شفقنا– قبل 20 عامًا من الآن، كان الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى يشغل حينها منصب وزير الخارجية المصري؛ وبرغم دبلوماسية الرجل التي أهَّلته للاحتفاظ بوظيفته 10 سنوات كاملة، إلا أنه كان يحمل في صدره جزءًا كبيرًا من الغضب المكتوم تجاه اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة الذي نازعه في اختصاصه بتفوُّقه عليه؛ يحكي «موسى» في حديث تليفزيوني، أنه ذات مرة اشتكى لبعض المسئولين سرًّا من أنه يوجد أكثر من وزير خارجية لمصر، يصمت بطل القصة، ثم يضيف: «أحدهم نقل الكلام إلى مبارك فواجهني.. ولم أتردد في المصارحة».
نفوذ عمر سليمان يظهر بقوة في مذكرات أحمد أبوالغيط، آخر وزير خارجية في عهد مبارك؛ ففي كتابه «شهادتي» يقول: «كنتُ أفكر في هذا الوضع كثيرًا، نفوذ عمر سليمان يتصاعد بهدوءٍ وبصمتٍ في السودان وليبيا وإسرائيل وحماس والقرن الإفريقي. الولايات المتحدة تتعامل معه مباشرة في شئون الشرق الأوسط، وبعض الرؤساء العرب كانوا يتأثَّرون بوجهات نظره وآرائه، كان شخصية نافذة في السياسة الخارجية المصرية».
في هذا التقرير نخبرك عن جهاز المخابرات العامة أقوى ذراع أمنية للسيسي، الذي يعمل حاليًا بديلًا لوزارة الخارجية في خمس دول عربية.
(1) لبنان.. المخابرات المصرية أفشلت خطط السعودية!
عندما قدَّم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من داخل الرياض قبل نحو شهر، أعلن في خطابٍ مُتلفز سبق تسجيله أن قراره المفاجئ جاء لقطع يد إيران من المنطقة، مُهاجمًا ما أسماه رغبتها في تدمير العالم العربي، بمساعدة «أتباعها» في الداخل اللبناني، في إشارة إلى حزب الله؛ مُشيرًا إلى أنه يخشى على نفسه من التعرُّض للاغتيال قائلًا: «لمست ما يحاك سرًّا لاستهداف حياتي»، وكانت المفاجأة كفيلة بإرباك الشارع اللبناني الذي تلقى الصدمة الأولى التي لم تكن في حقيقتها إلا أول انتصار سعودي على طهران منذ زمنٍ بعيد، ولم تكد تمر ساعات، حتى تلقى السعوديون صدمة أخرى جاءت هذه المرة من حليفهم المصري الذي يشاركهم حصار قطر.
الرياض نفت أن تكون قد أجبرت الحريري على الاستقالة، أو أن تكون وضعته تحت الإقامة الجبرية، لكنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عقد اجتماعًا عاجلًا مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي تصادف وجوده في شرم الشيخ لحضور منتدى شباب العالم، وفي الجلسة المغلقة التي حضرها كل من وزير الخارجية سامح شكري، ومدير المخابرات العامة اللواء خالد فوزي، إلى جانب السفير اللبناني أنطوان عزام، أخبر السيسي «برِّي» بأن معلومات المخابرات العامة المصرية لا تشير إلى وجود دلائل على محاولة اغتيال كان سيتعرض لها الحريري، ثم أنه كان أول من طالب بتوضيح الأسباب التي تبقي رئيس الحكومة اللبنانية في السعودية.
وبحسب جريدة «الأخبار» اللبنانية، فإن السيسي نقل إلى برِّي مخاوفه من أن يكون الحريري رهن الإقامة الجبرية في الرياض، وهي معلومة استخباراتية تعمَّدت الجريدة المقربة من حزب الله نشرها، وفي الوقت الذي أعلنت فيه الرياض تصعيدًا على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير: «بلادنا بدأت حربها للتو»، كان وزير الخارجية المصري قد بدأ جولة خليجية لاحتواء الموقف، خاصة بعدما أعلن السيسي موقف مصر من الأزمة: «لا نريدُ حربًا ضد حزب الله أو إيران».
