"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أوجه الشبه بين الصوفية والسلفية ( القرآن نزل للراشدين)

بقلم : 
رضا عبد الرحمن على :
بسم الله أبدأ هذه السلسلة من المقالات التي أتناول فيها بالنقد والتحليل والتوضيح والتفصيل لأوجه الشبه الكثيرة والمتعدة بيت التدين الصوفي والتدين السلفي ، والسبب الذي دفعني دفعا لكتابة هذه السلسلة هو قراءة رسالة الدكتوراه التي قدمها الدكتور / احمد صبحي منصور / عن (التصوف في العصر المملوكي) ، هذه الرسالة التي بسببها تم اضطهاده وظلمه ومحاربته من مشايخ الأزهر حتى اجبروه على حذف ثلثى الرسالة ، وحين تمكن الآن من نشرها على موقعه (أهل القرآن) ، وأصبحت في متناول كل باحث ، وكل مشغول بتاريخ المسلمين ، وبعد قراءة ما نشر حتى الآن من هذه الرسالة الهامة والخطيرة من جهة ، ومن خلال معايشة الفكر السلفي في مصر لسنوات طويلة ، وجدت ان هناك أمورا كثيرة جدا يتفق فيها (دعاة ومشايخ وأباطرة) الصوفية والسلفية ، ومن خلال قراءة أخرى في مجال ليس منا ببعيد وهو رسالة للدكتوراه للراحل الدكتور / محمد علاء الدين منصور ، وهي بعنوان (جماعات الفـُـتـوة في الأناضول في العصرين السلجوقي والعثماني في مصادر الفارسية)
 فهذه مواضيع واتجاهات ثلاثة قد تختلف في مسمياتها ، لكن ما لفت نظرى بقوة من خلال قراءة رسالتى الدكتوراه ، ومن خلال التعايش والتعامل مع الفكر السلفي الوهابي وجدت أن أي تدين بشري يصنعه الإنسان من أجل خدمة طموحاته البشرية وشهواته الحيوانية فدائما ما يكون متناقضا مع القرآن الكريم (دين الله) ، ودائما يقوم هذا التدين على استغلال العامة والفقراء والضعفاء والمساكين والمحتاجين والأطفال والمراهقين في أي مجتمع ، بدلا من نصرتهم ورفع الظلم عنهم والدفاع عن حريتهم والمطالبة بحقوقهم كما يأمرنا القرآن الكريم ، حيث يتم إقناعهم بشكل أو بآخر بانهم سيقومون بعمل عظيم هو الجهاد في سبيل الله ، وقد يحدث ويموتون من اجل الدفاع عن الله ، ويبدأ هذا الاعداد مبكرا ، فهم يقومون بنشر أفكارهم بين الأطفال الأبرياء الذين لا يعقلون ولا يملكون قدرة على الاختيار والتفريق بين الحق والباطل فيما يسمعون ، ولا يملكون القدرة على التعامل مع النص الديني الذي يحتاج لإنسان بالغ مكلف يملك إرادة وحرية الاختيار بعقل مكتمل النضج ، وفي جميع الأحوال سواء في التصوف أو التسلف ، او حتى في تاريخ جماعات الفتوة فإن العامل المشترك بين هذه الاتجاهات الدينية الثلاث ــ إضافة لاستغلال الفقراء والمحتاجين والعامة وأصحاب الحرف والمهن اليدوية ــ هو استغلال الأطفال والمراهقين والشباب اليافع ، بتربية وتأسيس الأطفال وزرع الأفكار الضالة في عقولهم حتى يشبوا وهم يعتقدون انهم يجاهدون في سبيل الله بما يعتقدون وبما يفعلون ويكون من الصعب تغيير أفكارهم وإقناعهم انهم على الخطأ ، وأنهم في الحقيقة يجاهدون في سبيل الشيطان..

