شفقنا – تنشب الحروب في كل مكان حول العالم بشكل متزايد، وغالبًا ما يكون للولايات المتحدة صلة بها. لذا يحرص مركز «مجلس العلاقات الخارجية» للأبحاث على إصدار استطلاع سنوي منذ بداية العقد الماضي حول مخاطر الحروب التي تهدد الولايات المتحدة، والتي يجب أن يراقبها المسؤولون طوال العام. كما زاد على دراسة هذا العام دراسة المخاطر التي تمثلها الولايات المتحدة تجاه العالم وتجاه نفسها. وتأتي الدراسة وفقًا لآراء 436 شخصًا بين مسؤولين حكوميين، وخبراء في السياسة الخارجية.
نشرت مجلة «ذي أتلانتك» تقريرًا حول هذه الدراسة، الذي يأتي في وقت أصبحت فيه الولايات المتحدة «في مقدمة الدول العالمية غير المتوقعة، وهو ما جعل الأمر شديد الصعوبة»، كما يقول بول ستيرز، مدير مركز الإجراءات الوقائية التابع لمجلس العلاقات الخارجية، الذي يصدر هذه الدراسة.
يضيف ستيرز في حديثه للمجلة: «كنت تستطيع سابقًا تنحية الولايات المتحدة جانبًا، وأن تثق في ثبات موقفها، بينما تبحث عن أبرز مصادر المفاجآت والتهديدات. أما الآن فعليك تضمين الولايات المتحدة في حساباتك. لا يستطيع أحد التوقع بثقة كافية ماذا سيكون رد فعلنا (نحن الأمريكيين) في أي وضع محتمل، وذلك وفقًا لما يرونه من هذا الرئيس». قد يسعد ترامب بهذا التطور، فقد كتب سابقًا أنه لا يريد لأحد أن يعرف ماذا يفعل أو فيما يفكر، فهذا يجعلهم يتفاجأون.
تمثلت هذه الفجائية الأمريكية المستجدَّة في سيناريوهين اعتبرتهما دراسة هذا العام الأكثر خطورة، أولهما نزاع عسكري يشمل الولايات المتحدة وكوريا الشمالية وجيرانها. والثاني هو مواجهة مسلحة بين إيران والولايات المتحدة أو أحد حلفائها، بسبب تدخل إيران في النزاعات الإقليمية ودعمها للجماعات المسلحة. ويقول ستيرز: «إنهما أكثر الأزمات تقلبًا وتطورًا في الوقت الحالي. قد يظن الناس أنه من الجيد أن هناك من يخمن المستقبل، وأن كل هذا الجهد المكثف سيقوي الموقف الأمريكي في المساومة مع إيران أو كوريا الشمالية.أظن أن أغلب المختصين سيرونها استراتيجية غير ذكية، فيمكن أن تؤدي لنتائج عكسية، أو تتسبب في خطأ في الحسابات أو الفهم أو ما إلى ذلك».
أجريت هذه الدراسة في النصف الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، أي خلال التوقف المؤقت لاختبارات كوريا الشمالية الصاروخية والنووية. وكان تقدير الأغلبية من المستطلع آراؤهم، أن أي صراع مع كوريا الشمالية سيكون له أثر بالغ الشدة على المصالح الأمريكية، لكنهم يرون أيضًا أن احتمال حدوثه متوسط. ويعلق التقرير بأن عبارة «الأثر الشديد»قد تعد تهوينًا لخطورة الصراع، الذي يعتقد غالبية الخبراء بأنه سيؤدي لأكثر الحروب ضراوة منذ الحرب العالمية الثانية.
ويشير ستيرز إلى أن دراسة العام الماضي صنفت «الأزمة المحتدة مع كوريا الشمالية» على أنها خطر من الدرجة الأولى، متجاوزة خطر الحرب الأهلية في سوريا التي كانت أكثر حرب يوصى بمتابعتها في الدراسة. أما دراسة هذا العام، فتضم مخاوف جادة من الأعمال العسكرية العدائية بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، وتلميحات بأن هذه الأعمال العدائية قد تتصاعد لتكون أول مواجهة بالأسلحة النووية في التاريخ.
