“إنترناشيونال بوليسي دايجست”: إن إنشاء مركز سلفي باليمن في ظل الانفتاح الذي تشهده السعودية يأتي في سياق استخدام الأمير محمد بن سلمان للإسلام السني المحافظ جدا في مواجهته مع الحوثيين.

ونقل الكاتب عن الباحث في الشأن اليمني “جابريل فوم بروك” قوله إن الحكومة السعودية استثمرت بكثافة في المدارس والمساجد السلفية الوهابية في المناطق الشمالية، طيلة السنوات الأربعين الماضية.

وتزامن الكشف عن المركز السلفي في “المهرة” مع تقرير صادر عن الأمم المتحدة، دان التدخلات السعودية والإيرانية والإماراتية في اليمن، وكشف أن وكلاء هذه البلاد يهددون آفاق السلام، وأن انفصال جنوب اليمن الذي يشمل “المهرة” أصبح الآن واردا .

وإلى نص المقال ..

تثير الخطط السعودية- بفتح مركز سلفي في محافظة المهرة اليمنية على الحدود مع عمان والمملكة- شكوكًا وتساؤلات كثيرة، حول مفهوم ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان للإسلام المعتدل.

وتقود الأسئلة إلى حقيقة أن ولي العهد السعودي لم يفعل سوى القليل، (إن وجد) فيما يتعلق بوعده الذي قطعه على نفسه في أكتوبر  الماضي، بإعادة المملكة إلى الإسلام المعتدل.

ورفع ولي العهد التوقعات بمزيد من الليبرالية الاجتماعية، برفعه الحظر على قيادة المرأة للسيارة، والبقايا البدوية التي تتبعها بدلا من التقاليد الإسلامية المعتدلة، فضلا عن منح المرأة فرصة الحق في الدخول لملاعب الكرة ومتابعة الأحداث الرياضية، وإضفاء الشرعية على مختلف أشكال الترفيه، بما في ذلك السينما والمسرح والموسيقى، وإلغاء سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في توقيف المخالفين.

ويشير الكشف عن المركز السلفي إلى أن الأمير محمد بن سلمان، يرغب فقط في تقييد بعض جوانب المحافظين، كما يشكك في السياسة السعودية في اليمن التي تعيد ذكريات المملكة الحافلة بالفشل فيها.

فالصراع السعودي مع المتمردين الحوثيين – المدعومين من إيران، والذين يتبعون المذهب الزيدي، ولهم حدود متاخمة للمملكة – يعود تاريخه إلى توظيف السلفية السعودية لمواجهة الجماعة في الثمانينيات .

وتعيد الخطة الذكريات إلى إنشاء مركز سلفي معادٍ للشيعة، بالقرب من معقل الحوثي في صعدة، ما أثار مواجهات عسكرية في عام 2011، مع الحكومة اليمنية، ليتم في نهاية المطاف إغلاق المركز في عام 2014، كجزء من اتفاق السلم والشراكة لإنهاء الأزمة اليمنية.

استخدام ولي العهد للإسلام السلفي المتشدد، كان واضحا أيضا في مواجهة أخرى مع الحوثيين، عندما عينت حكومة الرئيس اليمني المدعوم من المملكة عبد ربه منصور هادي، الرئيس اليمني المدعوم من المملكة، حاكم صعدة، هادي طرشان الوايلي، الذي ينتمي لقبيلة تعادي الحوثيين، وأيضا الزعيم القبلي المؤيد للمملكة عثمان مجلي،  الذي يقال إنه يعمل مستشارا لدى الرئيس اليمني .

وقال الباحث اليمني جابرييل فوم بروك، إنه ” على مدى السنوات الأربعين الماضية، استثمرت الحكومة السعودية بشكل كثيف في (المدارس الدينية) والمساجد السلفية الوهابية في المناطق الشمالية؛ ونتيجة لذلك تعرضت للمواجهة من قبل الحوثيين، الذين إذا كان من المقرر هزيمتهم في معقلهم، فمن المرجح أن يتم إحياء البرنامج الوهابي وتنفيذه بشكل أكثر تشددا عما كان عليه في السنوات السابقة ” .

وتزامن الكشف عن خطة مركز “المهرة” مع تقرير صادر من الأمم المتحدة، يتضمن 79 صفحة تدين التدخلات السعودية والإيرانية والإماراتية في اليمن.

وخلص التقرير الأممي إلى أن الوكلاء السعودية والإماراتيين يهددون آفاق السلام، وأن  انفصال جنوب اليمن الذي يشمل المهرة أصبح الآن واردا.

