تعتبر جزر القمر دولة صغيرة في شرق أفريقيا تتمتع بشواطئ بيضاء مذهلة، مع بركان نشط كبير، وعدد صغير للغاية من السكان يبلغ فقط 800 ألف، ويعيش نحو 150 ألفا من مواطني جزر القمر في فرنسا، التي كانت تحكم جزر القمر حتى عام 1975، وفي الإمارات العربية المتحدة، يحمل ما يقدر بـ40 ألف شخص جوازات سفر من جزر القمر أيضا.
غير أن حاملي جنسية جزر القمر في الإمارات لا يتكلمون لغة بلدهم، ولا يشبهون سكان الجزيرة جسديا أو ثقافيا، فهم لم يولدوا هناك، ولم يكونوا هناك أبدا، وفي الواقع، حتى وقت قريب، كان هؤلاء القمريون عديمي الجنسية من الناحية القانونية، أو ما يسمى بـ«البدون».
ويصف مسمى «البدون» العائلات التي تعيش في المنطقة ولكن لم تحسب أبدا في التعدادات بسبب انتمائها القبلي، ومستوى الأمية، وأصلهم العرقي، ولا يمكن لهم الوصول إلى مسؤولي الدولة، ولم تقم الحكومة الإماراتية بإصدار بيانات حول تعداد السكان «البدون»، لكن تتراوح التقديرات أنهم بين 20 إلى 100 ألف.
ولا تعتبر الإمارات «البدون» مواطنين إماراتيين حقيقيين، ولم ترغب في منحهم الجنسية حتى لا يعني ذلك حصولهم على نفس مزايا الرعاية الاجتماعية السخية التي يتمتع بها المواطنون.
وقبل 9 أعوام، خرجت الإمارات بحل؛ حيث إنها بدلا من جعل «البدون» بلا جنسية، بدأت تدفع لحكومة جزر القمر مئات الملايين من الدولارات لإصدار جوازات سفر لهم.
وكنت قد تحدثت عن مبيعات جوازات السفر في كتابي لعام 2015 «المواطنون العالميون»، وحتى ذلك الحين، كان البرنامج محاطا بالسرية، وقد دفعت تقاريري برلمان جزر القمر للتحقيق في هذا المخطط، ولم تصدر الحكومة النتائج التي توصلت إليها، ولكن الوثائق المسربة تعطي المعنى الأكثر دقة لمقياس برنامج «المواطنة الاقتصادية».
وتعد المبالغ النقدية بالنسبة لهذا البلد الصغير مذهلة، ومع دفع نحو 4 آلاف يورو لكل جواز سفر، كلف البرنامج الإمارات ما لا يقل عن 200 مليون يورو منذ عام 2008، أو ثلث الناتج المحلي الإجمالي لجزر القمر سنويا.
وأرسل الإماراتيون الأموال في البداية من خلال وسطاء تعهدوا بتعزيز البنية التحتية للجزيرة، لكن عندما لم تكن تلك الخطط التنموية في مستوى التوقعات، بدأ الإماراتيون في تحويل الأموال مباشرة إلى بنك جزر القمر المركزي، من حساب تسيطر عليه وزارة الداخلية في أبوظبي.
وعلى الرغم من المخاوف الموثقة توثيقا جيدا بشأن مبيعات جوازات السفر غير القانونية وغسل الأموال واستنزاف الأموال العامة من قبل الوسطاء والمسؤولين الحكوميين، استمرت مبادرة «المواطنة الاقتصادية» لما يقرب من عقد من الزمان.
وفي 25 أبريل/نيسان الماضي، أرسلت سفارة جزر القمر في أبوظبي رسالة إلى وزارة الداخلية تفيد بأن 830 طفلا دون سن الثامنة قد سجلوا كمواطنين.
وعلى السطح، يبدو أن الجميع يخرج من هذا الترتيب الغريب فائزا؛ حيث يحصل عديمو الجنسية على جوازات السفر التي تساعدهم على العيش والعمل والسفر، وتحصل جزر القمر – البلد الفقير – على المال الذي تحتاج إليه، ويمكن للإمارات الزعم بأنها تساعد على إنهاء حالات انعدام الجنسية التي تؤثر على 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم التي تهدف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للقضاء عليها بحلول عام 2024.
