توقعات 2018 .. فشل تحالف أمريكي صهيوني سعودي في القضاء على إيران

 مصر تايمز

إعداد/ أحلام رمضان
نشر مركز “ستراتفور” الاستخباراتي الأمريكي تقريره السنوي حول توقعات السياسة العالمية عام 2018، وذلك مع نهاية عام 2017، مفردا قسما خاصا للتنبؤ بمسارات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقدّمة
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مفترق الطرق في العالم. وتشمل شبه الجزيرة العربية، وجبال إيران، وسهول تركيا، وصحارى بلاد الشام، والأراضي الواقعة شمال الصحراء، وجميع السواحل بينها. وتُختصر قصة المنطقة – كما هو الحال في كثير من الأماكن العالقة بين اللاعبين الأجانب – في التنافس التجاري والصراعات. والقوى التقليدية في المنطقة هي تركيا وإيران –وتعد مصر والمملكة العربية السعودية هي القوى العربية الأبرز حاليا، وتجعل المنافسة بين هذه القوى للتأثير على الدول الأضعف في المنطقة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساحة للعنف وعدم الاستقرار.

تحالف غير مكتمل ضد إيران
سوف تدخل الولايات المتحدة العام الجديد وفي نيتها السيطرة على الأوضاع في العراق، ويشارك البيت الأبيض الكونغرس والبنتاغون التصميم القوي على تقويض شبكة النفوذ الهائلة التي بنتها إيران عبر الشرق الأوسط من خلال صلاتها بمجموعة من الجماعات السياسية، ومع تحقيق كوريا الشمالية المحتمل للردع النووي في عام 2018، زاد عزم واشنطن على وقف طهران من السير في نفس المسار الخطير.

وليست الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تنظر إلى أنشطة إيران بقلق. فالمملكة العربية السعودية – العدو الإقليمي لإيران – تابعت بقلق شديد انتشار النفوذ الشيعي – ببطء – عبر فنائها الخلفي على مدى الأعوام القليلة الماضية. وبغض النظر عن حملة واشنطن المتجددة ضد خصمها الطويل، ستغتنم الرياض الفرصة لتحدي طهران في إطار محاولات السيطرة على الشرق الأوسط. وإدراكا منها لفرصتها الخاصة، ستدعم (إسرائيل) المملكة والولايات المتحدة على أمل دحر عدوهم المشترك. وبهذا، تقوم (إسرائيل) بعلاقة أكثر علنية مع السعودية، وكانت تلك العلاقة موجودة تاريخيا خلف الكواليس وفي الظلال.

مصير الاتفاق النووي
وبينما يرتفع التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، فإن خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) سوف تكون “على كف عفريت”، على الرغم من أنها ستبقى على قيد الحياة هذا العام. ويهدف هذا الاتفاق إلى وقف برنامج تطوير الأسلحة النووية في إيران، وقد امتثلت إيران لشروطه في معظم التقديرات، بما فيها تقدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وطالما بقيت إيران في حالة امتثال، فإنها ستستفيد من تخفيف العقوبات، وكذلك من القدرة على تلقي الاستثمارات الأجنبية وتصدير النفط.

لكن البيت الأبيض يعتقد أن الاتفاق ليس قويا بما فيه الكفاية لاحتواء طموحات إيران النووية، وليس شاملا بما فيه الكفاية لعرقلة برنامج طهران للصواريخ الباليستية ورعاية الإرهاب أو دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

وأشار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” إلى عزمه مواجهة إيران بشأن هذه المسألة، عندما ألغى تأكيد خطة العمل الشاملة المشتركة في أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري. وبالنسبة لطهران، أكدت هذه الخطوة شكوكها – منذ فترة طويلة – في أن واشنطن ليست مفاوضا ذا مصداقية.
ولدى مختلف فروع الحكومة الأمريكية أفكار مختلفة حول كيفية التعامل مع خطة العمل الشاملة، وهو ما سوف يضيف فقط إلى الإشارات المختلطة القادمة من واشنطن. وسيتخذ الكونغرس من جهته خطوات لفرض عقوبات جديدة على إيران، مع الحرص على عدم انتهاك الاتفاق.

