كتب: شمس الدين النقاز (وطن – خاص) عاشت خلال الأيام الثلاث الماضية، مناهضة لقانون المالية 2018 سرعان ما رافقتها أحداث عنف وسرقة ونهب وحرق للمنشآت العامة والخاصة، خلّف حالة من الهلع والصدمة في صفوف التونسيين الرافضين لسياسة “التفقير” التي تنتهجها الحكومة والعنف والبلطجة التي تمارسها عصابات روّعت المواطنين وشوّهت المحتجّين.

 

فبعد خروج مظاهرات عفوية تطالب بإسقاط فصول من قانون المالية المُصادق عليه مؤخّرا تحت قبّة البرلمان، سارعت أطراف “مجهولة” لحرف مسار الاحتجاجات وجرّها للفوضى، بهدف شيطنتها وتبرير استخدام القوّة من قبل قوات الأمن وإظهار حكومة يوسف الشاهد في موقع ضعف.

 

خروج عن السيطرة

تفاصيل القصّة تعود إلى مساء يوم الاثنين الماضي، عندما توسعت الاحتجاجات لتصل مناطق قريبة من العاصمة التونسية، أين لقي مواطن يدعى “خمسي اليفرني” حتفه في مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين غاضبين في بلدة طبربة التابعة لولاية منّوبة، ما تسبّب في خروج الأمور عن السيطرة وحرق ونهب ممتلكات عامّة وخاصّة في المدينة وفي مناطق أخرى قريبة من العاصمة على غرار حيّي التضامن والانطلاقة.

 

وفي وقت أعلنت فيه وزارة الداخلية أن القتيل توفي بسبب مرض مزمن (ضيق التنفس)، تؤكّد عائلة “اليفرني” وشهود عيان أنّ سيّارة أمنيّة دهسته أثناء خروجه للتظاهر ليلا، ليبقى الجدل قائما إلى حين صدور تقرير الطبّ الشرعي الذي ستكون له الكلمة الفصل.

واتسعت عمليات النهب والسرقة خلال الأيام الثلاثة الماضية، في موجة جديدة من الاحتجاجات ضد ارتفاع الأسعار والغلاء، بينما اضطرت إلى تعبئة وحداتها للتصدي لعمليات سطو على منشآت تجارية وعمومية يقودها عناصر من المحتجين.

 

واشتبك محتجون مع رجال الأمن في منوبة وبن عروس وبنزرت وسليانة وباجة والقصرين وسوسة والمهديّة وأحرقوا إطارات مطاطية كما قطعوا طرقا رئيسية، ممّا أجبر الجيش على الدفع بوحدات عسكرية في بعض المدن لحماية المنشآت العامة من بينها القصرين وقبلي وقليبية.

 

واستنكر التونسيون بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم، عمليّات النهب والسرقة الأخيرة التي راح ضحيّتها العشرات، في وقت أعلنت فيه أحزاب وشخصيات ومنظمات نقابية ومن المجتمع المدني، مساندتها للتحرّكات الاحتجاجية السلميّة ورفضها استخدام العنف.

 

هو السبب

واعتبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي هو نتيجة لفشل سياسات الحكومات في إيجاد حلول جذرية لأزمة البطالة والتشغيل والتنمية، ولخضوعها لإملاءات صندوق النقد الدولي والدوائر المالية العالمية التي لا تخدم مصالح تونس وشعبها.

 

وحذّرت المنظمة الحقوقية المستقلّة من خطورة انعكاسات قانون المالية على النسيج المجتمعي والسلم الاجتماعي وما يمثله من اعتداء على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، داعية إلى مراجعته جذريا في اتجاه التخفيف من أعبائه.

 

واعتبرت أن المعالجة الأمنية العنيفة للاحتجاجات السلمية من شأنها أن تؤجج الأوضاع وتزيد من الاحتقان وتتيح الفرصة للمخربين للنهب والاعتداء على الأملاك والمنشئات العمومية والخاصة.

ونددت بالإيقافات التي طالت العشرات من النشطاء والمتظاهرين والمحتجين السلميين والتعامل العنيف والفج الذي أدى إلى وفاة متظاهر بجهة طبربة، وطالبت بفتح تحقيق جدي وشفاف لتحديد أسباب وفاته، مذكرة بأن الحركات الاحتجاجية والسلمية لا تكون معالجتها بالإحالة على القضاء بل تستند إلى الحوار وإيجاد الحلول الكفيلة بمعالجة الأوضاع.

 

عصابات منظّمة

ويرى مراقبون أن الأحداث التي عاشتها تونس خلال الأيام الماضية لم تكن تحرّكات احتجاجية وإنما عمليّات تخريب تقوم بها عصابات منظّمة مدعومة من رجال أعمال وسياسة ومهرّبين يهدفون لجرّ البلاد لمستنقع الفوضى.

 

ويهدف هؤلاء من خلال تحريض بعض الشباب للخروج ليلا للسلب والنهب وتخريب المنشآت العامّة والخاصّة، لجرّ البلاد للعنف حتّى يحقّقوا أهدافهم المتمثّلة أساسا في تأجيل موعد الانتخابات البلديّة القادم.

في ذات السياق، لم يستبعد محلّلون أن تكون أحداث العنف الأخيرة منظّمة وبإشراف غرفة عمليّات الثورة المضادّة، بهدف إعادة تكريس الدكتاتورية وإظهار فشل المشروع الديمقراطي في تونس.

 

واتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد بشكل علني وصريح الجبهة الشعبية بعلاقاتها بشبكات الفساد التي تحرض على الفوضى والعنف، من خلال تجنيد الشباب، وبتقاطع مصالحها مع الجهات السياسية، داعيا إلى فتح تحقيق للكشف عن المتورطين في أعمال التخريب، مشيرا إلى أن نواب كتلتها صوتوا على قانون المالية في البرلمان ثم انطلقوا في التظاهر ضده.