معضلة بلا حل
ولكن هناك شيء أكثر من هذا يجري، فقد مكنت جوازات السفر الإمارات من تلافي مشكلة انعدام الجنسية دون التوقيع على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ودون منح الحريات المدنية أو الحقوق السياسية لهؤلاء المواطنين، أما مواطنو جزر القمر الذين لم يذهبوا إلى جزر القمر يوما، فإنهم يقيمون في الإمارات الآن كمواطنين أجانب.
ومما يبعث على القلق أيضا هو مدى توفير الاختيار للأشخاص عديمي الجنسية في هذه المسألة، ووفقا للمقابلات التي أجريت مع مسؤولين في جزر القمر ومحامين وناشطين في مجال الهجرة، فإن الإمارات لا تدفع ثمن الأوراق فحسب، بل تساعد أيضا المسؤولين في جزر القمر على استدعاء وتوثيق «البدون».
ومن المعروف أيضا أن المسؤولين في وزارة الداخلية في الإمارات يضغطون على مقدمي الطلبات ليصبحوا مواطنين لجزر القمر، برفض منحهم تراخيص القيادة وتهديدهم بعدم السماح لأطفالهم بالتسجيل في المدرسة.
وقد عرضت بلدان صغيرة كثيرة – مثل فانواتو ومالطة – مؤخرا جوازات سفرها للبيع، وقد مهد سوق المواطنة هذا الطريق لسيناريو جزر القمر، من خلال تحويل جوازات السفر إلى شيء يمكن شراؤه مثل أي سلعة أخرى.
لكن معظم هذه البلدان تقوم بتسويق جنسيتها لأثرياء يسعون للحصول على جواز سفر آخر، لجعل السفر أو الخدمات المصرفية الدولية أسهل، أما في حالة جزر القمر، فإن الدولة الإماراتية تدفع بلدا فقيرا لشيء لم يختره إلا للحاجة المالية.
ويساعد جواز سفر جزر القمر الأشخاص عديمي الجنسية على السفر والتعامل بسهولة أكبر مع البيروقراطية اليومية، ولكنه يمثل أيضا سابقة مخيفة، ومن السهل تصور سيناريو تضطر فيه جماعات كبيرة من النازحين أو الأقليات في بلد يرفضهم إلى أخذ جنسية أجنبية تحت الإكراه، ثم يتم إرسالهم بعيدا، مع إعفاء وطنهم الأم من أي مسؤولية قانونية.
بلا مسؤولية
والأهم من ذلك، أن البرنامج يخلو من المسؤولية الأمنية، وقال تقرير جديد أعده أعضاء برلمان جزر القمر إن العناية الواجبة بطالبي جواز السفر غير موجودة، وقد تم القبض على بعض المسؤولين الذين يبيعون جوازات سفر إلى الأجانب، مع بيع آلاف الوثائق عبر شبكات موازية.
وتشير وثائق أخرى إلى أن متسلمي جوازات السفر في جزر القمر ليسوا مجرد أشخاص عديمي الجنسية، حيث إن منهم أشخاص ولدوا في بورما وبنغلاديش وإيران وبلدان أخرى، فضلا عن حفنة من الغربيين، ومن غير الواضح ما إذا كانوا قد وقعوا سرا على الطلب في إطار البرنامج الإماراتي، أو إنهم اشتروا أوراقا جديدة لأنفسهم من خلال وسطاء.
ومما يبعث على مزيد من القلق هو عدم اليقين بشأن ما إذا كان لمواطني الجزر الجدد الحق في الاستقرار في بلدهم الجديد، إذا ما احتاجوا إليها، وعندما صوت أعضاء البرلمان في جزر القمر لصالح قانون «المواطنة الاقتصادية» المثير للجدل عام 2008، لم يفترضوا انتقال أي من المواطنين الاقتصاديين فعليا إلى الجزر، وحتى الآن، لا شيء واضح حول ذلك الأمر، لكن حقهم في العودة قد يصبح ملحا إذا ما لجأ هؤلاء الأفراد للخروج من الإمارات.