أما “ترامب”، فقد أحاط نفسه بعناية بصقور السياسة الأكثر استعدادا لانتهاك الاتفاق، بغض النظر عما إذا كانت أنشطة إيران مرتبطة ببرنامجها النووي، في محاولة لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات. ومن شأن موقفهم المتشدد تجاه إيران أن يسرع من تدهور علاقة واشنطن مع طهران. وبتجريد الضمانات الأمنية الواردة في الاتفاق من مضمونها، ستضع الولايات المتحدة نفسها على مسار تصادم مع إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ومع استعداد البيت الأبيض لتهديد الصفقة، سيعيد ذلك إحياء بارانويا طهران القديمة، لمواجهة ما تعتقد أنه جهد متضافر من جانب الولايات المتحدة والسعودية و(إسرائيل) لزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية. ولن تبادر إيران بالخروج من الاتفاق النووي، خوفا من تدهور اقتصادها مرة أخرى إذا ما تجددت العقوبات. لكن التهديدات لـ “خطة العمل الشاملة المشتركة” و”التدابير الاقتصادية الأكثر صرامة” الصادرة عن الولايات المتحدة سوف تثير المتشددين في إيران، الذين لا يقدرون الحوار مع الغرب بقدر المعتدلين مثل الرئيس الإيراني “حسن روحاني”.

وستكون هذه الفصائل قادرة على تأمين المزيد من التمويل للدفاع والدعم الشعبي. ومع ذلك، فإن الإيرانيين عبر الطيف السياسي حريصون على الحفاظ على الاتفاق النووي سليما، بحيث يمكن للبلاد الاستمرار في تصدير النفط وجذب الاستثمارات من أوروبا والصين وروسيا.

وستتجه إيران إلى حلفائها في أوروبا وروسيا للمساعدة في حماية إطار الاتفاق. فبعد كل شيء، كانت العقوبات التي رفعتها خطة العمل الشاملة ضد الشركات الأوروبية، وليس إيران فقط. ونتيجة لذلك، دافع معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق كوسيلة للسماح لمعاملاتهم الاقتصادية مع إيران بالاستمرار، مع كبح برنامج طهران النووي. ولذلك فإن القارة ستناشد الولايات المتحدة تأييد الاتفاق. وستنضم روسيا إلى أوروبا في دعمها لخطة العمل المشتركة، حيث بدأت العلاقات الوثيقة التي أقيمت منذ عامين من التعاون بينها وبين إيران – في الحرب الأهلية السورية – تؤتي ثمارها للجانبين.

الحرب السورية
وبقدر اكتساب روسيا وإيران أرضا في سوريا، فقد خسرت السعودية والولايات المتحدة تلك الأرض. ولكن على الرغم من تراجع نفوذها على الجماعات المسلحة في البلاد، ستبحث واشنطن والرياض عن سبل للاستفادة من الحرب الأهلية الشاقة لتقويض طهران، وأدت 6 أعوام من الصراع في سوريا – إلى جانب القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية – إلى خروج عدد كبير من الميليشيات المدعومة من إيران تنتشر في جميع أنحاء بلاد الشام.

وتحرص إيران على استخدام هذه الجماعات لاستكمال الجسر البري الذي يربطها بالبحر الأبيض المتوسط للمرة الأولى منذ أن حكمت الإمبراطورية الساسانية بلاد فارس في القرن السابع. إلا أن الولايات المتحدة والسعودية و(إسرائيل) عازمون على القضاء على حلفاء طهران المحليين. وقد يكون حزب الله – وهو جماعة مسلحة لبنانية وأحد أقوى الشركاء غير الحكوميين لإيران – الهدف الرئيسي لهذه الحملة.

وعلى الرغم من أنه سيكون من الصعب جدا عزل المجموعة والضغط عليها في وطنها، فإن حزب الله أكثر عرضة للعمل العسكري ضده في سوريا، حيث يحارب إلى جانب قوات الرئيس «بشار الأسد». وطالما استمرت الحرب، سيكون لدى (إسرائيل) نافذة لضرب الحزب، وهي تتمتع – في ذلك – بدعم الولايات المتحدة والسعودية.

وفي معظم الأحيان، حققت الأطراف المشاركة في “الحرب الأهلية” السورية – إلى حد كبير – هدفها المتمثل في ضرب تنظيم الدولة الإسلامية، الذي فقد مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق طوال عام 2017، ومع هزيمة عدوهم المشترك، سيتعين على الأطراف أن تواجه القضايا الأكثر تعقيدا وحساسية التي أثارها الصراع.

وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار ما زال غير محتمل العام المقبل، فإن الجولات المستقبلية من محادثات السلام قد تسفر في النهاية عن ترتيب لتقاسم السلطة، تحتل دائرة «الأسد» الداخلية فيه مكانا، ويبدأ من خلاله عملية صياغة الدستور. ومع ذلك، فإن أي اتفاق توافق عليه دمشق سيكون في معظمه عملية تجميلية، وأي اتفاق يؤكد سلطة «الأسد» سوف يرفضه المعارضون.

وبغض النظر عن ذلك، فإن روسيا عازمة على إيجاد مخرج سريع من الصراع يحمي المكاسب التي حققتها على مدى العامين الماضيين. وللقيام بذلك، سيتعين عليها كبح جماح الحكومتين الإيرانية والسورية، اللتين تهتمان بضمان انتصار عسكري كامل أكثر من التوصل إلى حل تفاوضي. وسيتعين على روسيا أيضا أن تبقي على حوار مفتوح وعملي مع تركيا، التي لديها طموحاتها الخاصة في سوريا. ويعد هدف أنقرة الأساسي هو منع ظهور دولة كردية على طول حدودها الجنوبية، من خلال الحفاظ على تقسيم القوات الكردية في المنطقة. ونتيجة لذلك، ستركز مفاوضات روسيا مع تركيا في العام المقبل على مصير الأكراد السوريين الذين طالبوا بمنطقتهم المستقلة.

وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها، ستلعب روسيا دورا عسكريا ودبلوماسيا بارزا في سوريا عام 2018. إلا أن قدرتها على التدخل في شؤون الشرق الأوسط – على حساب الولايات المتحدة – لن تقتصر على سوريا. وبدلا من ذلك، ستوسع روسيا نطاق وصولها إلى زوايا أخرى في المنطقة، من خلال تعزيز روابطها الاقتصادية والسياسية مع دول الخليج الفارسي، إضافة إلى مصر والعراق وليبيا وتركيا.

التدافع في ساحة المعركة
وقد يكون المد والجزر في “الحرب الأهلية” السورية قد تحول لصالح إيران، ولكن السعودية قد تكون أفضل حظا في ساحات القتال الأخرى – المادية والسياسية على حد سواء – في جميع أنحاء المنطقة، وعلى أمل الاستفادة من العداء الأمريكي المتجدد تجاه إيران، ستحاول المملكة مواجهة النفوذ المتنامي لمنافستها – طويلة الأمد – بين جيرانها الأضعف، مثل اليمن والعراق ولبنان.

ومع ذلك، فإن مضاعفة جهود المملكة ستتمثل في محاولة الرياض لحشد حلفائها السنيين المتشابهين في الرأي ضد إيران الشيعية. وعلى الورق، يعد شركاء المملكة أقوى بكثير من وكلاء إيران الضعفاء، ولكن في الممارسة العملية، هم أقل موثوقية. وسوف تكافح المملكة لتجميع الدعم الذي تحتاجه لقيادة أي عمل ملموس ضد إيران. وبسبب هذا الفشل – على الأقل جزئيا – ستواجه المملكة صعوبة في دحر الوجود العسكري الإيراني في سوريا والعراق، حيث تفتقر المملكة إلى القدرات اللازمة للتفوق على الجمهورية الإسلامية وحلفائها.

وقد تكون اليمن مكانا مرجحا لأن تنجح السعودية. واتخذت الحرب الأهلية في البلاد منعطفا مفاجئا نهاية عام 2017، عندما قتل المتمردون الحوثيون حليفهم السابق، الرئيس السابق «علي عبدالله صالح»، وأدت وفاته إلى تخلي العديد من أتباعه عن التحالف مع الحوثيين، وربما يتحول زخم المعركة لصالح تحالف مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية، إذا حمل أتباع «صالح» السلاح ضد الحوثيين.

وفي كلتا الحالتين، سيكون الحوثيون أكثر يأسا من أي وقت مضى للحصول على المساعدات من إيران على المدى القصير، وسوف يكون مجلس التعاون الخليجي أكثر تصميما من أي وقت مضى على منعهم من الحصول عليها، وبذلك، يصبح اليمن مركزا لحرب عنيفة بالوكالة بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، حيث يكثف التحالف جهوده لتخفيف قبضة الحوثيين على العاصمة صنعاء. والآن، بعد أن بدأت الانقسامات داخل تحالف المتمردين، فإن التوصل إلى تسوية سياسية للصراع سيكون بعيد المنال، خاصة وأن أصحاب المصالح الآخرين في اليمن – بما في ذلك الانفصاليون الجنوبيون – سيغتنمون الفرصة للضغط لأجل مطالبهم السياسية.

