اللقاء البعيد من الضوء عقد بتنسيق من اعلامي لبناني مقيم في باريس، دون أن يخلو من عبارة «انها البراغماتية أيها الغبي…». حتى ذلك الطراز من رجال الدين الذين قال فيهم شيخ أزهري « قد تجد العمائم على رؤوس الذئاب»، تحولوا الى ببغاءات.
بدل العمائم قلنسوات يهودية. بعضهم انتقل من الفقه الديني الى الأنتروبولوجيا الدينية، ليشيعوا بأن أصلنا، كلنا تقريباً في المنطقة، يهود. الاسلام جاء لـ«يكمل» لا لـ«ينقض». الدليل أن القرآن أتى على ذكر أنبياء بني اسرائيل، وقد أطلقت اسماؤهم على الملايين في دنيا العرب.
المسألة لا تتعلق، فحسب، بالانقلاب الاستراتيجي، مع أن البلاط السعودي لم يكن، يوماً، ضد اسرائيل. العودة ضرورية الى أرشيف وزارة الخارجية الأميركية، وحيث الوثائق العديدة، من محضر لقاء الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز غداة مؤتمر يالطا في شباط 1945، الى رسالة وزير الخارجية الأميركية الجنرال جورج مارشال (صاحب المشروع الشهير) الى الملك، وفيها يبدي امتنانه لكون صاحب الجلالة عمل على «تهدئة» العرب واستيعاب قيام اسرائيل.
انقلاب ايديولوجي أيضاً. متى يعلن أصحاب الفتاوى الصارخة أن حائط المبكى لم يعد حائط البراق، وأن «القبلة» انتقلت من الكعبة الى هيكل سليمان الذي اذ يرى الجنرالات أنه أصبح في صحراء النقب، حيث مفاعل ديمونا، يعتبر الحاخامات أن الوعد الالهي لا يكتمل الا ببناء الهيكل الثالث.

المعروف أن نبوخذنصر البابلي  دمر الهيكل الأول، في حين أن القائد الروماني تيتوس دمر الهيكل الثاني، بمساعدة الملك اليهودي أغريبا الذي كانت شقيقته نيكي (منها أخذت نيكي هايلي اسمها) عشيقة لتيتوس.

البراغماتيون يملأون الشاشات الآن. يقولون ان جورج سوروس، الملياردير اليهودي ونجم وول ستريت، قدم خدمات جلّى للمستثمرين العرب في «الأدغال» الأميركية حيث أقام الشراكة بين هؤلاء المستثمرين ومؤسسات ورجال أعمال يهود لديهم خبرتهم الكبيرة في ميكانيكية السوق.
لا أحد يسأل عمن يقف وراء الفراغ في المنطقة العربية، ومنذ أن نالت الدول استقلالها. في الخمسينيات من القرن الفائت، أطلق جون فوستر دالاس «مبدأ أيزنهاور» لملء الفراغ، تكريساً لفلسفة استنزاف الثروات العربية. أين هي تلك الأنظمة التي لم تصنع دولاً بل مستودعات للقرون الوسطى، وعلى امتداد العقود السبعة المنصرمة؟
الذين بنوا «أزمنة العار» في تاريخنا المعاصر، يعتبرون الآن أن الصراع مع اسرائيل (الذي كان يفترض في أي أمة أخرى  تحديث كل الامكانات وتثويرها) هو الذي فتح الأبواب أمام الايرانيين والتسلل الى العمق العربي، كما أتاح للأتراك تحويل القضية الى مدخل للعودة الى السلطنة العثمانية.
المنطق (البراغماتي) يقول ان وضع تلك الكوميديا الرثة (الصراع مع اسرائيل) جانباً، لا بد أن يفتح أمام العرب الأفق التكنولوجي والاسستراتيجي (لا كلام عن تلك الأدمغة العتيقة والصدئة التي تتحكم بنا).
لم يعد مستغرباً أن يكتب أحدهم أن الضغط الاسرائيلي هو الذي حمل الولايات المتحدة على نشر قوة يمتد مفعولها من الحدود السورية مع العراق الى خط التماس مع الجولان. وهذاما يحول دون تحوّل سوريا الى ضاحية ايرانية.
الثابت أن هناك مستشارين اسرائيليين يشرفون على العمليات السعودية في اليمن. مثلما ذروة الهمجية هناك ذروة المكيافيلية أيضاً. الأمير محمد بن سلمان مد يده الى «تجمع الاصلاح»، النسخة اليمنية من «الاخوان المسلمين»، بعد مصرع علي عبد الله صالح، في حين أن الولايات المتحدة التي باعت السعودية آلاف الأطنان من القنابل، وبمليارات الدولارات، تعلن الآن أن «عاصفة الحزم» تحولت الى فضيحة عسكرية وأخلاقية.
البراغماتية (أيها السادة الأغبياء) أن تبنوا دولاً، لا مستودعات قبلية بقاؤها يرتبط ببقاء الأساطيل…