شفقنا- في مفاجأة من العيار الثقيل، أعلن وزير الخارجية السوداني أمس الأول الثلاثاء أن تركيا ستُعيد بناء ميناء عثماني قديم، يقع على ساحل البحر الأحمر السوداني، وذلك من أجل إنشاء مرفأ بحري لإصلاح السفن المدنية والعسكرية، وجاء ذلك عقب إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نية بلاده لتطوير «جزيرة سواكن» السودانية، في زيارة وصفت «بالتاريخية»، عمل خلالها الرئيس السوداني عُمر البشير على تخصيص الجزيرة لتركيا من أجل أعمال الإصلاح والترميم؛ مما يعد تغييرًا واضحًا في خريطة النفوذ والسيطرة على موانئ البحر الأحمر.
وفي السطور التالية نستعرض الأهمية الجغرافية في الأساس لجزيرة سواكن.
«إعادة مجد» الإمبراطورية العثمانية
تاريخيًا تعود الأهمية الاستراتيجية لسواكن الملقبة بـ«جزيرة الأساطير» إلى القرن الخامس عشر، تحديدًا عام 1571؛ وذلك إبان غزو السلطان العثماني سليم الأول لمصر؛ إذ أصبحت الجزيرة حينها جزءًا من الأراضي العثمانية، وذلك حتى القرن التاسع عشر، حين تم تأجيرها إلى محمد على باشا، قبل أن تتنازل له الدولة العثمانية عنها في مقابل جزية سنوية عام 1865، والآن تحولت الجزيرة إلى أطلالٍ مدمرة، تحكي رواية تاريخية عن ميناء مهجور، كان في سابق عهده أهم الموانئ العثمانية، وأسطورة تعبث بالخيال عن قططٍ ضخمة تُدعى «قطط سواكن»، تناجي الناس ليلًا، بعيونٍ مضيئة تساعدها على صيد الأسماك.
ومنذ عام 1429 وصولًا إلى إنشاء السودان مينائها الجديد بورتسودان، كانت الجزيرة هي الميناء الأكثر أهمية وأمانًا في إفريقيا والبحر الأحمر.
«أردوغان لا يخفي أحلامه في إعادة مجد الإمبراطورية العثمانية، بل يحاول تبيض وجه التاريخ العثماني الذي ظل لفترة طويلة من الوقت وجهًا غير مشرفًا» * ياسر الهواري. محلل سياسي.
يروى المحلل السياسي المصري، وعضو «جبهة الإنقاذ» في مصر سابقًا، ياسر الهواري، في حوارٍ خاص لـ«ساسة بوست» عن الأهمية الاستراتيجية التاريخية لجزيرة سواكن، إذ كانت الجزيرة، وعلى مدار الخلافة العثمانية، واحدة من أهم الموانئ؛ لموقعها المتميز على البحر الأحمر مُشيرًا إلى أن الأهمية الجغرافية التاريخية للجزيرة لا تنفي أهميتها الاستراتيجية الآن، مُستكملًا «قديمًا كانت الجزيرة الميناء الرئيس التابع للإمبراطورية العثمانية على البحر الأحمر، وبعودة تركيا للسيطرة عليه حتى في حالته المدمرة هذه، لا نستطيع أن ننكر أهميتها الاستراتيجية والجغرافية؛ إذ سيمهد الطريق لتركيا، ليكون لها «موطئ قدم» في البحر الأحمر مرةً أخرى.
جاء ذلك ردًا على عناوين الأخبار التي تم تداولها بالأمس، والتي رددت الأهمية التاريخية والتراثية للجزيرة؛ إذ أعلن رجب طيب أردوغان في حوارٍ صحافي معه بالأمس أن السبب الرئيس في نية بلاده لتطوير تلك الجزيرة، هو جعلها جديرة بمجدها التاريخي، قائلًا: «رؤيتي للوضع الحالي لجزيرة سواكن الآن، وهي مدمرة تمامًا، يحزنني»، وأضاف: «استعادتنا لهذه الجزيرة سيعيد لها مجدها التاريخي، وفي المستقبل سيفخر السودان بهذه الخطوة»، إذ أشار الرئيس التركي إلى أن بلاده ستسعى لتطوير الجزيرة وإصلاحها نظرًا لما تحمله من تراثٍ عثماني، كما أن ترميم سواكن سيجعلها بؤرة سياحية جديدة، وجزءًا من طريق الحج والعمرة للأتراك، كما كانت في سابق عهدها؛ إذ كان الحجاج الأتراك يمرون عبرها في طريقهم إلى جدة، كما استخدمها العثمانيون لتأمين محافظة «الحجاز» – غرب المملكة العربية السعودية – من أية هجماتٍ خارجية عبر البحر الأحمر.
