القائد الخادم والشعب الخادم
مركز القلم للأبحاث والدراسات
22 يونيو، 2015
صهيونية
3,411 Views
بقلم/ الدكتور طالب احمد جايد
لم تجد نفعا الانقلابات العسكرية في العالم المتحضر فكيف يريدونها لنا؟ لاتعني كثرة الولاءات الحزبية والطائفية ان البلاد بحاجة الى قيادات عسكرية وليس مدنية، إذ يستطيع القائد المدني تذويب الولاءات الحزبية والطائفية إذا عمل بإخلاص للشعب وكرس وقته للشعب، ليس لكيانه السياسي، نعم يأخذ النصائح من كيانه السياسي ولكن ينبغي عليه انتخاب النصائح الايجابية التي تفيد المجتمع او شريحة كبيرة من المجتمع تحت الدراسة وليس قسم قليل منه لايتجاوز المحسوبين على الكيان السياسي.
ان العالم المتحضر مليئ بالكيانات السياسية والحزبية والطائفية، لنسأل أنفسنا كيف استطاعوا صقلهم او دمجهم في بودقة واحدة؟ كيف حجموا من تأثير من لايريد الاندماج والدخول في دين او مذهب او فكر الدولة الواحدة؟ لايمكن ان نفتح عين ونغلق الأخرى، إذ إن العالم مليئ بالمتناقضات، لكن بنفس الوقت يحاول التخلص من هذه المتناقضات بطرق شتى. واحدة من هذه الطرق هو القائد الناجح، مجلس الوزارة الناجح ورئيس الجمهورية الناجح والمجتمع الناجح. فاين نحن من هذه المعادلة ومن هو الناجح فينا؟ ان المجتمع العراقي حاله حال المجتمعات المتحضرة، عندما يجد قائد مناسب فلن يكون هناك مجال مناسب للولاءات الطائفية والحزبية.
لم يولد العراق اليوم او امس، بل كان العراق حر، لذلك من السهل عليه التغلب على هذه المعانات.
ومن لايريد الاندماج فهم قلة قليلة سيلفضهم التأريخ قبل المجتمع وهذا هو حال الأمم والشعوب المتقدمة.
إذن من واجب القائد الخادم القضاء على الولاءات من خلال النزول للشارع وسماع صوت المواطن والتكلم بصفة الخادم وليس لغة القائد، الشعب هو الوحيد الذي يطلق صفة القائد، بينما من صفة الخادم من حق الحاكم وهي خصوصية له. ان مايزيد فرصة نجاح القائد في العراق عندما يصبح خادم كون المجتمع العراقي عاطفي ويميل أكثر للتواضع. فعندما يذهب القائد الخادم الى إحدى دوائر الدولة ويخطب أمام المسؤولين والرعية وهم بالتأكيد ولاءات حزبية وطائفية، فالمدير مثلا من الحزب الفلاني، بينما معاونيه من أحزاب أخرى او طوائف أخرى، عندما يخاطب القائد كل هذه الشرائح بلغة الخادم، فلن يكون هناك مجالا للبحث عن ثغرات في هذا الخادم، بل سيذهب القسم الأكبر منهم ويبحث عن ثغرات في كياناتهم لأن هؤلاء قبل ان يكونوا أصحاب ولاءات، هم من هذا المجتمع يعيشون فيه ويعرفون معاناته، المشكلة التي نواجهها الآن تتمحور في كثرة هذه الكيانات وتشعبها لدرجة ارباك القائد، لذلك على القائد بذل الجهود الكبيرة لكي ينجح على اقل تقدير، فعليه كثير من الضغوطات التي قد لايستطيع تجاوزها، مثلا مشكلة قانون الأحزاب. لحد الآن لايوجد قانون ينظم عمل الأحزاب في العراق، إذن من يريد عمل ولاءات فهو حر ولايوجد تقييد كبير.
لذلك أصبح القائد الخادم وليس القائد العسكري ضرورة ملحة لأنقاذ العراق، القائد الذي يعمل ويعمل ثم يعمل بدون كلل. ليس فقط قائد، بل خادم للجميع بدون استثناء.
إن أغلب الدول العظمى عملت على الجانب المدني وحتى تبتعد عن الجانب العسكري وتبعاته عمدت الى سن قوانين أكثر من اللازم بخصوص حقوق الانسان إلى ان وصلت الى حقوق الحيوان، اليوم تتباهى هذه المجتمعات انها تعمل قوانين تهتم بحقوق النبات. هذا كله رسالة لشعوبهم من قياداتهم اننا في خدمتكم وخدمة من تحبونهم من حيوانات ونباتات. هذه الرسائل لطمأنة المجتمعات المتحضرة وجعلت الولاءات الطائفية والحزبية والمناطقية في مزبلة التأريخ والى الابد. من يصدق ان المجتمع الاسكتلندي يصوت لصالح البقاء مع بريطانيا في مملكة واحدة هي المملكة المتحدة؟ ذابت كل الولاءات في موضوع حق تقرير المصير للشعب الاسكتلندي، ومن أراد الانفصال اتته صفعة من المجتمع وذهب مشروعه أدراج الرياح ولكن بقى يحترم إرادة المجتمع مع العلم ان صاحب مشروع الانفصال هو رئيس وزراء اسكتلنده نفسه. من أجبر المجتمع على فعل ذلك؟ انه القائد الخادم. لماذا لانصبح مثلهم؟ لماذا لايصبح القائد خادم حتى يسحب البساط من تحت الولاءات؟ وتبقى هذه الولاءات مجرد حبر على ورق وتكون نائمة او مستيقضة غير فاعلة، تظهر فقط حين الانتخابات.