المثير في الأحداث أن الحريري سافر إلى فرنسا في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ثم سافر السيسي أيضًا إلى قبرص في اليوم التالي ومعه وزير الخارجية، واللافت أن مدير المخابرات العامة كان ضمن الوفد، وبحسب جريدة «الأخبار اللبنانية»، فإن اللقاء تضمن مبادرة لبقاء الحريري في منصبة بعدما تدخلت مصر للإفراج عن رئيس الوزراء المحتجز، وفي تلك الأثناء أعلن الحريري زيارته القاهرة، الدولة العربية الوحيدة التي توجه إليها قبل أن يعود إلى بيروت ويتنازل عن استقالته مُطبقًا سياسة «النأي بلبنان عن صراعات المنطقة» التي بحثها مع السيسي خلال الاجتماع الذي حضره مدير المخابرات، الجندي المجهول في حل الأزمة.
(2) حماس.. أولويات الجهاز السيادي
كانت العلاقات متوترة بين حماس، والمجلس العسكري الذي تولى إدارة المرحلة الانتقالية عامًا ونصف عقب ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، ثم تحسَّنت خلال عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، لكنَّها شهدت أسوأ فتراتها منذ تولي السيسي الحكم عقب تحرُّك الجيش في 3 يوليو (تموز) عام 2013، فقد اتهمت الحركة بالضلوع في العمليات الإرهابية بسيناء، كما أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة حُكمًا يقضي بحظر أنشطة حماس في مصر، والتحفُّظ على جميع مقرَّاتها، ثم أصدرت حكمًا آخر يعتبر الحركة إرهابية، وحتى الآن يحاكم مرسي في قضية التخابر مع حماس، والتي لم يصدر فيها حكم حتى الآن، وكانت آخر الاتهامات التي وُجهت لها هي الاتهام في عملية اغتيال النائب العام؛ لكنّ لعبة السياسة جمعت الطرفين مرة أخرى، في صورة جديرة بالاهتمام.
لم تنفِ حماس وجود اتصالاتٍ سرية مع القاهرة، بالرغم من اتهامها بصناعة الفوضى في مصر؛ ففي مارس (آذار) العام الماضي، دعت المخابرات العامة كبار أعضاء المكتب السياسي للحركة (محمود الزهار، وخليل الحيّة، وعماد العلمي، ونزار عوض الله، وموسى أبو مرزوق)، إذ نُقلوا في سياراتٍ تابعة للمخابرات العامة، وعُقد الاجتماع الذي أعقبه اتصال هاتفي بين رئيس المخابرات العامة المصرية، خالد فوزي، ورئيس المكتب السياسي خالد مشعل، وفي يناير زار إسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، مسئولين من المخابرات العامة في القاهرة، وعقب عودته إلى غزة أعلن أن العلاقات مع مصر تشهد نقلات نوعية وإيجابية ستظهر نتائجها الأيام القادمة، وهو ما تحقق بالفعل في الشهر نفسه؛ إذ زار وفد من الأجهزة الأمنية التابعة لحماس القاهرة. وبدا حينها أن هناك ملفات مشتركة ومصالح فرضت نفسها على الطاولة، وتمثلت بقوة في الزيارة التاريخية التي قام بها وزير المخابرات لقطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
جميع الأوراق اختلطت مع المصلحة، فمصر أرادت انتزاع مكاسبها من عودة العلاقات، وتمثلت في ضبط الحدود المصرية، ومنع تسلل العناصر التكفيرية إلى قطاع غزة، إضافة للحصول على مشاركة جهاز حماس الأمني معلومات استخبارتية مع المخابرات العامة عن أماكن العناصر التكفيرية داخل سيناء والمدن الحدودية للسلطات المصرية، وبحسب ما نقلته جريدة الشروق المصرية عن مصادر أمنية داخل الحركة، فحماس زودت أجهزة الأمن المصرية بتفاصيل اتصالات بين عناصر إرهابية فى سيناء وقطاع غزة تضمنت معلومات عن أنشطة الإرهابيين فى سيناء، وتحقّق هذا التعاون بشكل عملي من خلال شروع وزارة الداخلية بالقطاع، في إقامة منطقة أمنية عازلة على طول الحدود المصرية الفلسطينية تنفيذًا لتفاهمات جرت بين قادتها والمخابرات المصرية منذ شهرين، حماس أيضًا أقامت كرفانات بطول 13 كيلومترًا موازية للحدود المصرية لمنع وصول العناصر التكفيرية داخل القطاع، إضافة إلى تعزيزات أمنية بعمق 100 متر.