 

بدورهم قال مسؤولون بحركة النهضة إن الجبهة الشعبية صوتت على قانون المالية وتحديدا على الفصل 39 الخاص بالزيادة في الضريبة على القيمة المضافة والفصل المتعلق بالضريبة على الاستهلاك نكاية في النهضة التي رفضت ضمن لجنة المالية تمرير هذا الفصل.

 

الجبهة الشعبية تردّ على الاتهامات

وعلى إثر اتهامات الشاهد، أوقفت قوات الأمن نشطاء بالجبهة الشعبية بسبب “مشاركتهم” في الاحتجاجات الأخيرة.

 

ووفق وزارة الداخلية التونسية، فقد ارتفع عدد الموقوفين منذ الاثنين إلى أكثر من 600 شخص.

 

بدوره، قال النّاطق باسم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، إنّ الاتهام الذي وجّهه رئيس الحكومة للجبهة، بالتحريض على التخريب، هي “محاولة منه للتغطية على فشله وفشل الائتلاف الحاكم والتغطية على الفساد والصراعات داخل الائتلاف الحاكم”.

 

وأضاف الهمامي “كلام رئيس الحكومة غير مسؤول وهو دليل على تخبط الائتلاف الحاكم، الذي لم يتوقع ردة الفعل الشّعبية حول الإجراءات المدمّرة لقانون المالية”.

 

وتابع ”رئيس الحكومة يريد أن يغطي على فشله وفشل حكومته ويغطي على الفساد في الائتلاف الحاكم المتواطئ مع شبكات التهريب، بتوجيه التهمة للجبهة الشّعبية” مشيرا إلى أنّ العصابات التي تنفذ عمليات تخريبية خلال الاحتجاجات قد تكون لها علاقة بلوبيات ومافيات لها صلة بالصّراعات داخل الحكومة وداخل حزب يوسف الشاهد” حسب تعبيره.

 

كما أشار حمّة الهمامي، إلى أنّ الأعمال التخريبية، هي تلك التي تنفذها عصابات إجرامية تحت جنح الظّلام باستخدام الأسلحة، مؤكدا أن الجبهة الشعبية نددت منذ اليوم الأول للاحتجاجات، بالاحتجاج ليلا، ودعت إلى الاحتجاج في النهار ”دون خوف من القمع ولا من الائتلاف الحاكم الفاشل”.

 

ودعا الهمامي، التّونسيين، إلى الاحتجاج نهارا في كنف السلمية، من أجل إسقاط الإجراءات التّدميرية لقانون المالية ”الجائر”، الذي جاء لـ”تنفيذ إملاءات صندوق النّقد الدّولي والمؤسّسات المالية العالمية، وهي إملاءات ينفذها بوسف الشّاهد والائتلاف الحاكم بطريقة ذليلة بهدف بيع البلاد إلى رأس المال الأجنبي”، حسب وصفه.

 

دعوة إلى تعبئة بالعاصمة

وبدأت حركة الاحتجاج ضد الغلاء مع بداية العام عبر حملة “فاش تستناو (ماذا تنتظرون)”، ودعا ناشطو الحملة إلى تعبئة بالعاصمة غدا الجمعة، للمطالبة بالإفراج عن المحتجين السلميين.

 

وقرر عدد من الأحزاب والمنظمات والجمعيات، النزول إلى الشارع في مسيرة وطنية مشتركة تحت شعار “تونس تستعيد ثورتها”، وذلك يوم الأحد القادم بالتزامن مع الذكرى السابعة لسقوط نظام زين العابدين بن علي، في خطوة تصعيدية تهدف إلى توسيع دائرة الاحتجاجات، والضغط على الحكومة للتراجع عن قانون المالية.

 

ودعا ائتلاف المعارضة الذي يقوده حزب الجبهة الشعبية في بيان له، كافة مناضليه ومناضلاته في مختلف جهات البلاد إلى تنظيم تحركات مشتركة رافضة لما أسماه ميزانية تفقير الشعب وتدمير قدرته الشرائية، وطلب من المحتجين الالتزام بالطابع السلمي لنضالاتهم وتوخي اليقظة والتصدي لكل محاولات النهب والاعتداء على الملك العام والخاص.

 

الجيش في الشوارع من جديد

وأعلنت ، الخميس، عن نشر أكثر من ألفي جندي في عدّة مدن من البلاد لحماية المقرات السيادية، دون أن تكشف عن سبب هذا الإجراء.

 

وقال الناطق باسم وزارة الدفاع، ، إن نشر القوات “تم بالتنسيق مع السلطات المدنية (الولاة)” من أجل حماية المقرات السيادية والمنشآت الحساسة والحيوية”،

 

وأوضح أنه “في مرحلة أولى، نشر مساء الثلاثاء، ألفا جندي في 123 نقطة مختلفة من البلاد”، ثم ارتفع عددهم ليبلغ أكثر من 2100 عسكري مساء أمس الأربعاء.

 

وبعد سنوات من التباطئ الاقتصادي وتوظيف أعداد كبيرة في القطاع العام، لجأت تونس إلى صندوق النقد الدولي وحصلت في العام 2016 على خطة مساعدات جديدة بقيمة 2,4 مليار يورو على أربع سنوات مقابل برنامج يهدف إلى خفض العجز في الموازنة.

 

ورغم استئناف النمو، انهار الدينار مقابل الدولار فيما فاقت نسبة التضخم 6 بالمائة نهاية 2017 في حين فرضت موازنة عام 2018 ضرائب جديدة وزادت الضريبة على القيمة المضافة، ما يثقل تكاليف المعيشة.