اليوم لنعطي المجال للأكراد لكي يقرروا مصيرهم، ماذا سيفعلون؟ الحكم لكم.
كيف ننظر الى قصة سويسرا وتنوّعها الديني واللغوي وتمسكها بممارسة الديمقراطية المباشرة مع العلم انها تقع في قلب القارة الأوروبية. كيف انصهرت كل الولاءات في اتحاد اسمه سويسرا؟
اعتقد ان كل الشعب بولاءاتهم المختلفة يحب ان يخدمه القائد الحقيقي وان يكون بتماس معهم، القائد الخادم صاحب الأرصدة المالية الفارغة، صاحب المؤسسات الخيرية، عنده أكبر عدد من ارقام تلفونات الفقراء، له صولات او جولات تفقدية كثيرة، سرية وعلنية. فالسرية التي خلف الأضواء يجب ان يكون فيها حدي وشجاع ويحاسب بشكل سريع، والزيارات الرسمية المسجلة يكون فيها أكثر عطفا وودا مع المخالفين. مشكلتنا كبيرة ومخلفات الماضي تتراكم علينا بشكل هائل ونحتاج الآن استغلال عظيم للفرص، العالم يتسابق ركضا ونحن إن لم نراوح في مكاننا، فإننا نمشي مشي النملة او السلحفات. هذه الاعمال لاتناسبنا اليوم لأن العالم اصبح قرية صغيرة والمجتمع العراقي ليس بعيدا عن هذا العالم، فهو يرى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي كيف ان البلدان تتقدم وكيف القيادات تأخذ زمام المبادرة ومكانها الصحيح، فمن حق المجتمع عدم الوثوق بقياداتنا وبالتالي تشرذم المجتمع الى ولاءات متعددة. هذا مايحدث للعراق مع الأسف. دستور محترم، تكنولوجية تواصل اجتماعي جيدة، رؤية للعالم المتحضر والمتخلف كيف يعمل ويقارنه من بلد مثل العراق فيه من الثروات مالا يعد ولا يحصى، إذن لنتوقع ماذا يفعل المجتمع العراقي؟ أكيد يندهش لهذا الوضع ويتمنى التغيير المدني حاله حال العالم المتحضر. تأتي الانتخابات ويتفاجأ بكثرة المرشحين والهالة الإعلامية والماكينة الدعائية الكبيرة. فبرغم كل هذه الضغوطات التي يواجهها هذا الشعب أثناء الانتخابات، فإنه يوصل العراق الى بر الأمان وينتخب. يتفاجأ هذا الشعب بأن القيادات لاتعمل بشكل جيد، وتأتي الانتخابات الثانية والثالثة وهكذا يستمر الشعب والى حين………
السؤال هو هل تم للشعب مايتمناه وهو القضاء على الولاءات بهذه الانتخابات؟ هل الولاءات ذابت او انصهرت في بودقة واحدة اسمها العراق حالنا حال الدول المتحضرة؟ هل الدائرة الفلانية اصبح ولائها لكل العراق؟ إن القليل القليل من هذه الأمور قد تحقق ولكن من يريد ان تتحق معظم هذه الامتيازات فعليه واجب وطني واخلاقي مقدس والذي يستطيع تحقيق هذه الامنيات هو القائد الخادم ولايمكن ان يكون رئيس الكيان السياسي حجر عثرة أمام القائد الخادم. أن هذا الامر مستبعد في العراق بشكل عام ولكن قد يضع القائد هذه الحجة ويقول انني فشلت بسبب القيود التي كنت مكبل بها….هذا مرفوض تماما ومن الخزيء ان يتكلم بها القائد المثالي، لأنه منتخب من قبل الشعب ومن ذلك فإن الكثير من قيادات الكيانات السياسية هي منتخبة. وحتى بعض قيادات الكيانات السياسية غير المنتخبة، فهي تؤمن بالدستور العراقي وإن السلطة بيد الشعب والقائد يمثل الشعب وليس القائد السياسي، تقديري لكل القيادات السياسية المنتخبة وغير المنتخبة…
ولنا اسوة حسنة بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب النموذج الانساني في التقوى والزهد والعدل والاستقامة والفروسية والشجاعة، رجل الانسانية الذي تدفقت منه الحكمة والفلسفة والعلم. هذا الحكيم والفيلسوف الزاهد الذي تشرب بالعلم والحكمة من ابن عمه سيد الانبياء والمرسلين الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال: خير الناس من نفع الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده و لافرق بين اعجمي وعربي الا بالتقوى و الناس سواسية كأسنان المشط.
أين نحن من الرأفة على الرعية؟ يقنن الامام للعالم في عهده لمالك الاشتر(رضوان الله عليه) إسلوب الحكم والرأفة بالرعيه في نسق علمي ومعرفي وحضاري، تنهل جميع الشعوب من عهده المبارك الذي يعد اهم وثيقة تأريخيه في اقامه العدل والمساواة، إستقاها أمير البلاغة وسيد الفصاحة من المنهج القرآني والنبوي الشريف، فالعهد العلوي صك لحقوق الانسان المستل من الشرع المقدس…. كما ورد في القرآن الكريم ((إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر)). عن معقل بن يسار رضي الله تعالي عنه ـ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة.
والحمد لله رب العالمين