ويوضح ستيرز: «نخشى الآن بشكل واضح من أن أي صراع جديد على الجزيرة الكورية، سيشمل استخدام الأسلحة النووية، لقد تغير تصور الناس عن شكل الحرب». ويذكر ثلاثة أسباب لهذا التغيير، الأول هو الحرب الكلامية الشخصية التي اشتدت بين دونالد ترامب وكيم يونج أون. السبب الثاني هو التقدم السريع لكوريا الشمالية في تطوير الصواريخ التي يمكن أن تصل للولايات المتحدة، والرؤوس النووية الصغيرة بما يكفي لتحملها هذه الصواريخ. وأخيرًا، تأتي التهديدات المستمرة التي يطلقها ترامب ومستشاروه باتخاذ إجراءات عسكرية إن تطلب الأمر ذلك.
تشير «ذي أتلانتك» إلى أن نتائج الدراسة تتشابه مع توقعات مراقبين مشهورين، مثل جيمس ستافرديس، أميرال سابق في البحرية، وجون برينان، مدير هيئة الاستخبارات المركزية في عهد أوباما. توقع ستافرديس أن احتمال حدوث حرب غير نووية مع كوريا الشمالية يقع بين 20% إلى 50%، واحتمال حدوث حرب نووية هو 10%، فربما – على سبيل المثال – تسقط كوريا الشمالية طائرة أمريكية، أو تطلق صاروخًا بالقرب من جزيرة جوام الأمريكية، وهو ما سيستدعي ردًا أمريكيًا قد تليه سلسلة من الهجمات الانتقامية.
وأشار برينان في مقابلة سابقة مع «ذي أتلانتك» إلى أن فجائية ترامب كانت عاملًا أساسيًا في تقديره لاحتمال الحرب بنسبة بين 20% و25%. وأضاف: «أتوقع – بدرجة كبيرة – أن كوريا الشمالية لا تريد إشعال نزاع عسكري كبير، وكانت الولايات المتحدة تسعى لسنوات طويلة لتجنب إشعال النزاع، لكني لا أعلم ما الذي يمكن أن يقرره ترامب أو يفعله».
وبالنسبة لإيران، فإن الالتزام المتردد لترامب بالاتفاق النووي يعد مصدرًا للخطر، خاصة وأنه لم يصدق عليه وحوّله للكونجرس لتعديله، فيما لا يزال احتمال انسحابه منه قائمًا. لذا فهناك احتمال متزايد للمواجهة بين إيران والولايات المتحدة بسبب عدد من القضايا الشائكة، منها برامجها الصاروخية والنووية، وخطواتها المستمرة لتوسعة نفوذها في سوريا والعراق، وآخرها دعمها لجماعات مسلحة في اليمن ولبنان وفلسطين، والذي يعارضه حلفاء الولايات المتحدة، مثل إسرائيل والسعودية. صنف المشاركون في هذه الدراسة هذا النزاع على أنه تهديد محتمل بدرجة متوسطة، مثل النزاع مع كوريا الشمالية. ولم يُذكر هذا التهديد في دراسة العام الماضي، فبينما كانت إيران تقوم بنفس العمليات، لم يكن مستقبل الاتفاق النووي مهددًا وقتها.
تتضمن السيناريوهات الأخرى في هذه الدراسة هجومًا إرهابيًا على الأراضي الأمريكية، وهجومًا إلكترونيًا ضخمًا على البنية التحتية للولايات المتحدة، واحتمالين آخرين، هما:مواجهة عسكرية بين دول حلف الناتو وروسيا، أو بين الصين ودولة – أو أكثر – من دول جنوب شرق آسيا، بسبب الخلافات الحدودية في بحر الصين الجنوبي. وهما احتمالان مفاجئان؛ بالنظر إلى هدوء هذه الجبهات في عام 2017، كما يشير التقرير.
