حين يتخذ القادة قرارات سياسية بالحرب، وتسيير الجيوش إلى المواقع الحربية، ويتم استدعاء المجندين للجهاد في سبيل الوطن، وتأدية فرض الخدمة العسكرية الإجباري للوطن والدفاع عن الأراضي المغتصبة، أو الذود عنها ضد الطامعين وحماية الحدود.
على الجانب الآخر، وبشكل موازي تمامًا، وبرغم من إبداء الرضا التام لبذل الروح والبنين من قبل الأُسَر والعائلات لأجل الوطن، ككُل أكبر وأهم من مجموع أفراده، تظل في القلب غُصة تجاه الفتى المقتطع من على «طبليّة» العشاء من بين الإخوة، كشهيد مُحتمل، وذاهِب بغير خطة مؤكدة للعودة.
وقد خاضت الجُندية المصريّة غير موقعة حربية عبر تاريخها الحديث، على غير ميدان حربي، ليبقى، وبمُضيّ الزمن، موطن الشجن الأكبر، الجُندي الشهيد المجهول المُبعد عن مقابر العائلة إلى مقبرة جماعية، تلتحم فيها رُفاته برُفات زُملاء المعركة، ويتعذّر على ذويه الاهتداء لموقع مواراة الثرى لجسده بشكلٍ مُحدد، لإرسال الرحمات إلى روحه عن كثب من موقع جسده، وقراءة الفاتحة كعهد الأسر المصرية في طقس روحانيّ شجي.
في هذا التقرير، يستعرض «المصري لايت»، أشهر النصب التذكارية المُشيدة لتخليد ذكرى جنود مصريين استشهدوا في معارك حربية في العصر الحديث، سواء داخل حدود الدولة المصرية، أو خارج حدودها.
داخل مصر
10. النصب التذكاري للجندي المجهول بـ«مدينة نصر»
لم يكُن الرئيس المصري محمد أنور السادات، يعلم أن النُصب التذكاري الذي أشار ببناءه بعد انتصار الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي في معركة فاصلة ضمن الصراع العربي الإسرائيلي في استرجاع الأرض هي حرب 1973، لتنتهي أعمال بنائه عام 1975، يعلم أن مشهد النهاية في حياته –حادث اغتيال المنصة أكتوبر 1981- ليُشرِف على هذا النصب التذكاري للجندي المصري المجهول، وتُشيّد له مقبرة إلى جواره، بغير أن يكون مجهولاً كالجُندي الذي شُيد النصب التذكاري لأجله، واعتاد المصريون الوقوف عليه، وإرسال الصلوات من بقعته إلى السموات العُلا على أرواح الذاهبين بغير عودة.
الفنان صاحب تصميم النصب التذكاري الكائن بطريق النصر، بمدينة نصر، هو الفنان سامي رافع مُصمم جداريات مترو الأنفاق كذلك. وبالرغم من انتماء النصُب إلى مدرسة «التجريد» أو الرمزية عن طريق استخدام هيكل الهرم للإيحاء بالانتصار والاتجاه للسماء، إلا أن تداخُل رموز أخرى معه كأسماء رمزية للشهداء المجهولين المحفورة على سطحه الجرانيتي بخطٍ عربيّ أعطته شيئًا من روح الشهداء الواهبين حيواتهُم لقضية عربية بالأساس.
تصميم هرم النصب المفرّغ المقترب من عنان السماء مسافة ما يقرُب من 33 مترًا، ألمح الفنان المصري «بيكار» أنما رُبما يكون مفتقرًا إلى الشفافية والرقة، كما جاء في «القُدس العربي»، إلا أن التصميم المفرّغ رُبما أتاح للصلوات والرحمات أن تمُر عبر التجويفات.
جدير بالذكر أن النصب الذي تزوره اليوم ليس هو السيرة الأولى التي افتتحها الرئيس السادات عام 1975، فتعديلات مختلفة أدخلت على النصب الذي رُبما دُفن فيه بالفعل رُفاة أحد الجنود المجهولين في حرب أكتوبر، منها إضافة قبر الرئيس المُغتال إلى ساحة النصب عام 1981، وعدد نافورتين من الرُخام تحملان عربات أحمس التي تُطارد الهكسوس عام 1991، و ستارة كُتب عليها الآية الكريمة «ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون»، ولوحة تُصور اقتحام الجندي المصري لخط بارليف.
