شفقنا- ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الموقف الحقيقي لمصر بشأن قرار ترامب حول القدس غير موقفها المعلن. كيف يرى خبراء ومتابعون التسريبات؟ وما تداعياتها على الانتخابات الرئاسية؟ وكيف تلقفها الإعلام الدائر في فلك قطر؟
تسريبات “نيويورك تايمز” .. حقيقة أم فخ؟
لغط وهرج أثارهما تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، الذي نُشر يوم السبت الماضي (السادس من كانون الثاني/يناير 2018). وتحدث التقرير، الذي أنجزه الصحفي ديفيد كيركباتريك، عن قبول “ضمني” مصري بقرار ترامب بشأن القدس. كما أورد التقرير “توجيهات” لضابط مخابرات مزعوم يدعى أشرف الخولي لإعلاميين بالسعي للترويج للقبول برام الله بدل القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية. وقد بثت قناة الجزيرة القطرية و”قناة مكملين الفضائية”، المحسوبة على الإخوان المسلمين والتي تبث من تركيا، التسجيلات الصوتية للمكالمات الهاتفية.
نفي رسمي
وكان الموقف الرسمي المصري “العلني” قد رفض قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وقدمت القاهرة مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يرفض القرار المذكور. إلا أن الولايات المتحدة استخدمت في 18 كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي حق النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار.
ونفت مصر أمس الأحد صحة تقرير الصحيفة الأمريكية، معتبرة أنه لا يليق بصحيفة كبيرة مثل “نيويورك تايمز” نشر مثل هذه الادعاءات. وشككت “الهيئة العامة للاستعلامات” في إمكانية تورط أي من الشخصيات الأربعة الذين وردت أسماؤهم، موضحة أن اثنين منهم، وهما مفيد فوزي وسعيد حساسين، لم يعودا يقدما برامج تلفزيونية. أما الشخصية الثالثة فهي الفنانة يسرا والتي أكدت أنها ستلجأ للقضاء بشأن الزج باسمها في مثل هذه التسريبات المزعومة. أما الاسم الأخير فهو عزمي مجاهد، الذى نفى معرفته بأي شخص يدعى أشرف الخولي. كما أكدت الهيئة أن التقرير يقول إن “من قام بالاتصال هو النقيب أشرف الخولي من المخابرات العامة … دون أن يقدم للقراء أدنى دليل على أن هذا الشخص ينتمى إلى المخابرات المصرية”.
“تشكيك”
كما شكك العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في التسريبات. وكتب Ahmed Ghanim على حسابه في الفيسبوك أن التسريبات هي “مقلب” من “إسلامي”. ودلل على كلامه بمخارج الحروف للضابط المزعوم، ووضوح الصوت، مما يدل أن الميكوفون قريب لفم المتكلم وموجه لفمه وليس تسريباً ولا تسجيلاً. وفي نهاية بوسته أشار أحمد غانم أن الإعلاميين المذكوريين هم “إعلاميو سلطة” وأن السيسي “يبيع” كل شيء وليس القدس لإرضاء إسرائيل. ويخلص أن الصحيفة تعرضت لعملية نصب واحتيال.
كما يشكك خطار أبو دياب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس والخبير في شؤون الشرق الأوسط، في حديث لـDW عربية بالتسريبات من عدة زوايا: “كان يمكن استدعاء تلك العناصر بدلاً من الاتصال بها هاتفياً بشكل مكشوف. وثانياً كان يمكن اتصال بشخصيات أكثر بروزاً وتأثيراً في المشهد الإعلامي المصري”.
وفي الجهة المقابلة، أكد رواد لمواقع التواصل أن الأمر ليس مستبعداً على “نظام السيسي” وتحدثوا عن “صفقة القرن”. وغرد أحدهم، معرفاً عن نفسه بأنه “مستشار وزارة الأوقاف وكيل اللجنة الدينية بمجلس الشعب السابق وعضو مجلس الشورى”:
لم يستغرب الكثير من المتابعين تلقف قناة الجزيرة القطرية ووسائل الإعلام القريبة منها للتسريبات وتوظيفها في إطار المعركة السياسية والإعلامية ضد خصومها الإقليميين وعلى رأسهم مصر والسعودية والإمارات. ويسجل خطار أبو دياب للجزيرة الفضل في إدخال “نوعٍ من الحيوية” للمشهد الإعلامي العربي، غير أنه يلاحظ أن القناة القطرية كانت ومنذ انطلاقتها تستهدف- وبشكل كبير- دولتين بعينهما: السعودية ومصر. ويذهب إلى حد القول إن المحتوى الإعلامي للجزيرة يوحي أنها “متفرغة” لإزعاج مصر. غير أن أستاذ العلوم السياسية لا يعتقد أن “الإخوان المسلمين” أو قطر وراء التسريبات الأخيرة؛ إذ يميل إلى الاعتقاد أن “واجهة أمنية أمريكية كالشركات الأمنية الخاصة” هي من دبر ونفذ.
حرب لوبيات
تدور حرب إعلامية ضروس وتراشق كلامي بين الرئيس الأمريكي، الحليف القوي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وصحيفة نيويورك تايمز. لم تكن تسريبات الصحيفة الأمريكية الأولى من نوعها؛ فقد لوحظ منذ اندلاع نيران الأزمة الخليجية أن طرفي الأزمة يبذلان أقصى جهودهما للتأثير في الرأي العام ووسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية لتسجيل نقاط في المعركتين السياسية والإعلامية. “هناك سعي محموم من كل الأطراف لإيجاد حلفاء في وسائل الإعلام الأمريكية، وذلك لتوظيف مصداقية الإعلام الغربي في المعركة” يقول أبو دياب.
وآليات التأثير كثيرة، تتصدرها “جماعات الضغط” أو ما يطق عليها في الولايات المتحدة اللوبيات. وقد تبادل طرفا الأزمة (السعودية والإمارات ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى) الاتهامات في محاولة “التأثير على تلك اللوبيات وحتى شراء “صحفيين” للتأثير على الرأي العام وصانع القرار الأمريكي.
الأولويات: “لقمة العيش والأمن”
اليوم الاثنين أعلنت “الهيئة الوطنية للانتخابات” أن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية هو شهر آذار/مارس المقبل. وتزامن ذلك مع تسريب جديد للصحيفة الأمريكية، حيث كشف تقرير لها أن رئيس وزراء مصر الأسبق، أحمد شفيق، أُجبر على الانسحاب من الترشح للانتخابات الرئاسية. واستندت الصحيفة في تقريرها هذا على تصريحات لأحد محاميه رفض الكشف عن هويته لحساسية الموضوع.
خطار أبو دياب سجل هنا أن أولويات الرأي العام المصري هي “لقمة العيش” و”الاستقرار” في ظل الحروب في الإقليم والأزمة الأمنية في سيناء. ومن هنا لا يعتقد بأن التسريبات سيكون لها تداعيات على الرئيس السيسي، وخصوصاً في ظل عدم وجود منافس “جدي” له. ويتابع أن الانتخابات ستكون أقرب لـ”الاستفتاء على الاستمرار بالوضع القائم، كي لا أقول مبايعة للسيسي”.
خالد سلامة