"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

ديفيد هيرست: بعد كتاب مايكل وولف..رؤساء العالم سيراجعون تحالفاتهم مع ترامب

شفقنا- قد يدخل البهجة على نفس من يقرأ توصيف مايكل وولف للحياة داخل البيت الأبيض أن يتصور حال الرئيس الأمريكي وهو جالس يقرأ نفس الكتاب.

هكذا افتتح ديفيد هيرست، الصحافي البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، مقاله في موقع «ميدل إيست آي»، والذي تُرجم خصيصًا لموقع «عربي 21»، وفيما يلي الترجمة الكاملة لنص المقال:

بإمكانك أن تراه بقسمات وجهه التي تعود الناس رؤيتها وهي يمارس رياضة الجولف، وتراه يحث الخطى ذهابًا وإيابًا داخل المسكن الرئاسي، يصرخ بأعلى صوته عبر هاتفه النقال، وبينما هو منهمك في ذلك يبدأ توقيعه الذي يشبه المشط بالكشف عن حقيقة رأسه الأصلع.

من ذا الذي أقنعه بالسماح لذلك الخائن وولف باحتلال مقعد شبه دائم داخل المكتب الرئاسي في الجناح الغربي من البيت الأبيض. 200 مقابلة؟ أين النصوص المفرغة؟ يريد أن يراها جميعًا على مكتبه قبل حلول الصباح. كم من المكالمات الأخرى الغاضبة، المشفقة على الذات، الذي سيضطر رغمًا عنه إجراءها؟

لجأ يوم السبت إلى «تويتر» ليدفع عن نفسه الاتهامات بأنه غير مستقر ذهنيًا، وليؤكد لمتابعيه بأنه في حقيقة الأمر «عبقري مستقر جدًا». وهذا بدوره أطلق العنان للنقاش حول أهلية الرئيس من حيث القدرة العقلية لشغل منصب الرئاسة، وإمكانية عزله باللجوء إلى التعديل الخامس والعشرين من الدستور الأمريكي. ما يسلطه وولف من ضوء على ساكن البيت الأبيض مذهل، ولا رحمة فيه.

تحت وطأة الصدمة والشعور بالهيبة على إثر نجاح حملته الانتخابية، والتي تردد في الإنفاق عليها من حر ماله، لم يتمكن ترامب أبدًا من استيعاب ما الذي يعنيه أن يكون المرء رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية. فهو لا ينصت، وحتى عندما ينصت فإنه يأخذ بنصيحة آخر شخص يحشره في الزاوية.

ليست لديه القدرة على البت، وهو مسكون بالإعلام، بل بات عبدًا له. أدركت ابنته إيفانكا منذ زمن بعيد كيف تعد لوالدها الخطابات الناجحة.

وكانت، بحسب ما أورده وولف، قد قالت لمحظيتها دينا باويل: «عليك أن تضغطي على أزرار الحماسة لديه. قد يكون رجل أعمال، ولكن الأرقام لا تعني له شيئًا. لم يكن في يوم من الأيام مغرمًا بكشوف الحسابات – بل محاسبوه هم الذين يتعاملون مع كشوف الحسابات نيابة عنه. أما هو فمغرم بالأسماء الكبيرة، يحب الصور الكبيرة – إنه مغرم حرفيًا بالصور الكبيرة. يحب أن يراها، يحب أن يرى الأثر المترتب عليها».

ما لبث ترامب أن بدأ يشعر بالملل والخمول، تثيره وتنكد عليه صغائر الأمور – مثل التفاصيل الدقيقة، والإجراءات، وحتى السعي لفهم ما الذي يجري من حوله. كان بحاجة إلى شيء كبير، مطلب لا ينسجم بشكل خاص مع حالة العالم المضطربة والمفعمة بالأخطار.

«أشياء كبيرة، نحتاج إلى أشياء كبيرة»، هذا ما كان ينطق به في كثير من الأحيان وهو يهتاج غضبًا». ليس هذا شيئًا كبيرًا. أحتاج إلى شيء كبير. أحضروا لي شيئًا كبيرًا. هل تفهمون ماذا يعني أن يكون الشيء كبيرًا؟» وبهذا الشكل حل على الشرق الأوسط عقل ترمب الضجر والمتذمر والفارغ تمامًا.