قد ترجع احتمالية النزاع بين دول الناتو وروسيا إلى «تدهور العلاقات الروسية الأمريكية»، بحسب قول ستيرز. فبعد كشف المزيد عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، قد تظهر أزمة مفاجئة في أوروبا الشرقية. وبعد نجاح الرئيس الصيني شي جين بينج في السيطرة على السلطة في مؤتمر الحزب الشيوعي في أكتوبر(تشرين الأول)، «ربما يشعر الناس بأن الصين قد تتخذ خطوات أكثر حسمًا في بحر الصين الجنوبي بعد استقرار الوضع الداخلي».
يشير التقرير إلى احتمالين آخرين ضمن المخاطر القصوى، ويعد كلاهما مرجحًا جدًا، بينما يعتبر تأثيرهما على المصالح الأمريكية متوسطًا. أولهما تدهور النزاع في أفغانستان، حيث تعهدت إدارة ترامب بالاستمرار على نفس السياسة إلى مدى غير محدد. كما سيزداد العنف في سوريا بعد إحكام بشار الأسد قبضته على حكم البلد المنهار.
لم يصنف خطر تدهور الوضع في العراق ضمن المخاطر هذا العام، بعد أن كان خطرًا من الدرجة الأولى قبل عامين، ومن الدرجة الثانية العام الماضي. كذلك، لم يظهر «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» ضمن قائمة المخاطر، بالرغم من وجود مخاوف متزايدة من الهجمات الإرهابية. شرح رئيس الوزراء العراقي السبب يوم السبت الماضي، فقد نجحت القوات العراقية وقوات التحالف في تحرير البلاد من (تنظيم الدولة)، بحسب قوله. وينبه التقرير إلى أن محاولة التفجير في مبنى ميناء نيويورك توضح أن تهديد الإرهاب سيستمر حتى في ظل خسارة (داعش) لمناطق السيطرة.
تهديدات ذات أولوية قصوى
يذكر التقرير المخاطر التي صنفت ضمن أهم التهديدات التي يجب مراعاتها. ومنها تهديد من الدرجة الثانية، لكن له أثر كبير على المصالح الأمنية الأمريكية، وهو احتمال نشوب مواجهة مسلحة بين الصين واليابان بسبب خلافات حول جزر سنكاكو (أو ديايو) التي تقع في بحر الصين الشرقي.
كما شملت الدراسة تهديدات أخرى أكثر احتمالًا، لكن أثرها ضعيف على المصالح الأمريكية، مثل تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية في فنزويلا، وتدهور الوضع الإنساني في اليمن، التي تشتد فيها الحرب الأهلية وسط حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، واستمرار الهجمات الإرهابية لجماعة الشباب في الصومال، واحتدام العنف بين الحكومة ومسلمي الروهينجا في ميانمار (بورما)؛ وهو صراع وصفته الأمم المتحدة بأنه يشوبه احتمال التطهير العرقي، ولم تتوقعه دراسة العام الماضي. ويوضح التقرير أن الدراسات المماثلة لا تبرز الأزمات الإنسانية، بقدر ما تصب اهتمامها على مخاطر الإرهاب، والسباق النووي، والالتزامات العسكرية للقوات الأمريكية.