وفي المقابل فقد استفادت الحركة اقتصاديًّا من خلال تخفيف الحصار على قطاع غزة عن طريق إدخال السولار المصري، والذي يُقدر بمليون إلى مليون ونصف مليون لتر من السولار في اليوم الواحد، يذهب ما بين 300 و400 ألف لتر منها لصالح محطّة توليد الكهرباء. أما سياسيًّا فحماس استطاعت عبر القاهرة الوصول إلى تفاهمات مع خصمها محمد دحلان ضد عدوهما المشترك الرئيس الفلسطيني محمود عباس؛ ففي يونيو (حزيران) الماضي التقى الطرفان خلال لقاءٍ غير مُعلن في القاهرة برعاية المخابرات المصرية من أجل الوصول إلى تسوية، وبحسب التسريبات تضمنت الصفقة إعادة العلاقات مع الجانبين، والقبول بدحلان رئيسًا للسلطة الفلسطينية، مقابل رفع الحصار عن القطاع، وفتح معبر رفح بشكل دائم، وتعيين عدد من قادتها وزراء في الحكومة، وحتى الآن ترعى المخابرات عملية تسليم السلطة في قطاع غزة، ولا زالت العلاقات قوية بقدر تدفق المصالح.
(3) السودان.. محاولة استعادة الحديقة الخلفية
النيل ليس فقط ما يقسم البلدين؛ فالمشاكل والأزمات المشتركة تعصف أيضًا بالعلاقات رغم تكتُّم الطرفين معظم الوقت؛ ففي نوفمبر عام 2014، أعلنت السودان اعتقال 24 شخصًا، من بينهم مصريون يعملون في القنصلية المصرية لاتهامهم بالتخابر لصالح القاهرة، وبالرغم من أنّ التحقيقات كشفت عن وجود شركة هندسية كان حصة المخابرات المصرية فيها 50%، إلا أن خبر الاعتقال ونتيجة التحقيقات لم يصدر عنهما بيان من السفارة المصرية في الخرطوم، كما تجاهل الإعلام المصري الحادثة بالرغم من وجود مصريين.
الأمر نفسه تكرر عام 2015، حين أعلنت الخرطوم مرة أخرى احتجازها مركب صيد مصري قبل أن تُفرج عنه ثم تعود لملاحقته مرة أخرى قبل دخوله المياه الإقليمية المصرية، حيث احتجز في قاعدة بحرية، وبعد إعادة تفتيشه بجهاز كشف الأشعة، عُثر بداخله على كاميرات عالية الجودة مرتبطة بجهاز بث واستشعار وتحليل؛ ولم تردّ القاهرة على الاتهامات، لكنه في اليوم التالي قامت قوة من سلاح حرس الحدود المُرابط في حلايب وشلاتين، المثلث الحدودي المتنازع عليه، بالدخول إلى الحدود السودانية والقبض على مجموعة من العمال السودانيين في منجم، وهو الأمر الذي تكرر مرة أخرى العام الحالي؛ لكنّ الذي تغيّر هذه المرة أن الخرطوم أعلنت لأول مرة أن القاهرة تتجسس عليها.
خلال زيارة الرئيس عمر البشير الأخيرة إلى الإمارات، أعلن أن بلاده حصلت على نصف مليار دولار وديعة، والتي أسفرت عن استقرار سعر صرف الجنيه السوداني؛ وهي نفس الزيارة التي اتهم فيها المخابرات المصرية بالتجسس عليه لصالح المعارضة المسلحة، إضافة إلى دعم مصر دولة «جنوب السودان» المنفصلة بالسلاح والذخيرة، ويأتي ذلك في الوقت الذي فتحت فيه السودان مرة أخرى أزمة المثلث الحدودي المتنازع عليه، والبشير أوضح ضمنيًّا أن مصر تستضيف رموز المعارضة السودانية على أراضيها، لكنه واصل الهجوم بعدما اتهم القاهرة أنها تدبر مؤامرة ضد بلاده، ولم تمر أشهر قليلة حتى وقعت القاهرة في موقف محرج.