أما جغرافيًا، فتقع جزيرة سواكن على الشاطئ الغربي للبحر الأحمر شرقي السودان، عند خطي عرض 19.5 درجة شمالًا، وطول 37.5 درجة شرقًا في منطقة المركز التي تفصل إفريقيا عن الجزيرة العربية حاليًا، وتبلغ مساحتها 20 كيلومترًا، وتبعد عن الخرطوم حوالي 560 كيلومترًا.
يشير الهواري في حواره الخاص معنا إلى أن أردوغان لا يخفي أحلامه الدفينة بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية، بل يحاول جعلها مرئية للعيان؛ فحاول على مدار فترة رئاسته تجديد النظرة التقليدية للتاريخ العثماني في المنطقة، بدءًا من احتفائه بالأعمال الفنية التاريخية التي تسعى لتبييض وجه التاريخ، وإحياء حلم الإمبراطورية الإسلامية في الأذهان، وصولًا إلى سياساته الخارجية التي سعت في الفترة الأخيرة إلى الإشارة للأملاك السابقة للدولة العثمانية ورعاياها. والحقيقة أن تلك السياسات لن تترك في ذهن المتابع العربي سوى انطباع سلبي، بحسبه، نظرًا لأن التاريخ العثماني لم يكن وجهًا مشرفًا في المنطقة العربية.
«حرب الجزر».. صراع السيطرة على موانئ البحر الأحمر
يقع البحر الأحمر في عمق المنطقة العربية؛ ويحيط به سبعًا من أهم الدول العربية، الأردن والسعودية ومصر واليمن والسودان والصومال وجيبوتي؛ مما يجعله محط أنظار العالم، خاصةً بعد بناء قناة السويس البحرية، والتي اختصرت طريق التجارة القديم – رأس الرجاء الصالح – إلى قناة بحرية صغيرة تمر بها السفن المُحملة بالبضائع.
تاريخيًا كان للبحر الأحمر أهمية استراتيجية؛ إذ كان أداةً عظيمة في تبادل العلاقات الثقافية والاقتصادية بين الدول الواقعة في محيط منطقة البحر الأبيض المتوسط، ووسط إفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك الشرق الأقصى، والصين، فتم استخدامه في السفر والتجارة الدولية، وكان معبرًا هامًا لأداء فريضة الحج، وعلى الرغم من تغير خرائط الدول، والسياسات والاتفاقات العالمية، إلا أن البحر الأحمر مازال يحتفظ حتى الآن بأهميته الاستراتيجية، وهو ما يثبته تبادل الأدوار والنفوذ الذي شاهدناه في العام الأخير 2017، من أجل السيطرة على الموانئ والجزر الحيوية في هذا البحر ذي التاريخ العريق.
يشير المحلل السياسي ياسر الهواري في حواره الخاص مع «ساسة بوست»، أن منطقة البحر الأحمر ومنطقة العمق الاستراتيجي المصري – السودان وليبيا وفلسطين – تشهد الآن حالة من الفراغ، خاصة مع تراجع الدولة المصرية عن أداء دورها التاريخي في المنطقة لحماية حدودها، وهو ما نتج عنه سعي جدي من دولٍ عديدة لملء هذا الفراغ.
وفي ورقةٍ بحثية صدرت عن مركز البديل للتخطيط والدراسات الإستراتيجية تناقش التحول في نمط التحالفات في الشرق الأوسط، تمت الإشارة إلى أن منطقة الشرق الأوسط تشهد الآن تغيرًا جذريًا، من نظامٍ إقليمي ثنائي التحالفات، إلى نظام متعدد التحالفات، وهو ما صنفه الباحث سمير رمزي، على أنه يعزز من حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، متنبئًا بمرحلةٍ قادمة من الصراع الإقليمي أعنف من الربيع العربي.