«لم يكن لديه صبر على مقولة (أيدينا مغلولة) التي سادت في نظام ما بعد الحرب الباردة، أي ذلك الإحساس الذي يتولد عندما يصل الأمر على رقعة الشطرنج إلى طريق مسدود، أي عندما تكون الحركة التزايدية هي سيناريو الحالة الأفضل؛ لأن الخيار البديل هو الحرب، والحرب فقط لا غير. أما السيناريو الخاص به، ففكان أبسط من ذلك بكثير: من الذي يملك السلطة والنفوذ؟ أعطوني رقم هاتفه».

أو بنفس الدرجة من البساطة: «عدو عدوي هو صديقي. إذا كان لدى ترامب نقطة مرجعية في الشرق الأوسط، فقد كانت – والفضل في ذلك لما اكتسبه من توجيه مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين – الاعتقاد بأن إيران هي الشخص السيئ. وبذلك، فإن كل من يعارض إيران فهو شخص جيد جدًا بلا ريب». ولكن الأمر يتعلق أيضًا بالطريقة التي تعامل من خلالها الشرق الأوسط مع ترامب.

«تحيز يبعث على الفضول»

من الملاحظ أن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان كان من بين الذين قدروا حقيقة أن صهر ترامب جاريد كوشنر لم يستحق منصبه كمبعوث للإدارة إلى الشرق الأوسط بفضل أي شيء أنجزه شخصيًا، فيما عدا كونه أحد أفراد العائلة. من وجهة نظر فرد في العائلة السعودية الملكية الحاكمة، يبعث ذلك الأمر على الارتياح؛ وذلك لأن الأمور في بلده تدار بنفس هذه الطريقة بالضبط.

يلاحظ وولف وجود «تحيز يبعث على الفضول» ما بين ترامب ومحمد بن سلمان؛ لأن أيًا منهما لم يحصل على أي تعليم خارج بلده.

«أخذًا بالاعتبار أن لا شيء يذكر أشعرهما بالارتياح فيما بينهما. فعندما عرض محمد بن سلمان نفسه على كوشنر ليكون رجله داخل المملكة العربية السعودية، كان ذلك «كمن يقابل شخصًا لطيفًا في اليوم الأول من الوصول إلى المدرسة الداخلية»، كما أخبر كوشنر صديقًا له.

كانت رحلة الرياض شيئًا كبيرًا. فقد سارع السعوديون مباشرة إلى شراء ما قيمته 110 مليار دولار من الأسلحة الأمريكية وما مجموعه 350 مليار دولار على مدى عشر سنوات. ونظم السعوديون حفلًا كلف 75 مليون دولار نصبوا فيه عرشًا لترامب جلس عليه، ونقلوا أفراد عائلته الأولى داخل القصر في عربات جولف مصنوعة من الذهب.

اتصل ترامب بأحد أصدقائه في أمريكا ليقول له كم كانت يسيرة هذه العلاقات الخارجية، وكيف أن أوباما أضاع الفرصة. وكم أشاد بزوج ابنته قبل بدء الرحلة.

«لقد تمكن جاريد من كسب العرب إلى جوارنا بالكامل. تمت الصفقة، هذا ما أخبر به أحد المتصلين به بعد العشاء قبيل بدء الرحلة. جيد أن يكون المرء جميلًا» وتعليقًا على ذلك قال ذلك الشخص الذي اتصل به: «كان على ثقة بأن هذه الرحلة ستنقذ الموقف، تمامًا مثل الانعطافة في فيلم سينمائي سيئ».