9. النصب التذكاري لـ«الجندي المجهول» لرجال البحرية المصرية
رُبما لا يعرف أغلب المُحافظين المتعاقبين على عروس البحر المتوسط، والذين يضعون أكاليل الزهور على نصب الجندي المجهول الكائن على كورنيش الأسكندرية، بالأخص بميدان المنشية، أنما يرجع تاريخه إلى عصر الخديو إسماعيل، على يد الجالية الإيطالية البارعة في فنون العمارة، والتي أحبت «إسماعيل» حد أنها شيدت له هذا النصب كهدية، يتوسطها تمثالًا له.
وبعد ذلك بسنوات أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراراً رئاسيًا بتحويل هذا الموقع إلى نصب تذكاري لجنود البحرية المصرية المجهولين عام 1964، والذي أصبح ذا مغزي بإضافة عيد البحرية يوم 21 أكتوبر من كُل عام، في ذكري تدمير البحرية المصرية للمدمرة الإسرائيلية «إيلات» ضمن حرب الاستنزاف المطولة التي خاضتها مصر بين 1967 و 1973.
جدير بالذكر أن تمثال الخديو إسماعيل تم نقله إلي متحف الفنون الجميلة بمحرم بك، وأن النصب عبارة عن قاعدة رُخامية، تنبت منها عمدان رُخامية منقوشة بدقة يعرفها جيدًا أهل الأسكندرية.
جدير بالذكر أن الإسكندرية تحتوي على نصب تذكاري آخر لجندي الإسكندرية الشهيد المجهول في حرب أكتوبر 1973، بميدان الشهداء.
8. نصب بواسل «بورسعيد»
ولأن بورسعيد الباسلة، كانت قد واجهت العدوان الثلاثيّ وحدها، وتضررت التضرر الأكبر وكابدت أمريّ التهجير والقصف، وأفشلت بها مصر عدوانًا ثلاثيًا اشتركت فيه فرنسا وإنجلترا وإسرائيل، كان لابُد لشهيدها المجهول في 1956، والذي رُبما كان فدائيًا أو مُجندًا مات غريبًا ولم يُعرَف عنه شيئًا بعدها، احتفت المدينة بشهدائها لتُشيّد لهم نصبًا تذكاريًا على طريقة الفراعنة الذين كانوا يغرسون المسلات في مواضع انتصارهم على أعدائهم.
بميدان الشهداء أو ميدان المسلة، أمام ديوان عام محافظة بورسعيد، تم تشييد هذا النصب، حسب الموقع الرسمي لمحافظة بورسعيد، قسم المزارات التاريخية، كمسلة جرانيتية تعلوها شُعلة، على سطح متحف النصر.
7. نصب شهداء «دسوق»
تمُر من جواره تاكسيّات محافظة كفر الشيخ ذات اللون الأصفر في الأبيض المُميّز، يُشيّعها رُكاب دسوق في سكينة، فكفر الشيخ في أعقاب حرب 1973 أبت إلا أن تخلّد مفقوديها الشهداء بنصب تذكاري يتوسط مدينتها دسوق، يعلوه لفظ الجلالة بلون أخضر.
6. مدينة «السادات»
بالرغم من أن التنظيم الإداري المصري عرف مدينة السادات بعد أن وضعت الحربُ أوزارها، إلا أن نصبًا تذكاريًا في سبعينيّات القرن الماضي تم تدشينه في المركز الذي انضم بقرار جمهوري إلى محافظة المنوفية، والتي صممت من الأساس لتكون عاصمة مصر، غير أن هذا لم يحدُث.