قَسَم البحث التحالفات في الإقليم إلى ثلاثة محاور، تمثل فيها إيران وحلفاؤها محورًا أوليًا، يأتي بعدها محور التقارب السعودي المصري الإسرائيلي الإماراتي ثانيًا، وأخيرًا تبرز دولتي قطر وتركيا كمحورًا إقليميًا ثالثًا.
والحقيقة أن المحاور الثلاث للتحالفات في منطقة الشرق الأوسط يسعون بشكلٍ حثيث للسيطرة على موانئ البحر الأحمر، ووضع موطئ قدمٍ لهم، يثبتون من خلاله قوة نفوذهم في المنطقة، وهو ما أكدته دراسة تحليلية نُشرت في مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ديسمبر (كانون الأول) 2016، وتناقش التنافس الدولي على موانئ منطقة القرن الإفريقي، الواقعة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، والأهمية الاستراتيجية لهذه الموانئ في الوقت الحالي، والتي تحول البحر الأحمر – الذي كان في وقتٍ سابق بحيرة عربية خالصة – إلى ساحة دولية مفتوحة، تسعى الكثير من الأقطاب والدول البعيدة إقليميًا عنه إلى السيطرة على موانئه.
في البداية أدت القرصنة، والتي هددت حركة الملاحة في البحر الأحمر، إلى جعل مجاله مفتوحًا دوليًا، لمواجهة الأزمة، ومن ثم سعت الكثير من الدول الفقيرة في منطقة القرن الإفريقي إلى استغلال موانئها المطلة على باب المندب، وخليج عدن من أجل تحصيل بعض النقود ممن يدفع الثمن؛ فبادرت الإمارات وتركيا بالحصول على حق الإدارة والانتفاع لمجموعة من موانئ الصومال، والتي تعاني من فقرٍ مدقع؛ ليعلنا عن بدء سباق السيطرة والنفوذ على موانئ البحر الأحمر.
ثم جاءت إنطلاقة حرب اليمن في مارس (آذار) من عام 2015، والتي ساند فيها الحوثيون المدعومون من إيران الرئيس السابق لليمن «علي عبد الله صالح» ضد التحالف العربي تحت قيادة المملكة العربية السعودية، والداعم الرئيس للرئيس «عبد ربه منصور هادي»، والتي كانت نقطة تحول في المنطقة؛ إذ أدت انتصارات الحوثيين وسيطرتهم على الكثير من الموانئ اليمنية، وعلى منطقة ميناء الحديدة تحديدًا والذي يشكل واحدًا من أهم الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر والمسيطرة على مضيق باب المندب، إلى تهديد مصالح السعودية والإمارات في منطقة البحر الأحمر.
كانت النتيجة سعيًا سعوديًا نحو اتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية، والتي سمحت للسعودية بالسيطرة على جزيرتي «تيران وصنافير» المطلتين على البحر الأحمر، وعقب ذلك ترددت أنباء عن إنشاء جسر بري يربط بين مصر والسعودية عبر جزيرة تيران، ولكن السباق لم ينته عند هذا الحد؛ إذ شاركت الدولة القطرية في سباق السيطرة، وذلك بعد إتفاقٍ قطري – سوداني في الشهر الفائت على تطوير ميناء «بورتسودان» والذي يعد أكبر الموانئ السودانية على البحر الأحمر في العصر الحديث، هذا بالإضافة إلى مشروع إنشاء أكبر ميناء على ساحل البحر الأحمر السوداني بتمويل قطري.
وأخيرًا، يعد قرار أمس الأول بوضع جزيرة سواكن السودانية ومينائها تحت الإدارة التركية خطوةً جديدة قد تغير مسار لُعبة النفوذ بمنطقة القرن الإفريقي.
هل يتعلق الأمر بالتاريخ حقًا.. ما الذي تستفيده تركيا بالفعل من السيطرة على «سواكن»؟
يشير أردوغان في حوارٍ صحافي، إلى أن تركيا قد مُنحت جزءًا مؤقتًا من الجزيرة، وذلك بهدف إعادة إحيائها كموقعٍ سياحي، وقِبلةً للحجاج في طريقهم للوصول لمكة، وهو ما يتنافى مع الواقع العملي؛ إذ إن موانئ الملاحة الجوية قد حلت مَحل الملاحة البحرية منذ زمنٍ، ولم يعد الحج يعتمد على الرحلات البرية والبحرية، كما كان في سابق عهده إبان الإمبراطورية العثمانية.
