رأي اليوم :

الرئيس عباس يطالب الاقباط بالحجيج الى القدس المحتلة وكسر “فتوى” البابا شنودة.. فكيف “يحلل” امرا “محرما” عليه؟ وهل عدم زيارة العرب لأهلنا في الاراضي المحتلة عام 1948 لستين عاما قلل من انتمائهم الوطني والعربي؟

بعد يومين من صدور البيان الختامي للمجلس المركزي الفلسطيني التي جاءت مخيبة للآمال بسبب الصياغات حمالة الأوجه للقرارات، والتملص من أي التزام حقيقي بسحب كارثة الاعتراف المجاني بدولة الاحتلال والغاء اتفاقات كامب ديفيد والتنسيق الأمني، ها هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتحول الى داعية للتطبيع، ورافضا لكل اشكال المقاومة التي يمكن ان تتصدى فعليا للاحتلال، وتعيد الهيبة والاحترام للشعب الفلسطيني.

في كلمته التي القاها امام مؤتمر الازهر العالمي لنصرة القدس الذي دعا الدكتور احمد الطيب شيخ الازهر لعقده للرد على قرار ترامب دعم تهويد المدينة المقدسة، ونقل سفارة بلاده اليها، دعا العرب والمسلمين الى زيارة القدس المحتلة كخطوة ضرورية لنصرتها والحفاظ على هويتها.

هذه ليست المرة الأولى التي يردد فيها الرئيس الفلسطيني هذه المقولة، ومن المؤكد انها لن تكون الأخيرة، فلا يترك مناسبة الا ويكررها مدعومة بمقولة ان “زيارة السجين ليست تطبيعا مع السجان”، ومن المفارقة ان صاحب هذه الدعوة، أي الرئيس عباس، لا يستطيع زيارة المدينة المقدسة، ولا حتى مدينة صفد المحتلة، مسقط رأسه، فكيف يحلل للآخرين ما هو محرم عليه، وهو رئيس سلطة قدمت عشرات التنازلات، وابرزها 80 في المئة من ارض فلسطين التاريخية دون الحصول على العشرين في المئة الأخرى.

نظرية الرئيس عباس التي تقول ان زيارة القدس المحتلة وفلسطين تحافظ على هويتها العربية مردود عليها، ليس لان السيادة المغتصبة على هذه المناطق هي في يد سلطة الاحتلال الذي يملك مفاتيح كل البوابات والحدود، وانما لان من يحافظ على هذه العروبة هم أهلها المرابطون على ارضها ويقدمون ارواحهم ودماءهم حفاظا عليها.

كل زائر للقدس المحتلة، حسب الحاح الرئيس عباس، سيذهب الى السفارات الاسرائيلية للحصول على تصريح بالدخول وعليه ان ينفق مئات او آلاف الدولارات اثناء هذه الزيارة التي قد لا تقتصر على القدس وانما تمتد الى مستشفيات وفنادق ومنتجعات إسرائيلية ستذهب في معظمها الى الاقتصاد الإسرائيلي، والفتات منها الى أهالي المدينة المحتلة، وبائعي بسطاتها وبضائعها التذكارية، ولو أدركت الحكومة الإسرائيلية ان ما يحدث هو العكس لأغلقت الحدود فورا في وجه الزوار العرب، مثلما تغلقها في وجه الكثير من الزوار الفلسطينيين أبناء الأرض القادمين من المنافي في أوروبا وامريكا والدول العربية، ناهيك عن أهالي قطاع غزة.

أهلنا الصامدون في الأراضي المحتلة عام 1948 تعرضوا لعزلة ولمقاطعة عربية على مدى ستين عاما، وكانوا يرون اشقاءهم العرب في المجلات والأفلام فقط، ومع ذلك تمسكوا بهويتهم العربية بشكل اقوى حتى من بعض اقرانهم، ورفضوا مطلقا التخلي عنها، والرضوخ لضغوط الذوبان في الكيان الصهيوني، ولا نستبعد ان يقوم الرئيس عباس بالدعوة الى زيارتهم أيضا لتعميق التطبيع مع دولة الاحتلال، وتعزيز اقتصاده أيضا.

كنا نتمنى في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان يتحدث الرئيس عباس في كلمته تحت قبة الازهر الشريف عن الانتفاضة وكيفية اشعال فتيلها، وحث الدول العربية والإسلامية على دعمها، وتقديم الأمثلة على تضحيات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ضد الاحتلال، والشهداء الذين سقطوا دفاعا عن كرامة الامة في أكثر من ثماني حروب، وكذلك عن الحرب الامريكية التي أعلنها الرئيس ترامب ضد الشعب الفلسطيني بتنفيذ تهديداته بوقف الدعم لمنظمة غوث اللاجئين (الاونروا) التي توفر الحد الأدنى من سبل الحياة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، ولكنه لم يفعل، واكد تمسكه بعملية سلام متعفنة، وتأكيده بأنه لن يذهب الى الإرهاب والعنف، في رسالة واضحة ليس للحضور، وانما لامريكا وإسرائيل.

القرار الأمريكي بتجميد المساعدات عن منظمة “الاونروا” لا يعني تجويع خمسة ملايين فلسطيني فقط، وانما خطوة على طريق مخطط لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، مثلما تنص بنود “صفقة القرن” التي يتبناها الرئيس ترامب ويريد فرضها على العرب والفلسطينيين، ووضع مضمونها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ليت الرئيس عباس كان على الدرجة نفسها من الوعي التي يتحلى بها الاشقاء الاقباط في مصر الذين رفضوا التطبيع والذهاب للحج الى القدس المحتلة استجابة للبابا شنودة وتعاليمه ووصيته، واطلاق دعوته برفع “الفيتو” عن زيارة القدس وفي حضور البابا تواضروس، خليفة الراحل البابا شنودة، بل اقدم على كسر هذا “الفيتو” الوطني العظيم الذي اكد مجددا على وطنية القيادة القبطية وانصارها، وحفاظهم على هوية القدس العربية، وكأنه يقول للأشقاء الاقباط تدفقوا الى القدس المحتلة، وانا اعطيكم “فتوى” فلسطينية بذلك.

إسرائيل تضم المستوطنات التي تبتلع أكثر من نصف الضفة الغربية، وكل القدس المحتلة، وتنسف حل الدولتين، وتمارس القتل والقمع والتهويد في ابشع صورهم، ورئيس فلسطين ما زال يؤمن بالعملية السلمية الميتة، ويطالب العرب بالتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.. انها قمة المأساة.

“راي اليوم”