حتى 2017، أنَّ فوزي شخصٌ غريب يؤمن بنظرية المؤامرة بطبيعته ويحمل الكثير من الشكوك المناهضة للولايات المتحدة. وتابع: “يعتقد أنَّ انتفاضة 2011 كانت نتيجة لمؤامرة خارجية وليست ثورة داخلية”.
ويُعتبَر عباس كامل، مدير المخابرات الجديد، شخصاً أكثر اعتدالاً بحسب الصحيفة الأميركية. وهو ضابطٌ سابق بالجيش، عمل مديراً لمكتب السيسي، حين كان الأخير مديراً للمخابرات الحربية، بين عامي 2010 و2012. وظلَّ مع السيسي بعدما ولّاه الجيشُ السلطة في عام 2013، لكنَّه تعرض للحرج بسبب سلسلة من التسريبات الصوتية، التي يبدو أنَّها سُجِّلت في مكتبه، ويمكن فيها سماع السيسي وجنرالاته وهم يسخرون من البلدان العربية ويناقشون خططاً للتلاعب بالرأي العام.
ومن المُرجَّح أن يحتفظ نجل السيسي، محمود، الذي يعمل في جهاز المخابرات العامة، بدورٍ نافِذ هناك. وقال ميلر إنَّ محمود السيسي رافق فوزي في زيارةٍ إلى واشنطن، بمناسبةٍ واحدة على الأقل للقاء مسؤولين من إدارة أوباما.