في مايو (أيار) الماضي، أعلن الجيش السوداني تصديه لهجومين منفصلين من جماعتين مسلحتين عبر حدود بلاده مع دولتي ليبيا وجنوب السودان في منطقة دارفور، لكنّ المفاجأة التي فجرها الجيش هي أنّهم عثروا على أسلحة مصرية بحوزة المتمردين، وكانت عبارة عن خمس مدرعات مصرية مجهزة بكامل عتادها العسكري، وأجهزة رادار حديثة موصولة بالأقمار الاصطناعية، بالإضافة إلى صواريخ سام7 المضادة للطيران، ولم تُعلق القاهرة سواء عبر الخارجية أو خلال بيان من السفارة المصرية في الخرطوم. أمر آخر أغضب الخرطوم؛ فخلال الشهر الماضي، وقعت حكومة جنوب السودان مع الفصائل المُسلحة وثيقة «إعلان القاهرة» داخل مقر المخابرات العامة من أجل إنهاء الحرب، وهو ما اعتبرته صحيفة «النيلين» السودانية استعداد مصر لبدء حرب ضد السودان وإثيوبيا عبر الجنوب بسبب سد النهضة.
(4) المخابرات في سوريا.. دورٌ عسكريّ ودبلوماسيّ
الخارجية المصرية في هذا الملف ابتعدت تمامًا عن المشهد لصالح المخابرات العامة التي تُعتبر الراعي الرسمي لهذا الملف بقوة خلال الأشهر الأخيرة؛ نظرًا لتمتعها بتوافق كبير بين النظام السوري الذي تسانده من البداية، وبين المعارضة السورية المسلحة التي حصلت على ثقته ونجحت في إبرام المبادرات الناجحة والمُلزمة؛ لذلك يظل مقر الجهاز السيادي شرق القاهرة هو الحاضن الأكبر للمبادرات التي ترعاها روسيا بقوة.
وبالحديث عن الموقف المصري تجاه الأزمة السورية منذ البداية، فالرئيس السيسي لم يؤيد الثورة السورية وأعلن أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لتجاوز الأزمة، وهو ما اعتبر إشارة لرفض مصر دعم المعارضة المُسلحة على خلاف السعودية، وتجلى هذا الدور في تصويتها لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن بشأن الأزمة السورية في أكتوبر من العام الماضي، وهو ما اعتبرته الرياض والدوحة بأنَّه موقف مُؤلم؛ ولم تكتفِ مصر بدعم روسيا فقط؛ فبعد أقل من أسبوعين، أعلنت سوريا عبر وكالتها الرسمية أول زيارة علنية منذ بداية الأزمة متجهة إلى القاهرة على رأسها رئيس المخابرات السورية اللواء علي المملوك، برفقة ستة مسؤولين سوريين، بناءً على الدعوة السرية التي وجهها رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء خالد فوزي.
وبحسب ما ذكرته صحيفة السفير اللبنانية نقلًا عن مصدر عسكري سوري، فقد ترتَّب على هذه الزيارة «تشكيل وحدة عسكرية مصرية بقاعدة حماة الجوية تضم 18 طيارًا، ينتمون إلى تشكيل مروحيات بشكلٍ خاص، فضلًا عن وجود ضابطين مصريين برتبة لواء، على مقربة من غرف العمليات في هيئة أركان الجيش السوري بدمشق، يقومان بجولات استطلاعية على الجبهات السورية، بعد وصولهم إلى دمشق سبتمبر (أيلول) 2016»، الأمر نفسه أكدته وكالة إيرانية كشفت أنّ الحكومة المصرية أرسلت قوات عسكرية إلى سوريا«في إطار التعاون والتنسيق العسكري مع الجيش السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد»، وقوبلت هذه التصريحات بالنفي على لسان الخارجية المصرية.
وخلال الأشهر الأخيرة، دخلت مصر وسيطًا بين الفصائل المسلحة ونظام الأسد، عن طريق رعاية اتفاقات وقف إطلاق النار وتوقيع الهدنة بين أطراف الأزمة، ففي أقل من عام نجحت المخابرات في استضافة الطرفين في مقرها الرسمي في القاهرة، وتوقيع ثلاث اتفاقات وقف إطلاق النار: تمثلت الأولى التي حضرها ممثل وزارة الدفاع الروسية، وآخر من الجانب المصري، ومُمثل من جيش الإسلام، وتيار الغد السوري في هدنة منطقة الغوطة الشرقية في 20 يوليو الماضي، ونشر قوات روسية تكون مسئولة عن رعاية الاتفاقية، وتأمين وصول المساعدات الإنسانية، وعمل ممرات لعبور المدنيين، وهدنة أخرى في مدينة حمص السورية في 31 يوليو الماضي، بمشاركة نفس أطراف اتفاقية الغوطة الشرقية، وفي الشهر الماضي وقعت مصر الاتفاقية الثالثة التي قضت بوقف إطلاق النار في جنوب العاصمة السورية دمشق من جانب فصائل كل من «جيش الإسلام» و«جيش الأبابيل»و«أكناف بيت المقدس»، وحتى الآن فالوساطات المصرية هي الأكثر نجاحًا، إذ يلتزم بها كل أطراف الأزمة.