فالتساؤلات حول مفهوم الأمير محمد بن سلمان للإسلام المعتدل، تتجاوز الصراع اليمني مع الحوثيين، حيث لا تزال الفنون، بما فيها السينما، خاضعة للرقابة التي تستند إلى القيم المتشددة داخل المملكة، وهناك لاعب كرة قدم ومغنٍّ، يواجهان إجراءات قانونية؛ للتعبير عن أنفسهم بطريقة اعتبرت غير إسلامية .

كما أدخلت الحكومة العام الماضي حصص التربية البدنية في مدارس البنات، وسمحت بنوادٍ رياضية للنساء، ولكن لم تذكر إذا ما كان سيتم رفع القيود المفروضة على مشاركة النساء في مختلف المنافسات الأولمبية أم لا .

وعلى نفس المنوال، لم تشر الحكومة إلى ما إذا كانت سترفع وصاية الذكور، أو الفصل بين الجنسين، وإلغاء اللباس الذي تجير من خلاله النساء على تغطية كاملة، وغلق المحال التجارية وقت الصلاة، كما لم تعلن الحكومة استعدادها لرفع الحظر عن ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين داخل المملكة .

ويشير مثال اليمن إلى أن حدوث تغير محدود في حملة المملكة العالمية المستمرة منذ أربعة عقود، التي انفقت عليها 100 مليار دولار، لتعزيز الإسلام السلفي، في مواجهة الثورة الإيرانية .

فاليمن ليست سوى طيف من الأطياف، فالمملكة مولت وشغلت المسجد الكبير في بروكسل، واستجابت المملكة للانتقادات البلجيكية التي طالبت بإقصاء الإدارة المتشددة، وفي العام الماضي، عينت إماما آخر، وهو تامر أبو السعود، وهو استشاري سويدي مقيم في لوكسمبورج  منذ سنوات ويعمل في مجال الأغذية .

كما استجاب المسؤولون السعوديون للمبادرة الحكومية البلجيكية، لإنهاء عقد إيجار المسجد، الذي تصل مدته 99عاما، قبل المدة، لرفع يد الممكلة عن السيطرة على المسجد، وذلك على النقيض مما تقوم به في اليمن، حيث تم استخدام المحافظات المتطرفة كخيار متعمد.

فالأمير محمد بن سلمان قد يشعر بقيود تفرض عليه إذا ما استخدام الإسلام المعتدل من قبل المملكة، التي تستمد شرعيتها من تمسكها بالمنهج المتشدد، وبالإضافة لذلك، أشارت المؤسسة الدينية المحافظة في المملكة مرار وتكرارا، إلى أن أراء بعض أعضائها على الأقل لم تتغير، حتى لو أيدت المؤسسة سياسيات ولي العهد .

منعت السلطات السعودية الداعية سعد الحجري، (عالم بارز مسؤول عن الفتوي في عسير ) في سبتمبر الماضي، من الإمامة والخطابة، إثر قوله إن النساء لا يجدر بهن قيادة السيارات؛ لأنهن ذوات “ربع عقل”، فيما لم يتم اتخاذ إجراء رسمي علني ضد الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، الذي أعلن عن موقفه على الإنترنت، حين قال: “إن المرأة إذا مسكت سيارة، فإنها ستخرج في أي وقت شاءت من ليل أو نهار، لأن مفتاحها معها وسيارتها معها، فتذهب إلى حيث شاءت.. فيكون لها مع الأشرار اتصالات، ولها مع الأشرار ارتباطات، كما تعلمون الاتصالات الآن متواصلة وتغريم؛ لأن المرأة ضعيفة تغرى فتذهب”.

فالتوجه الرئيسي لحملة الأمير بالعودة نحو الإسلام المعتدل، كان بهدف مكافحة التطرف، بما في ذلك إنشاء مجمع الحديث النبوي، لكيلا تستخدم في تبرير ما وصفته بالعنف أو الإرهاب.

ولا شك أن المملكة جادة في مكافحة التطرف، غير أن معارضتها للتطرف لا تتساوى تلقائيا مع الاعتدال أو مفاهيم التسامح والتعددية، كما أن ولي العهد “محمد” لم يوضح إذا ما كان التسامح والتعددية جزءا من مفاهيم الاعتدال الذي يتبناه في المملكة أم لا، لكن يبدو في واقع الأمر أن سجله أبعد ما يكون عنها، وفي أفضل الأحوال سجل مختلط.

العدسة – إبراهيم سمعان