5. شهداء معارك «الإسماعيلية»
إذا قمت بزيارة مدينة الإسماعيلية، ونازعتك نفسك بالرغبة في الترحم وتذكر شهداء هذه المدينة الذين قدمتهُم في سبيل تُراب الأرض كونها إحدى مُدن القنال التي شملها من نار الحرب القسم الأكبر، إلى جوار ما قدمته من مجندين إسماعيليّ النشأة، فإنه يتوجّب عليك استقلال «معديّة» تعبر قناة السويس إلى الجانب الآخر الشرقي منه، لإلقاء السلام والتحية على نصب شهداء معركة الإسماعيلية.
جدير بالذكر أن معركة الإسماعيلية هي واحدة من سلسلة معارك حرب أكتوبر 1973، على خلفية ثغرة «الدفرسوار» بقيادة الجنرال الإسرائيلي «آرييل شارون» الذي كان على وشك العبور بسرعة إلى مدينة الإسماعيلية على ضفتها الغربية قبل إعلان وقف إطلاق النار من قبل مجلس الأمن، والتي تعاملت فيها إسرائيل على أنها معركة فاصلة، بيد أن القوات الإسرائيلية لم تنجح وقتها في خطة عزل المدينة كما خططت، ليتم تخليد ذكرى شهداء المعركة الذين واجهوا آخر مراحل العدوان الإسرائيلي بنصب تذكاري على هيئة «سونكي» يُعد من أجمل النُصُب التذكارية من حيث اختيار الموقع المُطل على سيناء والإسماعيلية في نفس الوقت، بالإضافة إلى روعة واتقان بناءه الذي يوحي بفخامةٍ ما تليق بشهداء المعركة.
خارج الحدود المصريّة
– فلسطين المُحتلة
4. نصب «بيت نوبا» بالضفة الغربية
كانت كتيبة مصرية قد أبت أن تتراجع إلى الأردُن، ليلقى أعضاء الكتيبة العشرة المتبقين جميعًا حتفهُم في قرية «بيت نوبا» عام 1967، ويقوم بدفنهم سكان قرى «اللطرون»،ويعودوا لتذكُرهم بعد 47 عامًا بإنشاء نصب تذكاري لهم بحلول عام 2012، غير أن القوات الإسرائيلية كانت قد استصدرت قرارًا بهدم النصب ضمن مجموعة مباني بالقرية الواقع في رام الله بالضفة الغربية، إلا أنها تراجعت فيما بعد.
– إسرائيل
3. النصب التذكاري للجندي المصري بـ«آد حالوم»
قليل هُم من يعلمون أن الأراضي الإسرائيلية رُبما تحمل رُفات جنود مصريين، أقيم فوقها نصبًا تذكاريًا نقشت عليه أسماء جنود مصريين، يرجع تاريخها إلى حرب فلسطين عام 1948، وحصار «الفالوجة»، حسب موقع «المجموعة 73 مؤرخين»، من بينهم البطل «أحمد عبدالعزيز»، وفاءً لإحدى نصوص اتفاقية «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل التي توصي بإحياء ذكرى الشهداء في المواقع الحربية، وتمجيد رُفاتهم.
-الكويت
2. شهداء «عاصفة الصحراء»
ضمن «عاصفة الصحراء» التي أطلقت على معركة تحرير الكويت ضمن حرب الخليج الثانية، لقى مجموعة من الجنود المصريين حتفهم يقدرون بحوالي 12 جنديا، لتقرر الكويت إحياء ذكراهم ضمن متحف نصب الكويت التذكارية القومي في ذكرى 12 جنديا مصريا.
– اليمن
1. مقبرة شهداء «صنعاء»
بحلول عام 1965، شارك الجيش المصري في عدد من المعارك باليمن قدرت قواته حينها بـ 70 ألف جندي. لتحتوي فيما بعد مقبرة جماعية على ما يزيد عن 1300 جثمان شهيد مصري شارك في الحرب، اعتادت مصر أن تحتفي بهم مع كُل حول في ذكرى حرب أكتوبر والأعياد، ويتوسط المقبرة نصب تذكاري نقش عليه أسماء الضباط والجنود، الذين يتميزون بأن أغلبهم كان من الرُتب العسكرية الصغيرة التي لا تتعدى رتبة «رائد».