المناورة السياسية
وفي الوقت نفسه، ستثير السعودية المتاعب لإيران على ساحات القتال السياسية، لأنها تعمل على تقويض الأحزاب والسياسيين المدعومين من إيران في العراق ولبنان. ويذكر أن العراق ستجري انتخابات عامة في مايو/أيار المقبل، الأمر الذي يمنح البلاد لحظة نادرة لتأكيد استقلالها عن القوى الأجنبية المعنية داخل حدودها. وسوف يدافع رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» عن نبرة ناشئة من القومية التي تدعو إلى مقاومة النفوذ الخارجي (بما في ذلك من الولايات المتحدة وإيران وتركيا)، في حين سيحمل الزعيم الشيعي العراقي «مقتدى الصدر» نفس الخطاب، على أمل تحقيق المكاسب الانتخابية.

وبعد انتهاء الانتخابات، ستستخدم إيران علاقاتها مع قوات الحشد الشعبي الشيعي في العراق – وأنشأت بعض هذه الميليشيات أجنحة سياسية تشارك في سباق الانتخابات – لتشكيل ائتلاف في بغداد، ولتحقيق التوازن بين هذه المجموعات، سوف يقوم مجلس التعاون الخليجي بتوجيه الأموال والمساعدات إلى الأحزاب السنية والشيعية الأخرى في العراق، ونظرا لقوة السياسيين العراقيين الشيعة الموالين لإيران، فإن الكتلة الخليجية سوف تواجه صعوبة في إضعاف نفوذ طهران.

وفي الشمال، في كردستان العراق، تسببت محاولة فاشلة لإعلان الاستقلال بالقرب من نهاية عام 2017 في انقسام بين محافظة أربيل (بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني) ومقاطعة السليمانية (بقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني). وستستمر تركيا وإيران مرة أخرى في أدوارهما – طويلة الأجل – باعتبارهما راعيين اقتصاديين وسياسيين لكل منهما فى العام المقبل. وفي الوقت الذي تتقدم فيه مفاوضات الحكم الذاتي مع الحكومة المركزية، ستستخدم بغداد علاقتها مع طهران في محاولة لدق إسفين بين الأحزاب الكردية بشكل أعمق، مما يزيد من حدة المنافسة الإيرانية مع تركيا في البلاد. وسوف يكون الخلاف المتزايد بين الأكراد العراقيين واضحا في نتائج الانتخابات العامة في المنطقة في عام 2018، مما يعوق قدرة أربيل على مفاوضة بغداد بشأن عائدات النفط والأراضي المتنازع عليها.

وفي الوقت نفسه، ستحاول السعودية استخدام رئيس الوزراء اللبناني «سعد الحريري» للتأثير على السياسة في بيروت من أجل تقويض مصالح حزب الله. غير أن الحزب المسلح راسخ بعمق في لبنان، وعلى الرغم من المكاسب الدبلوماسية الصغيرة التي ستكتسبها السعودية بين الطائفتين السنية والمسيحية في البلاد العام القادم، لن تتمكن الرياض من شن هجوم فعال على مكانة حزب الله في البلاد. وستواجه تركيا حواجز مماثلة، لأنها تستند إلى صلاتها بالقادة السنة في لبنان في محاولة مواجهة شريك إيران المتشدد.

ومع ذلك، سوف تسعى تركيا إلى وسائل أخرى لوضع بصمتها الخاصة في الشرق الأوسط. وستكون قطر حليفا محتملا في هذا الصدد، حيث يرغب البلدان في مكانة إقليمية واستقلال عن جيرانهما الأقوياء، إيران والسعودية. وفي العام المقبل، ستقدم تركيا دعمها لقطر بنشر قوات ومعدات عسكرية على أراضيها وزيادة حجم التجارة. وسوف يتعارض الوجود المتزايد لتركيا في شبه الجزيرة العربية مع السعودية، مع التأكيد على الانقسامات التي تتغلغل داخل مجلس التعاون الخليجي. وفي الوقت نفسه، فإن الشراكة الناشئة بين تركيا وقطر ستحبط محاولات المملكة لترسيخ مكانتها كقوة سنية مهيمنة في الشرق الأوسط.