قيل الكثير عن المرح فماذا عن الرعب؟

حتى لو اعتبروا أن 20% مما أورده وولف في كتابه هو من اختيارات أو مبالغات بانون، فإن أقل ما يقال في الثمانين بالمائة الباقية أنها مدمرة. لك أن تتصور الدم يجف في عروق حلفاء أمريكا حين يقرأون مدى عطالة وانعدام قدرة الرجل الذي يدير البيت الأبيض. أول ما سيخطر ببال الزعماء الأجانب الذين يعتمدون على علاقات بلادهم العسكرية أو الاقتصادية مع الولايات المتحدة هو أن ينأون بأنفسهم قدر ما يستطيعون، ويبتعدون ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا عن هذا الرجل الحارق لذاته، هذا الخاسر المتربع داخل البيت الأبيض.

كل من لم يقفز بعد من مركب الرئاسة الهاوي إلى حتفه، ربما بات في عداد الموتى سياسيًا، وهذا يشمل كلًا من ترامب وكوشنر وإيفانكا وسفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي. وحتى من قفزوا من الطائرة الهاوية، مثل كبير الاستراتيجيين ستيف بانون، ربما يكونون هم أيضًا في عداد المقضي عليهم.

نفس الأثر السمي الذي يتركه الرئيس ترامب على معدلات الإشغال في سلسلة فنادقه، سوف يشعر به قريبًا جدًا حلفاء الولايات المتحدة؛ فقريبًا جدًا لن تكون فكرة جيدة أن يشاركه أحد الوقوف على أية منصة عامة، ولن تكون تيريزا ماي في عجلة من أمرها للترتيب لزيارة ترامب إلى بريطانيا كرئيس للدولة الأمريكية.

لقد انتهت فكرة ترامب الكبرى لتحقيق نجاح خارق في الشرق الأوسط قبل أن تبدأ. سوف تنقض إدارته على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الطرف الوحيد الذي كان بإمكانها أن تتفاهم معه؛ انتقامًا منه لأنه تزعم التصويت الأخير داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إعلان ترامب قرار نقل سفارة بلاده إلى القدس.

ولم يكن سحب التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى منظمة «غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)»، والتي توفر التعليم والمساعدة الإنسانية للفلسطينيين، إلا البداية.

شخص مدمر

لا يقل غضب ترامب عما كان لديه من حماسة؛ لأن إعاقة ترامب الهيكلية كرئيس، تكمن في عدم قدرته على المزاوجة بين السبب والنتيجة، كما يلاحظ وولف بشكل دائم تقريبًا.

وحتى بنجامين نتنياهو، الذي من المفروض أن يكون أكثر المستفيدين من ترامب، والذي يستخدم الفراغ في السياسة الذي أوجده ترامب لكي يضم المستوطنات المحيطة بالقدس، لابد أنه بدأ يراجع نفسه بشأن الضرر الذي يمكن أن يسببه له ترامب.

لن يكون بإمكان دولة إسرائيل الاستمرار بهدوء في توسيع حدودها أكثر فأكثر داخل الضفة الغربية، إذا ما سحب البساط المالي من تحت أقدام السلطة الفلسطينية، ذلك الكيان الذي ساعد إسرائيل أكثر من أي شيء آخر على الاستمرار في الاحتلال لأطول مدة ممكنة، وبأقل التكاليف. ففي ظل السلطة الفلسطينية يحتل الفلسطينيون أنفسهم. على مدى عقود، كانت سياسة إسرائيل تقوم على إبقاء الفلسطينيين خاضعين للرجيم، كما عبر عن ذلك بكل بساطة مساعد سابق لرئيس الوزراء، وذلك داخل المسيجات التي أنشأتها لهم.

وهذا يعني تحقيق توازن بين الاضطهاد المكشوف وإجراءات الإبقاء على قيد الحياة.طالما عمدت إسرائيل إلى صب العمال الفلسطينيين داخل مواقع الإنشاءات التابعة لها تمامًا كما يصب الماء من الصنبور، فتفتح وتغلق متى شاءت. وآخر شيء تحتاج إليه إذا ما أرادت الاستمرار في توسيع إسرائيل هو حدوث انهيار تام في المنظومة الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين، وهي بالضبط ما يقود إليه غضب ترامب إزاء الموقف الذي اتخذته الأمم المتحدة ردًا على قراره نقل السفارة.