ومن جانبه يشدد أردوغان على أهمية الجزيرة التاريخية، وكأن السبب الوحيد لسعيه وراء السيطرة عليها هو إحياء تراثها المعماري، إلا أن تقرير وكالة «رويترز» للأنباء ينافي هذه التصريحات التي تعتمد في الأساس على الحنين التاريخي لأملاك العثمانيين؛ إذ يشير إلى خطوة في طريق توسع العلاقات العسكرية والاقتصادية لأنقرة داخل القارة الإفريقية، فصفقة جزيرة «سواكن» كانت واحدة من بين عدة صفقاتٍ إقتصادية وعسكرية بين الحكومة السودانية والتركية بقيمة 650 مليون دولار، وهو ما استغلته الحكومة السودانية بعد عقدين من فرض العقوبات الدولية على أراضيها، بحسب التقرير.
وفي تصريحٍ آخر لإبراهيم الغندور، وزير الخارجية السوداني، تمت الإشارة إلى أن البلدين قد اتفقا على التعاون العسكري، هذا إلى جانب التعاون الاقتصادي؛ إذ سيتم إنشاء مرفأ للإبقاء على سفنٍ عسكرية ومدنية، وهو الأمر الذي قد يسمح لتركيا باستخدامها في خططٍ عسكرية مُقبلة في حالة الضرورة، أو على الأقل يجعل لها قوة ردع في البحر الأحمر تطل على دولتي الخليج الأهم، وقد جاءت تلك الاتفاقية بعد ثلاثة أشهر من فتح تركيا رسميًا لقاعدة عسكرية في الصومال بقيمة 59 مليون دولار، وهو ما يشير إلى نفوذٍ تركي متزايد في المنطقة، وسعي دؤوب على التواجد في البحر الأحمر.
أثارت تلك التصريحات لإبراهيم الغندور ريبة كل من الحكومة السعودية والمصرية والإماراتية، إذ انتقدت بشدة قرار السلطات السودانية بتأجير جزيرة سواكن لتركيا، وذلك لما قد تشكله من تهديدٍ مُستقبلي لأمن كل من الدول المذكورة، خاصةً السعودية، إذ تقع الجزيرة في مقابلة ميناء جدة البحري، والذي يعد أهم الموانئ السعودية المطلة على البحر الأحمر، وهو ما اعتبره الناشط السياسي المصري، ياسر هواري، رغبةً في وضع موطئ قدم، بالبحر الأحمر، والذي تعد موانئه مراكز للسيطرة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما فعلته تركيا بالفعل لمواكبة صراع الجزر الأخير.
وهو ما لم تنفه الصحافية التركية ذاتها، إذ أشار الكاتب التركي زكريا كرسون، إلى أن المستقبل قد يحمل تركيا والسودان على تعاون مُشترك، من أجل ضمان أمن منطقة البحر الأحمر، وتقليل النفوذ الإسرائيلي فيه، بحسب الكاتب.
إذًا في ظل التحالف السعودي الإماراتي المصري في المنطقة، في مواجهة التحالف الإيراني، والتحالف التركي القطري بعد فرض الحصار على قطر من قبل التحالف الأول، تعد سيطرة تركيا على واحد من أهم موانئ البحر الأحمر، والذي يقع في مواجهة جدة، ورقة رابحة للتحالف الأخير، تعيد قراءة التحالفات والنفوذ في المنطقة العربية.
«جزيرة سواكن».. وتهديدات الأمن القومي المصري
«السودان وليبيا وفلسطين هي مناطق العمق الاستراتيجي المصري، ومن الطبيعي أن أي وجودٍ أجنبي داخل تلك المراكز المحورية قد يهدد الأمن القومي المصري»* ياسر هواري في حواره مع «ساسة بوست»
ترددت بعض الأقوال عقب انتهاء الزيارة التركية – السودانية، حول تهديد مبطن من أردوغان للسعودية ومصر؛ كما أشار اللواء حاتم باشات عضو مجلس النواب المصري إلى أن سيطرة تركيا على جزيرة سواكن ما هي إلا محاولة لم تنجح «لإزعاج مصر»، إلا أن البحر الأحمر مُؤمن تمامًا من جانب السعودية ومصر والأردن، مُستكملًا: «الرئيس السوداني عُمر البشير يعتبر رجب طيب أردوغان رئيس تركيا مخرجه الوحيد لمواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليه».