وفي عام 2012، تم طرد رجل يدعى «أحمد عبدالخالق» من دولة الإمارات بسبب نشاطه في الدفاع عن حقوق الأشخاص عديمي الجنسية، وكان يحمل جواز سفر جزر القمر، ولكن تم منحه في نهاية المطاف اللجوء في كندا، بدلا من أن يرسل إلى «وطنه الجديد» جزر القمر.
وفي هذه الحادثة الفردية، لم يكن لـ«المواطنة الاقتصادية» فائدة تذكر، ولكن ليس هناك قانون يحدد كيفية تعامل جزر القمر مع «المغتربين» من قبل الدول الأجنبية، كما أنه لا يوجد أي قانون دولي حاسم بشأن هذه المسألة.
وغالبية مواطني الجزر مسلمون، ويريد الكثيرون منهم زيارة مكة، ولكن يتم منح التصاريح للحجاج الذين يحجزون وفقا لجنسياتهم.
وفي رسالة موجهة إلى زملائه، اشتكى رئيس برلمان جزر القمر من أن «المواطنين الاقتصاديين» يقتطعون من هذه الحصة بشكل روتيني، مما يترك حجاج جزر القمر «الحقيقيين» في أزمة، وقبل بضعة أعوام، سألت ديموغرافيا زائرا عما إذا كان سيتم احتساب حاملي جوازات جزر القمر الإماراتيين في الدراسات الاستقصائية السكانية المقبلة، ولم يكن لديه جواب، حتى إنه ليس هناك مسمى خاص يصف تلك الفئة من الأشخاص.
ويشير هذا كله إلى قضية أعمق بكثير، فقد خلقت العولمة حالات حيث لا يعني جواز سفر الشخص بالضرورة هويته، ولا نعرف من خلاله أين يعيش، وما المجتمع الذي ترعرع فيه.
وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، أظهرت تسريبات -مثل أوراق بنما وأوراق برادايس – كيف يستغل الأثرياء الثغرات في نظام الدولة القومية، من خلال اللجوء إلى الولايات القضائية الصديقة، التي توفر لهم – وأموالهم – حياة بلا حدود من دون مسؤولية اجتماعية أو مالية نحو الأماكن التي يعيشون فيها.
وكذلك، يمكن للحكومات الاستبدادية – مثل الإمارات – استئجار سيادة البلاد – مثل جزر القمر – لحرمان السكان المحرومين من حقوق الإنسان الأساسية.
ولا تقتصر هذه الممارسات على مليارات ملوك الخليج، وقد ظهرت هذه الممارسة من قبل في أستراليا في نقلها للاجئين إلى ناورو ومانوس إلى الخارج، حيث تستخدم منطقا مشابها عن طريق نقل المسؤولية عن المهاجرين غير المرغوب فيهم.
وليس هناك ما يدل على أن الحكومة الأسترالية تتبع مسار قيادة الإمارات، ولكن الترتيب اللاحق بدفع كمبوديا لإعادة توطين اللاجئين يظهر أن هذه الممارسات أصبحت أكثر انتشارا.
وباعتبارها أقلية إثنية محلية تعتبرها الحكومة غير قانونية، فإن «الروهينغا» في ميانمار – التي تشكل الآن 10% من عديمي الجنسية في العالم – تصبح معرضة – بشكل خاص – لصفقات الجنسيات.
وبعد هجمات الجيش الميانماري، فر 650 ألف من الروهينغا إلى مخيمات مؤقتة في بنغلاديش منذ أغسطس/آب، ولا تهتم حكومة بنغلاديش كثيرا بالاحتفاظ بهم على المدى الطويل، وتقول الحكومة الميانمارية إنها ستعيد بعضهم، ولكن ليس هناك إرادة سياسية لمنحهم حقوق المواطنة الكاملة في أي مكان، وليس من الصعب أن نتصور أن يجري إكراه «الروهينغا» على أخذ جوازات سفر أجنبية.
وحتى الآن، ظل زعماء العالم – وحتى الأمم المتحدة – صامتين عما إذا كانوا يعترفون بشرعية «المواطنة الاقتصادية» لجزر القمر.
وبما أن وجود ونطاق المخطط لا يمكن إنكاره، فإن المجتمع الدولي بحاجة إلى الاعتراف بما يحدث، والنظر في سابقة يمكن أن تؤسس لهذا النظام الملتوي لأجيال قادمة من اللاجئين وملتمسي اللجوء والمشردين.