بنفس الطريقة، لابد أن القوى الأوروبية التي ساعدت في التفاوض على صفقة النووي مع إيران تساورها هموم ثقيلة حول ما لدى ترامب من إمكانية لتحطيم ذلك الإنجاز النادر في مجال السياسة الخارجية لأية إدارة أمريكية سابقة.

ترامب رجل تدمير يملك التحكم بكرة تدمير هائلة الحجم. لا يمكن عزل أمريكا أو إخضاعها لأية عقوبات، فاقتصادها أكبر من أن يجوز ذلك في حقها، والعالم يعتمد عليها اعتمادًا كبيرًا. بالطبع هناك جانب إيجابي لظاهرة ترامب. ترامب على حق في جانب معين. وذلك أن الإدارات الثلاث التي سبقته، وإدارات كثيرة قبل ذلك، أساءت الفهم والتعامل مع الشرق الأوسط.

ولكن منطقه أشبه بمن يقول إنه نظرًا لفشل ثلاث فرق سابقة في نزع فتيل قنبلة تزن 500 رطل اكتشف وجودها بعض العمال في أحد المستودعات، فلماذا لا تحاول أنت فتحها بجلاخة الزاوية (آلة تستخدم للقطع والصقل) التي جاءتك هدية في عيد الميلاد؟

ولذلك، وبدلًا عن أن يكتفي بتدمير نفسه – الأمر الذي أعلم يقينًا أنه بصدده حاليًا – بإمكان ترامب الإطاحة بالكثيرين معه، بما في ذلك حلفاؤه العرب في السعودية ومصر والإمارات، وكذلك الإجماع الدولي حول إسرائيل. ما لبث الأمر الواقع يقوم على فكرة حماية إسرائيل من أية محاولة لعزلها دوليًا، إلا أن بإمكان ترامب تعريض إسرائيل للحاجة الدولية لفرض عقوبات عليها، الأمر الذي لم يقدم عليه رئيس أمريكي من قبل.

كما أن ترامب يعيد تكوين تيار يساري أمريكي حقيقي، وهو أمر يستحق عليه منا الامتنان والعرفان. لقد حظيت الليبرالية الجديدة داخل البلاد والمحافظة الجديدة خارجها على دعم عريض من الحزبين الرئيسين. ما أتمه بوش في العراق كان قد بدأه كلينتون في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي. تلك المرحلة انقضت ومضت تمامًا.

وهذا لا يعني أن ترامب غير قادر على أن يشعل حربًا، ولا أدل على ذلك من الطريقة التي أقنعته بها ابنته بقصف سوريا من خلال عرض صور لأطفال سوريا الذين وقعوا ضحية للغاز. فالرئيس لا يقيم وضعًا أو يقرر موقفًا بناء على حجج وبراهين، وإنما بناء على صور، وهذا يعني أنه غير قادر على كسب الحرب.

في المستقبل حينما ندون تفاصيل هذه البداية المرتبكة للقرن الجديد، فإن الصورة الذكية التي رسمها وولف ستتصدر غلاف كاتالوغ كامل من الأدلة الدامغة، وقد تجد صورة الغلاف الأمامي هذه طريقها إلى المتحف «السميثسوني» للتاريخ الأمريكي في واشنطن تحت عنوان «نهاية إمبراطورية».

تنهار الإمبراطوريات عندما تصبح مكلفة جدًا، وتصبح عبئًا سياسيًا كبيرًا يعيق قدرة النخب فيها على الحكم. وهذا ما يحدث الآن في واشنطن. نعم، هذا رئيس غير مؤهل للحكم، ولكن صحيح أيضًا أن ترامب نفسه هو نتاج إخفاق، والإخفاق يتحمل مسؤوليته جماعيًا أكثر من رئيس وأكثر من إدارة.

وبهذا المعنى فإن كرة النار والغضب المتمثلة في ترامب تقدم للعالم خدمة؛ إذ تفرض عليه إعادة التفكير في نظام دولي بدون الولايات المتحدة الأمريكية. لابد لهذا الأمر من أن يحدث قبل أن تحصل أي تغييرات.

مترجم عن

A ‘stable genius’ or white trash in the White House?للكاتب David Hearst