جاء رد وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور على تلك الأخبار مقتضبًا، في المؤتمر الصحافي الذي تمت إقامته عقب انتهاء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للأراضي السودانية، إذ عقب قائلًا: «فليمت بغيظه من يمت، وليفرح بفرحنا وسعدنا من يفرح».
مُضيفًا أن الزيارة التركية للسودان لا تُمت بصلة لأية تحالفاتٍ قطرية تركية سودانية في المنطقة كما يشير البعض، مؤكدًا أن السودان بلد لا يقوم على سياسات التحالفات، وواصفًا منافذ الإعلام المصرية التي انتقدت الزيارة «بهؤلاء» الذين لن يفهموا كيف تُدار العلاقات بين الدول.
في حين أشار مذيع «بي بي سي» السوداني عُمر الطيب، عبر حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إلى أن الضجة التي أثيرت حول الاتفاق السوداني التركي، حول إعادة إعمار سواكن، قد تم المبالغة في تأويلها؛ إذ إن الجزيرة، والتي كانت أهم موانئ البحر الأحمر إبان الدولة العثمانية قد تدهورت، وأفل نجمها؛ نتيجة لضحالة حوض الميناء، بحسبه، وكثرة السفن، وهو ما أجبرهم على الانتقال لميناء «بورتسودان» فيما بعد، في إشارة إلى أن الجزيرة لم تعد تمثل تهديدًا؛ لأي من القوى الدولية الحالية، وأن قيمتها تنبع من المعمار التراثي المميز.
ومن جانبه يشير ياسر الهواري إلى أن جزيرة سواكن، والتي تقع على بعد 560 من العاصمة السودانية الخرطوم، تقع في منطقة العمق الاستراتيجي المصري، وهو ما يجعل أي وجود أجنبي داخل المنطقة قد يعد تهديدًا للأمن القومي المصري، وهذا ما يضفي على تلك الجزيرة أهمية خاصة لدى المصريين؛ إذ كانت الدولة المصرية سابقًا، نظرًا لموقعها الجغرافي، تلعب دورًا مركزيًا في المنطقة، إلا أنها تعاني الآن من حالة انكماشٍ داخل حدودها؛ مما عمل على فتح الباب أمام عناصر أجنبية للسيطرة على موانئ البحر الأحمر، والذي يشكل أهمية خاصة لمصر، نظرًا لكونه يشكل حدًا طبيعيًا شرقيًا لها، إضافةً إلى وجود قناة السويس، والتي تعد واحدة من أهم قنوات الملاحة الدولية.
«مصر فقدت قوتها الناعمة، وعلاقاتها الاستراتيجية في إفريقيا، إذ انغمست في حالة حربٍ داخلية، أهملت خلالها سياساتها الخارجية»، كان ذلك بحسب الهواري، السبب الرئيس لاختفاء مصر من صراع النفوذ على موانئ البحر الأحمر.
وعلى صعيدٍ آخر، علق المحلل السياسي ياسر الهواري على تخصيص جزيرة سواكن للدولة التركية، وما تم نشره في تقرير «الجزيرة» عن كون الاتفاقية – السودانية التركية – ردًا من الرئيس السوداني عُمر البشير على اتفاقية ترسيم الحدود الجديدة بين مصر والمملكة العربية السعودية، وضم منطقة حلايب إلى الأراضي المصرية، بأن الأمر ما هو سوى حلقة ثانية من سلسلة التجرؤ – بحسبه – على مصر.
مستطردًا بأن الأمر قد بدأ بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، بالرغم مما تم تقديمه لساحات القضاء من وثائق وخطابات تثبت مصرية الجزر، مرورًا بسد النهضة والذي تجرأ على حصة الدولة المصرية في مياه النيل، وهو الأمر الذي لم تتخذ فيه الدولة المصرية ردًا رادعًا، بالرغم من التحذيرات، بحسبه.
«هذا التجرؤ سببه السياسات التي تتبعها مصر في المنطقة العربية نظرًا للإحساس بضعف الدولة المصرية»، قال الهواري هذا مُشيرًا إلى أن الحالة التي تتبعها الحكومة المصرية مع شعبها في سياسات الفترة الحالية، تعتمد على عنصر المفاجأة، سواء في حالة السد، أو تيران وصنافير.
النهایة