(5) ليبيا.. مصر تحتل الجزء الشرقي بموافقة حفتر
من بين ستة حدود جغرافية لدولة ليبيا، إلا أنّ الجار المصري لا زال صاحب النفوذ الأكبر في ما يحدث بالداخل رغم تعقيداته، فبينما تتقارب الجزائر والفصيل الليبي الغربي تقاربًا يتمثل في الدعم السياسي لعدد من الميليشيات المسلحة الإسلامية المعروفة باسم فجر ليبيا، تقدم مصر الدعم المالي والعسكري للفصيل الليبي الشرقي المتمثل في مجلس النواب الليبي وقوات حفتر، وبينما فرضت الأمم المتحدة قرارًا بحظر تصدير الأسلحة إلي ليبيا، كانت كل من روسيا ومصر تخرقان القرار وتقدم معونات عسكرية لحفتر في محاولة لجعله يسيطر على الأمور تمهيدًا لتنصيبه رئيسًا.
بدأ الدور الاستخباراتي لمصر في عهد السيسي عقب توليته مباشرة للرئاسة، ففي يناير عام 2014، رصدت المخابرات المصرية دخول أبي عبيدة الزاوي، رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا إلى الاسكندرية –تقع شمالًا–، ثم اعتقلته، والاعتقال تم بلا أسباب معلنة رغم تبعيته للسلك الدبلوماسي الليبي الرسمي، وكانت أحد أسباب اعتقاله هو أنه أحد أكبر المعارضين لخليفة حفتر؛ وفي أغسطس (آب) من العام الماضي، نشرت الصحف المصرية خبرًا يفيد بقيام المخابرات المصرية بعملية ناجحة على أرض ليبيا تمثلت في تحرير 23مصريًّا اختطفتهم مجموعة من الميليشيات المُسلحة اعترضوا طريقهم أثناء عودتهم من مصراتة غربي ليبيا.
اللواء خليفة حفتر يزور القاهرة دائمًا لثلاث مهام لا تتغير: فهو يلتقي الرئيس السيسي، ثم يذهب إلى مقر المخابرات العامة، ثم يقابل رئيس الأركان السابق محمود حجازي، المسئول عن الملف الليبي، وتتمثل الزيارات في الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي، لذلك لا يبدو غريبًا أن يُصرِّح الجنرال الليبي بأنه يوافق على أي ضربة عسكرية مصرية لتأمين حدودها حتى لو داخل ليبيا، وسبق بالفعل للطائرات المصرية أن قامت بعدَّة ضربات جوية سرية وعلنية على بعض الأهداف، بعضها كانت لدعم حفتر، والأخرى لدعم سياساتها الخارجية.
كانت البداية عندما صرحت وزارة الدفاع الأمريكية في عهد أوباما بأن مصر والإمارات قامتا بشن ضربات جوية سرية على بعض الفصائل الإسلامية، ولم تُعقّب القاهرة، إلا أن الضربات التي تلتها كانت علنية ومباشرة؛ فبعدما قامت بعض الجماعات الإرهابية باستهداف أتوبيس للأقباط في المنيا، شنت الطائرات المصرية ست ضربات جوية في مايو الماضي، ومرة أخرى بعدما نشر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مقطعًا مُصورًا لذبح الأقباط المصريين في ليبيا، حصلت مصر على تصريح رسمي باختراق الأجواء الليبية في أي وقت والقيام بعمليات انتقامية، إلا أنّ المثير أن الضربات تركزت في منطقة درنة التي فشل حفتر حتى الآن في دخولها، وهي خالية الآن من تنظيم داعش، وتحاول المخابرات على الأرض تحديد مواقع قادة الفصائل الإسلامية، ثم تخرج الطائرات المصرية لقصفها في أي وقت دون أسباب.