استراتيجية السعودية للبقاء
وبينما تتصارع المملكة العربية السعودية مع منافسيها في الخارج، سيتعين عليها أيضا أن تصارع آثار الإصلاحات الصعبة في الداخل. وعلى الرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي سوف تضطر إلى إجراء إصلاحات صعبة العام المقبل، إلا أن إصلاحات المملكة هي الأكبر والأكثر طموحا. وفي قلب التغييرات السياسية المحلية الجارية، سيكون ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، الذي سوف يمارس سلطته الجديدة لتعزيز أجندته الكاسحة. وسيسعى الزعيم الشاب إلى الوفاء بوعوده بالإصلاح الاقتصادي الجريء، بهدف تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال الضرائب وأرباح الاستثمار، وتحفيز نمو القطاع الخاص وتأميم القوى العاملة في المملكة (السعودية).

ولا يمكن للمملكة أن تتحمل تأجيل هذه الإصلاحات الاقتصادية الصعبة، وسوف يرى مواطنوها قريبا علامات ملموسة على التغيير المؤلم، إذا لزم الأمر. ولتحقيق التوازن في ميزانيتها، لن يكون أمام الرياض خيار سوى فرض ضرائب جديدة، والمضي قدما في الطرح الأولي الجزئي المخطط له لشركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو)، والذي سيوفر رأس مال تشتد الحاجة إليه لاستثمارات المملكة في المستقبل. (يتم الحديث عن إجراء الاكتتاب حاليا في عام 2018، ولكن قد يتم تأجيله مرة أخرى). كما قد تساهم أسعار السلع اليومية الجديدة مثل ارتفاع أسعار الوقود، إلى المزيد من السخط الشعبي. وسوف تستجيب الحكومة لمطالب شعبها، وسوف تنقح بعض الأهداف إذا اعتبرت عدوانية جدا. وبفضل هذا الاهتمام والمرونة، فضلا عن الرغبة في تعزيز استثماراتها الرأسمالية في العام المقبل، ستصل المملكة إلى العديد من أهدافها – بما في ذلك ارتفاع الإيرادات غير النفطية.

وتتطلب بعض الأهداف الاقتصادية السعودية تغييرات جريئة في السلوك الاجتماعي، الأمر الذي سيستغرق وقتا للحصول على الدعم. وفي نهاية المطاف، يعتزم «بن سلمان» تصميم عقد اجتماعي جديد يضبط ما يتوقعه المواطنون من حكومتهم، والعكس بالعكس. وفي الوقت نفسه، سوف تتخذ المملكة خطوات ملحوظة نحو ذلك العقد، ومن المرجح أن تمنح الرياض المرأة الحق في القيادة في يونيو/حزيران عام 2018، وسوف ترتفع فرص الترفيه الجديدة على مدار العام. وسيعلن ولي العهد كل خطوة بإعلانات مؤقتة عن التدابير المقبلة، لقياس رد فعل الجمهور، وللوفاء بتعهده بالحفاظ على الشفافية. وعلى الرغم من أن رجال الدين المحافظين في البلاد سيحاولون الوقوف في طريق الإصلاح، فإن الشباب السعودي سيدعمون بشكل متزايد رؤية «بن سلمان» لمستقبل المملكة.

مصر وليبيا
وستبقي الحكومة المصرية تراقب الرأي العام عن كثب العام المقبل. وستجرى البلاد انتخابات رئاسية في مايو/أيار المقبل. وسيتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة التصويت بعناية، مما يترك للمصريين خيارات قليلة في اختياراتهم الفعلية. ولكن الأهم من ذلك، سيكون عدد العاملين في فعاليات الحملة، ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وإقبال الناخبين، وسيكشف كل ذلك عن بعض تفاصيل آراء الناخبين عن الاستراتيجيات الاقتصادية والأمنية القائمة في مصر. وسيتم استيعاب أي إحباط شعبي من الحكومة في القاهرة من خلال مرشحي المعارضة، مثل المحامي «خالد علي». ومن شأن تخفيض الدعم – الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي – المقرر إجراؤه في عام 2018، أن يوجه ضربة قوية لمواطني الطبقة الفقيرة والمتوسطة في مصر، ولكن القاهرة ستحاول التخفيف من حدة التداعيات السياسية في الداخل من خلال تقديم الدعم النقدي.

