شفقنا – بعد هزيمته في سوريا والعراق، تحوّل تنظيم “داعش” من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، وتحديدا إلى أفغانستان حيث بات يرّكز على استهداف الشيعة حتى يحيي نعرات طائفية تضمن له استقطاب المجموعات السنية المتطرّفة.
تأكدت الحكومة الأفغانية عام 2015 من تشكيل تنظيم “داعش” الإرهابي لخطر أمني حقيقي على البلاد، خاصة وأن التنظيم كان موجوداً في المناطق الشرقية من محافطة ننجرهار، القريبة من الحدود مع باكستان. لذلك أعلنت الحكومة عن إطلاق عمليات عسكرية ضده في هذه المناطق.
انتهت هذه العمليات بانتصار القوات الحكومية وفق التصريحات الرسيمة شهر مارس/آذار 2016. كما أكدت كابول وواشنطن في وقت لاحق من السنة ذاتها، مقتل حافظ سعيد خان، قائد “داعش” فيما يُعرف بـ”ولاية خراسان” التي تشمل أفغانستان وباكستان وعدة أجزاء من دول آسيا الوسطى.
كما أكد البنتاغون في يوليو/تموز 2017 مقتل أبو سيد، زعيم “داعش” في أفغانتسان، بغارة جوية استهدفته في محافظة كونار. واعتبر البنتاغون رحيل أبو سيد بمثابة ضربة كبيرة لـ”داعش” في هذا البلد. مشاكل التنظيم الإرهابي في أفغانستان زادت مع المواجهات التي وقعت بينه وبين طالبان، ممّا أعاق تقدمه، ودفع بالمسؤولين الأفغان إلى الأمل بكون “داعش” لن يستطيع الاستقرار في بلدهم.
لكن الأحداث تطوّرت لاحقاً إلى عكس ما تمنته الحكومة الأفغانية، إذ استمر مقاتلو “داعش” في إطلاق هجمات إرهابية في أنحاء عدة من البلد، آخرها ما وقع أمس الخميس 28 ديسمبر/كانون الأول 2017، عندما نفذ التنظيم هجوماً انتحارياً في العاصمة كابول، قُتل فيه 40 شخصاً على الأقل وجرح 30، استهدف “داعش” من خلاله مركزاً شيعياً ثقافياً.
وهذه ليست أول مرة يقوم فيها “داعش” بالهجوم على الأفغان الشيعة الذين يعدّون أقلية في البلد، فقد عانوا من هجمات تكرّرت خلال عام 2017 أدت إلى مقتل مئات الأشخاص، لا سيما أن الهجمات كانت تستهدف أماكن ومناسبات دينية، كالاعتداء على مساجد شيعية الصيف الماضي بكابول.
ويقول الباحث في المجال الأمني، وحيد موزداح، لـ DW إن “داعش” يرغب بخلق نعرات طائفية في أفغانستان، مشيراً إلى أن التنظيم يواجه تحديات كبيرة من لدن طالبان، الجماعة ذات الحضور المسلح القوي في البلد، لذلك فهو يحاول إيجاد دعم من لدن الجماعات السنية المتطرّفة عن طريق استهداف الأقلية الشيعية حتى يَظهر مختلفاً عن طالبان.
ويشير الباحث ذاته أن نجاح “داعش” في هذا المسعى يكتنفه عدة صعوبات، رغم حديث خبراء أمنيين أفغان عن أن المخاوف من “داعش” قد تدفع البلد في اتجاه الطائفية. ويستدل موزداح على هذه الصعوبات بالتضامن الذي يبديه جميع الزعماء الإسلاميين في البلد مع الشيعة ضحايا هجمات “داعش”. لكن في الجانب الآخر، يؤكد الباحث أن ضعف الإجراءات الحكومية لمواجهة هذه الهجمات قد يُساهم في خلق جو من الانقسام الطائفي.
وبعد خسارته لأهم مناطقه في سوريا والعراق، أضحى “داعش” يرّكز على أفغانستان بشكل كبير، وقد حذر عدة خبراء من اتجاه مجموعات كبيرة من مقاتلي التنظيم نحو هذه الدولة وجارتها باكستان. وفي هذا الصدد يقول زيكفريد وولف، باحث في جامعة هايدلبيرغ الألمانية، لـDW إن مقاتلي “داعش” ينظرون إلى باكستان وأفغانستان كمناطق جديدة لعملياتهم بعد تراجعهم كثيراً في الشرق الأوسط.
وتؤكد عدة تقارير أن حضور “داعش” لم يعد محصوراً في محافظة ننجرهار ، إذ طوّر نشاطاته في عدة مناطق أخرى من أفغانستان، منها حتى مناطق في الشمال، كانت تعدّ آمنة، كما وصلت هجمات التنظيم إلى باكستان. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن “داعش” قد يتلقى دعماً من الميليشيات الباكستانية المتطرّفة التي تهاجم بين الفينة والأخرى الأقليات الشيعية والمجموعات المتأثرة بإيران.
جدير بالذكر، أن السلطات الأفغانية اتهمت أكثر من مرة نظيرتها الباكستانية بمساندة طالبان وغيره من المجموعات المقاتلة، عبر إرسال أعضائها إلى أفغانستان لخلق حالة من اللا استقرار. ويتحدث الخبراء، عن أنه رغم عدم نظرة باكستان لـ”داعش” كحليف أو كمجموعة يمكن أن تحقق إسلام آباد من خلالها مصالحها في المنطقة، فالأوضاع قد تتغير مستقبلاً، خاصة مع انتشار الفكر الوهابي في هذا الحيز الجغرافي.
مسعود سيف الله/ترجمة: إسماعيل عزام