ذُكرت صراعات أخرى يعتبر تأثيرها متوسطًا، وكذلك احتمال حدوثها. يأتي من ضمنها ازدياد العنف المرتبط بالجريمة المنظمة في المكسيك، التي تجري فيها الانتخابات العامة السنة القادمة، وتفاقم العنف في شرق أوكرانيا بين الجماعات المسلحة المدعومة من روسيا والقوات الأوكرانية، واحتدام العنف بين الجماعات المسلحة الكردية والقوات الحكومية في تركيا والعراق، والتي فشل الأكراد في تحقيق الاستقلال عنها باستفتاء شعبي جرى الخريف الماضي، ونشوب نزاع عسكري شديد بين الهند وباكستان نتيجة الأعمال الإرهابية والاضطرابات في منطقة كشمير التي تقع تحت السيطرة الباكستانية، وارتفاع حدة النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
يشير التقرير إلى أن الدراسة تمت قبل قرار ترامب الأخير بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. كما ذكر احتمال المواجهة بين إسرائيل وحزب الله في سوريا أو على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وهو سيناريو يضاف لدراسة هذا العالم، ويقول السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة: إن احتمال وقوعه «أكبر مما يتخيله الناس».
تهديدات ذات أولوية متوسطة
تأتي أغلب التهديدات من الدرجة الثالثة من إفريقيا، وهذا لا يرجع – بحسب التقرير – لمستوى النزاع في هذه المناطق، بل لمدى تأثير هذه النزاعات على مصالح الولايات المتحدة بالمقارنة مع النزاعات في آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، وذلك حسب تقدير من استطلعت الدراسة رأيهم. هناك استثناء واحد للمناطق الإفريقية، ولم يظهر في الدراسات السابقة، وهو إمكانية اشتعال اضطرابات سياسية وعنف الجماعات المتطرفة في منطقة البلقان، التي أثر الاضطراب فيها على العالم أجمع فيما قبل الحرب العالمية الأولى، وفي التسعينات.
أما النزاعات الأخرى، فكان من ضمنها ازدياد العنف السياسي في جمهورية الكونغو، التي قتل فيها 15 من قوات حفظ السلام مؤخرًا، واضطراب في زيمبابوي بعد رحيل موجابي، الذي عزله الجيش بعد حوالي 40 عامًا في الحكم. والجدير بالملاحظة أن العنف في ليبيا ما بعد القذافي قد انخفض تصنيفه من تهديد من الدرجة الثانية إلى تهديد من الدرجة الثالثة هذا العام.
تهديدات ذات أولوية منخفضة
أضاف المستطلع آراؤهم بعض السيناريوهات التي لم تذكر في قائمة مجلس العلاقات الخارجية التي ضمت 30 نزاعًا محتملًا. كان منها الاضطرابات السياسية التي قد تسببها الحركات القومية والانفصالية في أوروبا، مثل الكتالونيين الذين صوتوا مؤخرًا لصالح الاستقلال عن إسبانيا، والقوميين في جزيرة كورسيكا، الذين ربحوا الانتخابات المحلية بعد وعود بتوسيع سلطة الحكم الذاتي، وربما الانفصال عن فرنسا. كما أشار آخرون إلى إمكانية زيادة الهجمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء المصرية، التي شهدت هجومًا إرهابيًا تسبب في قتل أكثر من 300 من المصلين بمسجد صوفي، بعد إجراء الدراسة بـ10 أيام.
في نهاية التقرير، يقول ستيرز: إن مجلس العلاقات الخارجية سأل الناس على مواقع التواصل الاجتماعي عن سيناريوهات لضمها للقائمة، وكان الكثير منها جامحًا، مثل «إعلان ترامب الحرب على الصين»، لكن لم يُجمع عدد كبير من الناس على نفس الشيء، فإنهم عادة ما يتجاهلون هذه السيناريوهات. وقد يكون أبرز مفاجآت هذه الدراسة أنه عندما طُلب من المسؤولين الحكوميين وخبراء السياسة الخارجية التدقيق في إمكانية نشوب حرب بين دولتين تمتلكان القدرة النووية، فإنهم رفضوا اعتباره سيناريو جامحًا. كما لم يتم اعتباره تهديدًا متوسطًا، بل وضع ضمن أشد المخاطر في العام القادم.
مترجم عنGlobal Conflicts to Watch in 2018للكاتب URI FRIEDMAN AND ANNABELLE TIMSIT
الحسيني محمد