وبموازاة قروض صندوق النقد الدولي، ستمارس مصر استقلالية أكبر في علاقاتها في الخارج. وتحقيقا لهذه الغاية، ستوازن القاهرة علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا، في الوقت الذي ستحتفظ فيه بعلاقاتها مع السعودية على أسس تجارية بحتة. وعلى الرغم من أن مصر ليست صديقة لإيران، إلا أنها لا تحبذ ادعاءات السعودية بشأنها.

كما ستبقى القاهرة بعيدة عن أنقرة العام المقبل، وستحاول مصر أن تأخذ في الاعتبار الإجراءات التي تتخذها تركيا، وأن تدير مشاكلها على نحو أفضل مع إرهاب سيناء، من خلال الوصول إلى علاقات أعمق مع حماس، والمجموعة الفلسطينية المكلفة بإدارة قطاع غزة. وستساعد القاهرة أيضا في جهود واشنطن للتفاوض على اتفاق سلام جديد بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وبجانب ذلك، سينشأ الزخم وراء محاولة إجراء انتخابات في ليبيا. ولكن بالرغم من أن المبادرة الأخيرة – التي تدعمها الأمم المتحدة – تحظى ببعض الدعم، فإن العديد من الفصائل المشاركة في محادثات السلام من غير المحتمل أن تنحي خلافاتها العام القادم. ومع ذلك، نشأ شكل مشترك من القومية بين أقوى الجماعات في شرق وغرب ليبيا – بما في ذلك المشير «خليفة حفتر» قائد الجيش الليبي، الذي يفرض نفسه على المجتمع الدولي. وسيعزز مؤتمر وطني في تونس يهدف إلى حفز العملية الانتخابية الأرضية المشتركة التي ظهرت في ليبيا في عام 2018. ومع ذلك، فإن عددا قليلا من الأطراف سوف يقتنع بأن محادثات الأمم المتحدة ستلبي مطالبها، وستواصل أقوى الأطراف – ومن بينها «حفتر» – العمل من أجل مصلحتها الخاصة عندما تتكشف المفاوضات.

الحروب التكفيرية
ويكون تنظيم داعش قد هُزم هزيمة تامة في العراق وسوريا، ولكن الحرب ضد الجماعات المتطرفة في العالم لم تنته بعد. وستحاول القاعدة استغلال انهيار ما يسمى بخلافة “الدولة الإسلامية” لتلميع سمعتها كزعيم للحركة التكفيرية العالمية، ونشر رؤيتها «للنضال الطويل». وستهدف جهود التجنيد التي تبذلها المجموعة إلى جذب أتباع داعش الحاليين والمحتملين في عام 2018.

وسيسعى كل من تنظيمي القاعدة وداعش إلى استهداف دول تصلح كمعاقل جديدة أو لتوسعة مواقعها القديمة، مع التركيز على اليمن وليبيا وشبه جزيرة سيناء. وتكون الأماكن غير الخاضعة للحكم في منطقة الساحل وأفغانستان والصومال مغرية بالنسبة لهم أيضا. وفي الوقت نفسه، سوف تنقلب الأمور بين القاعدة وقواعدها في النزاعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط – بما في ذلك سوريا – حيث قد يعرض الانشقاق بين تنظيم القاعدة وجبهة تحرير تحرير الشام تماسك المنظمة للخطر.

ومع استمرار المعركة على قلوب وعقول المجندين المحتملين في جميع أنحاء العالم، فإن تهديد المتشددين المحليين المستوحى من الأيديولوجيات المتطرفة المتنافسة سيزداد، مع وقوع المزيد من الهجمات

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم بمتابعة مستقبل العالم و الأحداث الخطرة و عرض (تفسير البينة) كأول تفسير للقرآن الكريم في العالم على الكلمة وترابطها بالتي قبلها وبعدها للمجامع والمراكز العلمية و الجامعات والعلماء في العالم.

شاهد أيضاً

“فايننشال تايمز” : الاتحاد الأوروبي سيمنح تونس 165 مليون يورو لكبح الهجرة غير الشرعية

RT : قالت صحيفة “فايننشال تايمز” يوم الأحد إن الاتحاد الأوروبي سيقدم لقوات الأمن التونسية …