وفي هذه المقالة الافتتاحية للموضوع سألقى الضوء على سقطة تاريخية تكررت في كتب السيرة حين تتحدث عن أول من أسلم من الصبيان أو الشباب أو الأطفال ، وقد يختلف معي البعض فيما أقول ، ولكن من خلال فهمى المتواضع لآيات القرآن الكريم التي تتعامل مع العقل سأحاول توضيح مخالفة هذه السقطة التاريخية لمنهج القرآن في الهداية وشروطه في الإنسان الذي يؤمن به كدين من عند الله جل وعلا يحتاج لإنسان بالغ راشد عاقل كامل النضج والنمو العقلي ، وأننا لا يجب ان نستمر في خداع أنفسنا حتى يومنا هذا وخداع أطفالنا بما يقال في كتب التاريخ أن أول من آمن من الصبيان هو على ابن أبي طالب ، يقولون أنه أسلم وعمره عشر سنين أو خمس عشرة سنة ، أعتقد ــ وهذه وجهة نظر ــ حسب فهمى للآية القرآنية العظيمة رقم 15 من سورة الأحقاف التي يقول فيها المولى تبارك وتعالى (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) أن هذه الآية العظيمة تبين وتحدد سن الأربعين هو سن الرشد والنضج العقلى واكتمال الرجولة الحقيقية ، ومفترق طرق في حياة كل إنسان لكي يعيد حساباته ويقف مع نفسه وقفه يحاول إصلاحها وتقويمها ويجدد توبته لله جل وعلا ويجدد إيمانه بدين الإسلام ، لا أقول أن سن الأربعين هو سن التكليف بمعنى أن يظل الإنسان طوال هذا السن حُرا طليقا بلا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا عمل صالح ولا التزام بالصدق والأمانة والأخلاق والضمير في العمل والقول الطيب مع الناس ، لا أقول هذا ، وإنما أقول ليس من الدين أن نطلب من طفل في العاشرة او الخامسة عشرة أن يعقل ويفهم القرآن ويؤمن به ، ونهلل ونطبل ونزمر ونظل نكرر هذا في التاريخ أن أول من أسلم من الصبيان ، أعتقد ان هذه إهانة غير مباشرة وغير مقصودة لرسالة الإسلام ، لأن القرآن الكريم رسالة الله الخاتمة للناس أجمعين لم تنزل على الرسول الخاتم إلا بعد أن بلغ أشده وبلغ أربعين سنة ، وأصبح قادرا على تحمل الرسالة ، ولو كان الأمر بهذه البساطة فلماذا لم ينزل الله جل وعلا القرآن على خاتم النبيين في سن العشرين مثلا ..؟ وهنا إضافة عقدين كاملين لبعثته عليه السلام وفرصة أكبر لهداية عدد أكبر من الناس خصوصا الشباب ، أتصور أننا لابد أن نعيد التفكير والنظر في هذه المسألة ، وعلاقة هذه المسألة المباشرة بموضوع المقال أن التدين البشري الذي صنعه البشر اعتمد أساسا على استغلال براءة الأطفال والمراهقين ، ولذلك نجح المتصوفة في تكوين وتربية أجيال لا حصر لها مثلت لهم ولمذهبهم زخما شعبيا ومريدين وأتباع ودعاة ومشايخ وعلماء ومصادر للتمويل ، وهو نفس الأمر الذي فعله السلفيون الوهابيون استغلوا براءة الأطفال وعدم اكتمال نضجهم العقلي بغرس أفكار ضالة وفاسدة وطائفية وعصبية ، ونجحوا في تربية ملايين من الإرهابيين والمجرمين والمغفلين والقتلة على مستوى العالم مستغلين اسم الإسلام العظيم ، وهنا أو هناك ــ في السلفية او الصوفية ــ فكلاهما استخدم تقريبا نفس الأسلوب في حشد الأتباع والمريدين الذين يتم استغلالهم بسرقة أموالهم وثرواتهم ، وأيضا يتم التضحية بهم في الوقت المناسب فهم ــ الأتباع والمريدين ــ أهم وأفضل وقود لأي حرب يخوضها أباطرة الدين الأرضى من أجل البقاء أو من أجل البحث عن الجاه والنفوذ والسلطة ..

بقلم

رضا عبد الرحمن على